لم يطرأ تغيير كبير في خارطة الائتلاف السياسية وكذلك على المشهد السياسي العراقي بمجمله خلال الموسم الانتخابي لعام 2010، بالمقارنة عما كان عليه الوضع في الانتخابات التشريعية التي جرت في ديسمبر (ايلول) عام 2005، حيث بقيت نفس الوجوه والكتل السياسية التي تصدرت المرحلة السابقة تتمسك بزمام المبادرة وأخذت تبسط نفوذها على الساحة، مع بروز شخصيات سياسية على السطح لم تكن معروفة انذاك، لكن تسلمها مناصب حكومية ساعدها على تكوين احزاب ومن ثم ائتلافات سياسية يتوقع لها ان تحقق تغييرا طفيفا في المعادلة السياسية القائمة. واختفت بوتقة التحالفات القائمة على اساس مذهبي وطائفي، إلى حد كبير عن المشهد، وبدأ المرشحون يركزون في حملاتهم الدعائية على شعارات وطنية تكون قريبة الى مشاعر واحاسيس الناخب العراقي، قبيل العملية الانتخابية بفترة طويلة التي انتهت فصولها مساء امس الاحد. وخرجت الائتلافات الانتخابية الرئيسية المشاركة في الانتخابات عن العباءة الطائفية الى حد ما والتي تميزت فيها المرحلة السابقة والانتخابات النيابية التي جرت عام 2005، حيث انضمت شخصيات علمانية الى ائتلافات دينية، وبالعكس. الائتلاف الشيعي أدت خلافات المرحلة السابقة والصراعات على النفوذ والسلطة والمناصب الحكومية، الى انفراط عقد الائتلاف الشيعي الحاكم، بعد أن أفرزت الانتخابات المحلية التي جرت قبل عام تقريبا قوى شيعية جديدة فضلت دخول الانتخابات التشريعية بشكل منفرد، إضافة الى شخصيات سياسية مستقلة تحاول هي الاخرى الابتعاد قدر الامكان عن التيارات ذات الصبغة الطائفية. ولم تنفع محاولات تقريب وجهات النظر وما قيل بانها "ضغوط" مارستها ايران على حلفائها من الاحزاب والقوى الشيعية في الحفاظ على تماسك "البيت الشيعي" الذي التم شمله قبل الانتخابات النيابية الماضية عام 2005، ومكنه في حينها من الحصول على قاعدة برلمانية كبيرة تربعت بموجبها على سدة الحكم طيلة الاربع سنوات الماضية. والائتلاف الوطني العراقي"الذي تشكل على انقاض الائتلاف الشيعي الحاكم، وحافظ على صورته الشيعية رغم محاولات لضم تنظيمات سنية وأخرى كردية أسفرت عن نتائج محدودة للغاية، ويتشكل هذا الائتلاف أساسا من المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحيكم، ومنظمة بدر، والتيارالصدري، وحزب الدعوة تنظيم العراق، والمؤتمرالوطني بزعامة أحمد الجلبي، وحزب الفضيلة بزعامة الشيخ اليعقوبي، وتيار الإصلاح الوطني بزعامة رئيس الوزراء الاسبق ابراهيم الجعفري، وتيار الوسط بزعامة موفق الربيعي، وشخصيات شيعية أخرى مستقلة ونافذة، كما ضم في قائمته الانتخابية شخصيات علمانية ودينية من (العرب السنة)، منها الشريف علي بن الحسين رئيس الحركة الملكية الدستورية، والسياسي نصير الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي، ونوري البدران وزير الداخلية في الحكومة الانتقالية التي ترأسها اياد علاوي، والشيخ حميد الهايس رئيس مجلس الانقاذ في الانبار وأحد قادة مجالس الصحوة التي قاتلت"القاعدة"، وكذلك رجل الدين خالد الملا رئيس تجمع علماء العراق. وفي المقابل فإن "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي المرشح بقوة لرئاسة الوزراء لولاية ثانية، والذي تشكل بدرجة اساس من حزب الدعوة الاسلامية بشقيه (تنظيم الخارج) و(تنظيم العراق) والذي بقي حسب رأي المراقبين الحزب المركزي في هذا الائتلاف، رغم ضمه عددا من الشخصيات المستقلة، ونجح نسبيا في ضم فئات متعددة وركز على أوساط العرب السنة، وعلى قادة الصحوات التي تحارب القاعدة في مناطقها (غرب بغداد وشمالها)، وكون تحالفا من حوالى أربعين كيانا سياسيا صغيرا بينهما اثنان من المجموعات المسيحية وواحد عن طائفة الشبك. وينحصر المشهد الانتخابي الشيعي في العراق حاليا، في هذين الائتلافين الرئيسيين، بالرغم