يحتاج كثير من الروس إلى أكثر من «ويكيليكس» محلي الصنع ليعرفوا ماذا يدور في بلادهم، أو ليتمكنوا على الأقل من التكهن بإسم رئيسهم المقبل. وغالبية الروس بعد مرور قرابة ثلاث سنوات على جلوس الرئيس ديمتري مدفيديف على كرسي الحكم، ما زالت مقتنعة تماما بأن «زعيم الأمة» فلاديمير بوتين ليس بعيدا عن مركز القرار الأول إلا بحدود مسافة تفصل موكبه الفخم الذي تغلق شوارع العاصمة كلها عند مروره ليجتازها في لمح البصر نحو هدفه. لكن، لا يبدو أن مدفيديف أضاع سنوات في الكرملين عبثا، فالإستطلاعات الحديثة تؤكد أنه بات قريبا جدا من بوتين، وبالأصح على بعد خطوة واحدة خلفه تماما، في الشعبية. انجاز مهم لرئيس كانت نقطة ضعفه الأساسية أمام الرجل الأقوى في روسيا أن الأخير صاحب الفضل عليه في دخول معترك السياسة العليا. والسؤال الأساسي الذي يطرحه مراقبون بعد ظهور مؤشرات إلى أن السباق نحو نحو خط النهاية في انتخابات الرئاسة للعام 2012 بدأ مبكرا، هو: هل نجحت روسيا أصلا في اختبار الدولة برأسين؟ مع حلول نهاية العام وجهت مؤسسة مرموقة لدراسة الرأي العام سؤالا حول شخصية السنة فجاء جواب 55 في المائة من الروس لصالح بوتين فيما منح مدفيديف أقل من 36 في المائة من أصواتهم. وبرغم ذلك دلت دراسات إلى الفوارق بين الرجلين على لائحة أبرز عشرة سياسيين في روس وصلت للمرة الأولى إلى حدها الأدنى فحصل الرئيس على نحو ربع نقطة أقل من بوتين. مؤشر مهم عزاه الدارسون إلى زيادة ظهور مدفيديف في الشهور الأخيرة في وسائل الاعلام وتحركاته «الحازمة» لمواجهة الحرائق الكبرى الصيف الماضي، وتركيزه الدائم على شعار تحديث روسيا واعادة الاعتبار الى العائلة في المجتمع. لكن هذه الارقام تبدو خادعة ما أن يتسع نطاق البحث، ففي عدد حديث لمجلة «فوربس» وردت لائحة بأسماء اقوى عشرة سياسيين في العالم فحل بوتين في المرتبة الرابعة بعد الرئيسين الصيني والأميركي والعاهل السعودي، بينما غاب مدفيديف تماما عن اللائحة. لكن الكثير يمكن أن يحدث في بلاد العجائب الروسية، فما زال عام وبعض العام يفصل الروس عن استحقاق الانتخاب الرئاسي، وهي فترة كافية لاحداث تغييرات كبرى، ويكفي كمثال ان نتذكر أن بوتين ذاته لم يكن معروفا حتى لمواطنيه قبل عام من وصوله إلى سدة الحكم. وتشير تطورات شهدتها روسيا أخيرا، إلى أن السباق نحو الكرملين بدأ مبكرا، والغريب أن من أطلقه عمليا هو «فريق مدفيديف» أي مجموعة العمل المحيطة بالرئيس والتي باتت تتحدث علنا عن ضرورة البقاء في الكرملين لولاية جديدة. وقبل اسابيع فقط كان الرجلان يشيران في كل حديث صحافي إلى أنهما «سوف يتفقان على هوية المرشح في العام 2012» لكن الروس فوجئوا أخيرا بمساعد الرئيس أركادي دفوركوفيتش يعلن عن رغبة الأول في البقاء في الحكم لفترة رئاسية ثانية. وكانت الناطقة الرئاسية ناتاليا تيماكوفا قالت في حديث متلفز إن انجاز مشروع التحديث «يحتاج بالطبع إلى سنوات أخرى». اشارات مباشرة قال خبراء إنها تدل الى تبلور وجهة نظر «فريق مدفيديف» واستعداده لدخول المنافسة. اللافت أن هذه التصريحات أعقبتها جملة أحداث اعتبرها كثيرون جزءا من حملة انتخابية مبكرة، فعلى نحو مفاجئ تفجرت مواجهات اثنية بين شبان روس وأخرين من أبناء القوميات القوقازية وانتشرت على نحو واسع في موسكو ومدن روسية أخرى، ولم يستبعد خبراء أن يكون التطور تم افتعاله لاغراض الحملة الدعائية. اذ زاد ظهور بوتين الحاسم، ولقائه مع ممثلي الحركات الشبابية الروسية من تأييد رئيس الوزراء على منتديات الكترونية شبابية. في المقابل تفجرت فجأة أخيرا، قضية مسؤول سابق في الديوان الرئاسي كشف عن تشييد قصر لبوتين على شاطئ البحر الأسود بكلفة بليون دولار قال انها وفرت من صندوق للمساعدة الطبية. ونفى مقربون من بوتين صحة المعطيات لكن الرجل قال ان لديه معطيات اخرى سوف يكشفها لاحقا! لم يكن في روسيا منذ سنتين فقط من يجرؤ على تحدي بوتين بهذه الطريقة. أكثر من ذلك فإن مدفيديف لم يتردد في الغمز من اسلوب تعامل بوتين مع ملف البليونير السابق ميخائيل خودوركوفسكي ورموز المعارضة اليمينية في روسيا، وهما ملفان بدا بوتين فيهما حاسما عندما هاجم من «سرقوا ثروات البلاد» في حين اعتبرهم مدفيديف «سياسيين بارزين». اذا، تبدو الورقة الأقوى بيد مدفيديف قبل عام على الانتخابات الحريات والتوجه الليبرالي والدعم الغربي، بينما يراهن «زعيم الأمة» على مشاعر العزة الوطنية. بدأ السباق كما يرى خبراء، ولا يتردد كثيرون في الاعلان عن قناعتهم بأن بوتين سيبقى لسنوات طويلة قادمة حاكما للبلاد. قبل اسابيع عندما أعلن عن فوز روسيا بشرف استضافة كأس العالم لكرة القدم في العام 2018، تذكر البعض أن بوتين جلب لروسيا تنظيم اولمبياد سوتشي في 2014 وهو على ثقة أنه عندها سيكون في الكرملين، وبعد تعديل فترة الرئاسة لتغدو ست سنوات بدلا من أربع، فإن كثيرين يتوقعون أن يكون الزعيم الروسي في ولايته الثانية الجديدة عندما يحضر افتتاح كأس العالم في 2018.