هزّ إعلان الرئيس فلاديمير بوتين وزوجته لودميلا انفصالهما، بعد زواج استمر ثلاثة عقود، المجتمع الروسي وفجّر سجالات ساخنة، إذ انتقد بعضهم قرار بوتين الذي رفع لسنوات شعارات تعزيز قيم العائلة والدفاع عنها، فيما أيّده آخرون اعتبروا خياره قراراً ب «الزواج من حبيبته الأصلية... روسيا». وكان طبيعياً أن يثير «الطلاق الحضاري»، كما وصفه الزوجان، فضولاً في مجتمع لم يعتدْ مناقشة الحياة العائلية للرئيس والشخصيات السياسية، ما اعتُبر خرقاً لمحظور في الحياة العامة. فالستار الحديد الذي فرضه بوتين على تحركات أفراد عائلته، وطبيعة علاقته بهم منذ تربّعه على عرش الكرملين العام 2000، جعل أسرته واحداً من أسرار الدولة التي لا تناقشها الصحافة أو صالونات الطبقة المخملية في المجتمع. فكيف الحال وهي باتت مطروحة للنقاش لدى عامة الناس؟ ويبدو أن الطريقة التي اختارها الزوجان لإعلان طلاقهما، أدت دوراً في إثارة مزيد من النقاشات وإطلاق العنان للخيال، إذ إن فريق سيّد الكرملين المولع بالتدقيق بكل التفاصيل والحفاظ على الهالة التي تحيط ب «زعيم الأمة»، رسم سيناريو الإعلان الرسمي عن الطلاق في شكل شبّهه كثيرون في الصحافة الروسية بنهايات القصص الرومانسية الحالمة. وهكذا، رافقت كاميرا شبكة تلفزيونية واسعة الانتشار، بوتين وزوجته وهما يحضران عرض باليه «إيسميرالدا» لفيكتور هوغو، ثم تحدثا إلى الصحافة عن انطباعاتهما لرؤية «الراقصات يتطايرن مثل فراشات» كما قالت لودميلا بوتين، قبل أن «يزفّا» الخبر: «نتجه نحو الانفصال، وهذا قرار مشترك». وضع هذا الإعلان حداً لإشاعات كثيرة لاحقت لسنوات سيّد الكرملين المولع بعرض مواهبه وعضلاته وهو يمارس رياضات، فيما شُكِّلت مجموعات من مراهقات في مدن روسية تتداول صوره على شبكات التواصل، ما جعله «الرجل المثالي» في عيون النساء. وتجرّأ صحافيون أحياناً على التلميح إلى «مغامرات نسائية» لبوتين، وَرَدَت في بعض تفاصيلها أسماء نساء لامعات، مثل لاعبة الجمباز إلينا كابايفا و «الجاسوسة الحسناء» آنا تشابمان، التي أنقذتها الاستخبارات الروسية من براثن الأميركيين في صفقة لفتت الأنظار، لكن الكرملين تجنّب دائماً التعليق على التكهنات. أما لودميلا بوتين، فغابت عن الأنظار ولم تعدْ منذ سنوات تظهر مع زوجها، سوى في حالات نادرة، آخرها احتفال تنصيبه رئيساً في أيار (مايو) 2012. اللافت أن المشهد المؤثر لإعلان الطلاق، فتح شهية كثيرين لترجيح ما سيحصل، إذ اعتبر المعلّق في صحيفة «كوميرسانت» اندريه كوليسنيكوف، أن إعلان الزوجين ليس سوى «مشهد من دراما يتم التحضير للمشهد الثاني فيها، وقد يكون مضمونه الإعلان عن زواج الرئيس مجدداً». وانطلقت فوراً تكهنات متباينة في شأن النتائج المحتملة للطلاق، على شعبية الزعيم الروسي، إذ اعتبر بعضهم أن بوتين خسر أصوات طبقة كاملة من النساء في منتصف العمر، ولو ظهرت شابة حسناء إلى جواره بعد ذلك، فإن صفوف المعارضة ستتسع لكثيرات. وربط آخرون ذلك بكون المجتمع الروسي محافظاً، إذ يُعدّ الرئيس رمزاً للدولة، ما يعني أن خطوته ستُغضب المعتقدين برسالة العائلة في المجتمع، على رغم تكهنات بتجاهل الكنيسة الحدث، لئلا تحرج بوتين. لكن الكرملين سارع إلى طمأنة القلقِين، وقال الناطق باسمه ديمتري بيسكوف: «لا امرأة أخرى في حياة الرئيس». ولفت إلى أن جدول أعماله «مزدحم إلى درجة لا تتيح له ممارسة حياة عائلية، ويوزّع كل وقته لعمله وحمل أعباء المسؤولية الثقيلة الملقاة على عاتقه». الرئيس مشغول جداً بقضايا الوطن، وهذا أحد أهم أسباب الطلاق. هكذا انبرت الأصوات التي رأت أن ما حصل سيعزز سمعة الرئيس ومكانته، كونه «زعيماً للأمة» يضحي بحياته الخاصة من أجل رفعة روسيا. ولم يتردّد بعضهم في إطلاق حملات ولاء. وقالت الخبيرة الاجتماعية أولغا كريشناكوفسكايا إن طلاق بوتين «خطوة نحو الديموقراطية، فالرئيس كان بإمكانه إخفاء الحقيقة، لكنه فضّل أن يكون شفافاً ونزيهاً»! أما الناشطة ماريا غايدار، فركّزت على البعد الإنساني، مذكرة بأن «الناس يتزوجون ويطلِّقون، والرئيس إنسان، يعاني مصاعب الحياة مثل أي مواطن». لكن الأكثر إثارة كان حديث المحلل السياسي فلاديمير سلاطينوف، الذي اعتبر بوتين «شجاعاً»، وزاد: «تُظهر هذه الخطوة أنه رجل يعمل فقط من أجل مصلحة البلد ويفكر به، وبات الآن متزوجاً فقط من حبيبته الأولى روسيا».