من وجود أحزاب أخرى دخلت الانتخابات في قوائم منفردة أو ضمن كيانات بعيدة عن التخندقات الطائفية، كما ان حظوظ هذين الائتلافين في تحقيق نتائج متميزة في الانتخابات متقاربة الى درجة كبيرة مع افضلية نسبية للائتلاف الذي يتزعمه رئيس الحكومة وفقا لتوقعات مراقبين انطلقوا فيها من نتائج انتخابات مجالس المحافظات الماضية. القوى العلمانية كتلة "العراقية" التي يتزعمها رئيس الوزراء اياد علاوي وتضم قيادات سياسية كبيرة من بينها نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي يتزعم قائمة "تجديد" الانتخابية الذي انشق عن الحزب الاسلامي، ونائب رئيس الوزراء رافع العيساوي، وجبهة الحوار الوطني التي يرأسها صالح المطلك الذي تم اقصاؤه عن المشاركة في الانتخابات بتهمة الترويج والتمجيد لحزب"البعث" المحظور، وكذلك تجمع "عراقيون الوطني" برئاسة النائب اسامة النجيفي، وهو من أشد الداعين لعروبة العراق، فضلا عن شخصيات عشائرية وليبرالية من (السنة والشيعة). ويقول مراقبون للشأن السياسي، ان هذا التشكيل السياسي عاد الى المشهد الانتخابي عبر تحالفات جديدة، بعد ان عانى من التفكك في التجربة البرلمانية السابقة وانسحاب العديد من المكونات المتحالفة معه وانضمامهم الى تحالفات اخرى، سيضمن اصوات جغرافيا وديمغرافيا تشمل مدن الموصل وصلاح الدين وديالى والانبار وجزء من بغداد، بالاضافة الى مدينة كركوك واجزاء صغيرة من محافظات واسط وبابل ومحافظات الجنوب والفرات الاوسط ومن المحتمل ان تؤثر على بقية القوائم والائتلافات الانتخابية. أما "ائتلاف وحدة العراق" بزعامة وزير الداخلية جواد البولاني، فيضم الى جانبه كل من رئيس البرلمان السابق محمود المشهداني، واحمد عبدالغفور السامرائي رئيس ديوان الوقف السني، والشيخ احمد ابو ريشة زعيم مجالس الصحوة في الانبار، فضلا عن وزير الدفاع السابق سعدون الدليمي، وشخصيات سياسية بقيت في الظل في الفترة الماضية مثل السياسي رعد مولود مخلص رئيس تجمع من اجل العراق. وتتكون "قائمة اتحاد الشعب" بزعامة الامين العام للحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى، من ديمقراطيين يساريين ومستقلين وشخصيات اجتماعية وادبية ورؤساء عشائر، ومن مختلف اطياف المجتمع العراقي الاجتماعية والقومية والدينية والمذهبية. ونشأ "تحالف الوحدة الوطنية" عن اتفاق بين (تجمع الوحدة الوطنية) بزعامة السياسي نهرو عبدالكريم وهو ابن احد شيوخ الطرق الصوفية في العراق (الطريقة الكسنزانية) و(مجلس الحوار الوطني) الذي يتزعمه النائب خلف العليان، وعدد من الكيانات السياسية والشخصيات العشائرية. القوى الكردية وزعت الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2010 الاحزاب الكردية على عدة قوائم مختلفة متنافسة ومعارضة لبعضها البعض بخلاف ما كانوا عليه في السابق، ويتوقع المراقبون ان تشهد الساحة الانتخابية الكردستانية منافسة قوية بين اربع قوائم رئيسية، للحصول على اكبر عدد ممكن من المقاعد المخصصة لمحافظات الاقليم الثلاث وبقية المقاعد الموزعة على المناطق المتنازع عليها والتي يقطنها عدد كبير من القومية الكردية مثل كركوك وديالى ونينوى وصلاح الدين، هذا اضافة الى العاصمة بغداد. والقوائم الاربعة الرئيسية والمتوقع ان تحصل على غالبية المقاعد الكردية هم: قائمة التحالف الكردستاني، قائمة التغيير، قائمة الاتحاد الاسلامي الكردستاني من أكبر المنظمات السياسية الاسلامية في الإقليم، وقائمة التجمع الاسلامي الكردستاني وهي أحد أكبر الأحزاب الإسلامية الكردية. قائمة "التحالف الكردستاني" الذي يتشكل من الحزبين الكرديين الرئيسيين، (الحزب الديمقراطي) بزعامة رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، و(الاتحاد الوطني الكردستاني) بزعامة رئيس الجمهورية جلال طالباني، اضافة الى بعض