كثر الجدل حول القضاء المصري في الفترة الأخيرة بسبب بعض أحكام الإعدام التي صدرت ضد عدد ممن اتهموا بالقتل الجماعي ممن ينتمون الى جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم، وهو ما اتخذ ذريعة للهجوم على هذه المؤسسة وعلى من يحكمون مصر الآن. نعم، قد توجد داخل هذه المؤسسة سلبيات، شأنها شأن أي مؤسسة أخرى، إلا أن هذا لا يحجب العراقة والمؤسساتية في أدائها وترسيخها مبدأ العدالة، على رغم ما طاولها من تحرشات من أصحاب السلطة على مدار العقود الماضية. وانقضت سَنة حكم الإخوان ولم تنحرف هذه المؤسسة عن أداء دورها، سواء في الإشراف على الانتخابات، أو بأحكامها القضائية في المحاكم. من هنا، يصعب بجرة قلم أن يطلق تعميم بأن هذه المؤسسة تصدر أحكاماً مسيسة في ظل دورة من الفحص والتحقيقات والاستماع إلى الشهود والبحث عن الدلائل والقرائن، لتثبت ما إذا كان المتهم مداناً أم بريئاً، في شكل منهجي في البحث والتحقق، نادراً ما نجده في إطار ثقافة عمل أي مؤسسة أخرى. وقد يكون هناك مظلوم لعدم توافر الأدلة التي تثبت براءته، إلا أن التزام القاعدة القانونية هو انتصار للعدالة في شكلها الإجرائي ثم في مضمونها. وهذا ينقلنا إلى الأحكام التي صدرت أخيراً ضد أفراد من جماعة الإخوان المسلمين واتهامات القتل والتحريض عليه التي طاولت قياداتها، وهما تهمتان تصل عقوبة أي منهما إلى الإعدام أو السجن المؤبد. وحالة هشام طلعت مصطفى، ليست ببعيدة، وهو رجل الأعمال والقيادي البارز في الحزب الوطني الحاكم في عز سطوته، وقد دين بالتحريض على القتل. وعلى القاعدة نفسها جاءت الأحكام الأخيرة ضد مجموعة من قادة الإخوان الذين اتهموا بالقتل والتحريض عليه عقب فض اعتصام رابعة قبل نحو عام من الآن. ما الإجراء الأنسب أمام من ينتقدون هذه الأحكام؟ فالمدانون اعتدوا على الأبرياء وأحرقوا أكثر من 60 كنيسة، وخربوا عدداً من المتاحف. هل كانت المعاملة بالمثل مع الإخوان هي الطريق الأمثل بأن يقتل من قتل وحرض في الحال، أم تتخذ الإجراءات القانونية المناسبة في حقه حتى لا يظلم فريق على حساب الآخرين؟ وبالفعل، بُرّئ العدد الأكبر في أحداث مدينة العدوة في محافظة المنيا (جنوبالقاهرة)، والتي شهدت حرق كنائس وبيوت لأقباط وقتل عدد من الأبرياء، فيما حُكم على من ثبت تورطه في هذه الأحداث. والسؤال: هل القضاء في هذه الحالة خرج عن دوره الطبيعي، أم أنه طبق النصوص القانونية؟ وهل هو هنا اقتص للذين قتلوا وحرقت منازلهم؟ وفي حكمه، أليس هناك ردع لكل من يمتلك عقلية دينية ترفض الآخر المختلف معه إلى الدرجة التي تصل إلى حل قتله وحرق منزله باسم الدين؟ هل تطبيق إجراءات تحقيق العدالة هو ما يزعج الخارج الذي لم يكلف نفسه قبل أن يصدر أحكام إدانة أن يبعث باحثين متخصصين يتابعون لماذا تصدر أحكام الإعدام بهذه الكثرة؟ وهل التهم الموجّهة إلى هؤلاء حقيقية أم أنها ملفقة؟ فهل من الحرية والديموقراطية عدم احترام القاعدة القانونية حتى لو كانت ظالمة، فيمكن تعديلها بالطرق السلمية؟ أم التسليم بثقافة: «أنا أقف ضد الدولة وقوانينها»، فهل مثل هذه السلوكيات يتم التغاضى عنها في مجتمعاتكم التي يكون فيها القانون قاسياً ضد من يخرج عن القاعدة؟ نعم، قد تكون الأحكام بالإعدام في شكل جماعي مفزعة، ولكن هل رأيتم من كان يُذبح على أيدي مجموعات تتعدى المئات؟ وهل رأيتم من تم التمثيل بجسده وهو ميت؟ فإذا كانت الجريمة جماعية فلماذا تستنكرون العقاب الجماعي؟ ولماذا الانزعاج لحظة معاقبة من قاموا بهذا الفعل؟ ومن هنا تعتبر ملفات الأحكام القضائية بإجراءاتها والتهم بقرائنها الدليل الموثوق به، ليس فقط على من ارتكب تلك الجرائم، وإنما أيضاً على الجرائم التي حاول الإخوان على مدار ثمانين سنة أن يتخفوا وراءها، من قتل الأبرياء وتجهيل المجتمع وزرع الإرهاب وثقافة القتل في عقول الشباب، ليتحول الواحد منهم في النهاية إلى فرد منقاد لإرادتهم تحت حجة السمع والطاعة، أو يتشدد أكثر فينضم الى الجماعات الإسلامية التي كانت مهمتها في مصر على مدار عقود قتل الأبرياء قبل أن تعلن مراجعاتها، والآن يتحولون الى الجماعات الجديدة من «أنصار بيت المقدس»، و «داعش»، ومن يسير على هذا النهج في أن تصبح عقيدة القتل الغاية والوسيلة في آن. * كاتب مصري