اضْطَرَّ مُسلسل «هوملاند» الأميركي أن ينتقل بأحداث موسمه الرابع إلى باكستان، ليقدم من هناك قصة عن حرب خفيّة وعنيفة بين الاستخبارات الأميركية ومثيلتها الباكستانية من المتعاطفين مع حركات إسلامية مُسلحة. نقول «اضْطَرَّ»، لأن المسلسل كان حريصاً دائماً أن يعكس ويتفاعل بأحداثه وقصصه مع ما في الواقع سياسياً وأمنياً، وبالتحديد في إطار الصراع المُستمر بين تنظيمات إسلامية مُتطرفة والولاياتالمتحدة، لكنّ ما مَيّز المسلسل في الماضي، أي استجابته السريعة مع أحداث من الواقع، تحول في موسمه الأخير إلى عالة ستُثقل أحداثه وتصيبه بالقِدَمّ، فباكستان التي كانت «مُثيرة» في زمن كتابة وتصوير الجزء الأخير من المسلسل (كحاضنة لتنظيمات إرهابية مثل «القاعدة»)، انسحبت إلى الخلفية بعدها، مع تصدر «داعش» الأخبار والحياة في أكثر من بلد شرق أوسطي في الأشهر الأخيرة، وسحب الأخير، بوحشيته المفرطة ونجاحاته السريعة، البساط من كل التنظيمات الإرهابية الأخرى. تظهر «كاري»، بطلة المسلسل المأزومة، وحيدة في الموسم الجديد من المسلسل (بدأ عرضه أخيراً على قناة «شوتايم» الأميركية)، وبعدما وصل شريكها في البطولة «برودي» إلى نهايته العنيفة في إيران في نهاية الموسم الثالث. تبدو البطلة والمريضة النفسية أشد قسوة وتصميماً من أي وقت مضى، هي تركت ابنتها التي لم تتعد العام الواحد (ثمرة علاقتها مع برودي) عند شقيقة لها في الولاياتالمتحدة، لتواصل عملها في شرق المتاعب، كمديرة يُحسب لها ألف حساب في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه). عندما يصل إليها الموسم الجديد، كانت تعمل في السفارة الأميركية في أفغانستان لتنفيذ عملية جوية ضد ما كان يُعتقد أنهم إرهابيون في باكستان. ولكن عندما يتبدى إن الطائرة قتلت مدنيين كانوا في حفلة زفاف، يُصيب الذعر «كاري»، لكنها لن تظهر كثيراً من الندم، بل بعض الخوف من الهجوم الإعلامي القادم. وعندما تصل البطلة إلى باكستان للاجتماع مع مرؤوسيها هناك، ستمر بتجربة عنيفة كادت أن تقضي عليها، وتترك زميلاً لها مقتولاً بالشارع على أيدي باكستانيين غاضبين. عندها ستعرف «كاري» أن باكستان هي وجهتها المقبلة. يواصل المسلسل في جزئه الجديد مسار الأحداث ذاته الذي جعله واحداً من أهم مسلسلات الإثارة السياسية في السنوات الأخيرة، أي خلط الأوراق بصورة دائمة. الأبطال لا يحملون التجانس والنقاء الذي كانوا يحملونه في أعمال الماضي التلفزيونية والسينمائية، والأعداء معقدون وبطبقات متعددة. يقوم المسلسل على فرضيّة إن العدو ربما تسلل في أقوى جهاز أمني في العالم، وأن الخيانة هي من الداخل. العدو هنا ليس فقط الغريب المُسلم، هو الأميركي الأبيض النقيّ السلالة، مثل «برودي» الذي كان قريباً على تفجير الحكومة الأميركية بأكملها، وهو أيضاً الأميركي العامل في سفارة بلده في باكستان في الحلقات الجديدة، والذي يبدو أنه متورط بعملية استخباراتية ضد بلده، لمصلحة قوى إقليمية لم يكشفها المسلسل بَعد. نجح الموسم الرابع حتى الآن في أن يستعيد بعضاً من بريق الموسم الأول الشديد التميز، أحياناً عن طريق التطرف في عرض وحدة بطلته وهوسها بحربها ضد أعدائها، والمديّات التي يمكن أن تقطعها للمحافظة على مِهنتها. فالمشهد الذي عرضته الحلقة الثانية من الموسم الجديد، والذي يصور هلوسات البطلة النفسية، واقترابها من قتل ابنتها الطفلة، فجّر عاصفة من النقد في الإعلام الأميركي. وهي الضجة التي نجحت في إعادة التذكير بالمسلسل، الذي يجتهد صانعوه في إبقائه حيوياً وراهناً، لكنّ الحظوظ عاكستهم هذه المرة، فصعود «داعش» كان خارج قدرة المسلسل أو حساباته، ليبدو الموسم الجديد أحياناً مثل قراءة صحيفة قديمة بأخبار بائتة.