الاحزاب الكردية الصغيرة التي لا تمتلك إمكانيات وشهرة مثل ما يمتلكه حزبا البارزاني والطالباني. حركة "التغيير" او ما يعرف باللغة الكردية (كوران)، وهي حركة يقودها السياسي البارز نيشروان مصطفى الذي كان في وقت سابق نائبا طالبانيا في الحزب قبل ان ينشق عنه هو ومجموعة من القيادات الكردية احتجاجا على تهم بالفساد طالت مقربين واعضاء من اسرة الرئيس العراقي، وحققت هذه الحركة نتائج ايجابية في انتخابات اقليم كردستان التي جرت العام الماضي رغم حداثتها. وتعتبر قائمة "الاتحاد الاسلامي الكردستاني" من أكبر المنظمات السياسية الاسلامية في إقليم كردستان، وتأمل في الحصول على اكبر عدد ممكن من الاصوات، خصوصا مع تعديل قانون الانتخابات واعتماد القائمة المفتوحة بدلا من المغلقة. وتأتي قائمة "التجمع الاسلامي الكردستاني"، وهي تمثل أحد أكبر الأحزاب الإسلامية الكردية، كقائمة رابعة من حيث القاعدة الجماهيرية في إقليم كردستان. وكان أمير الحزب، علي بابير، قد تعرض الى الاعتقال لمدة أكثر من عام من قبل القوات الامريكية بتهمة "مساعدة الجماعات الاسلامية المتطرفة". القوى السنية "جبهة التوافق العراقي" للمرة الأولى منذ بدء تشكيل الدولة العراقية الجديدة، وعلى مشارف الانتخابات، بدا واضحا ان الائتلافات والأحزاب السنية تصدعت بشكل كبير، بعد ان كانت ابرز كتلة فازت بأصوات المحافظات السنية في العراق في انتخابات عام 2005، لكن لم يعد هناك ما يمكن أن نطلق عليه "القائمة التي تمثل العرب السنة في العراق"، فبعد ان كانت جبهة التوافق العراقية هي العنوان الأبرز للعرب السنة، لدينا الآن قوى سنية مؤثرة تتوزع في الائتلافات الاربعة الكبيرة وتتحالف مع أحزاب شيعية. فقد حدثت انقسامات عدة داخل جبهة التوافق في السنوات الخمس الماضية، التي طغت عليها الصبغة الدينية في الفترة الماضية، فقد انضمت شخصيات سنية بارزة إلى كل من القائمة الوطنية العراقية بزعامة أياد علاوي، وائتلاف وحدة العراق بزعامة جواد البولاني، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم. * ومع هذا التغيير الطفيف في الصورة السياسية العراقية، حدث تغير نوعي لافت وتحولات بارزة في مواقف مرشحين وانتقالهم من كيان إلى آخر في اصطفافات وتحالفات جديدة مختلفة عن الانتخابات السابقة التي جرت أواخر العام 2005، وكذلك الامر في عقلية وتفكير الناخبين الذين نبذوا المحاصصات الطائفية ومن يتمسك بها. ومن المفترض أن تكون هذه الانتخابات هي الأولى من نوعها التي تنظم على المستوى الوطني والتي تشهد منافسة حقيقية بين الكتل والاحزاب السياسية، ومن المتوقع ان تمثّل لحظة طلاق مع الفترة السابقة التي هيمنت فيها الاحزاب الدينية على الحياة السياسية في ظل الرعاية الأمريكية للعملية السياسية. عملية التعاطي الواقعي السياسي خلال الحقبة التي اعقبت الانتخابات البرلمانية عام 2005 افرزت نتيجة مهمة هي تنامي الايمان لدى الاحزاب والتشكيلات السياسية بجدوى العملية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وكان ذلك جليا في انتخابات مجالس المحافظات التي شهدت مشاركة واسعة من تنظيمات اصيلة او مستحدثة تراوحت بين هذا الاتجاه وذلك، بل انها مزجت بين كل الاتجاهات واعتمد الكثير منها على الطرح التكنوقراطي البعيد حتى عن الايديولوجيات الفكرية. كما ان هناك عوامل وعناصر كثيرة ومتعددة ومتنوعة تداخلت وتشابكت ومن ثم تفاعلت ودفعت ببعض الائتلافات الانتخابية الكبيرة الى اعادة قراءة الواقع السياسي والانتخابي برؤية جديدة في عراق 2010 وانتخابات 2010، ومن بين تلك العوامل ما طرأ واستجد على مزاج الناخب العراقي والتي ستساهم في تحديد طبيعة ونوع الحركات والاصطفافات الجديدة التي ربما ستبدل مع تبدل المؤشرات والمتغيرات على الساحة السياسية وعلى المزاج الانتخابي للمصوت العراقي.