عندما ودع المسلسل الأميركي «24» مشاهديه في العام الماضي، اعتبر عدد من نقاد التلفزيون الاميركيين، ان تراجع شعبية هذا المسلسل التلفزيوني الذي يقدم وحدة امنية اميركية متخصصة بمكافحة الارهاب الذي يحاول ان يضرب الولاياتالمتحدة من الداخل، يرتبط بالمناخ المتسامح الذي حمله الرئيس الاميركي، الجديد وقتها، باراك اوباما، والذي حوّل سريعاً بطل المسلسل «جاك باور» الى شخصية من الماضي، ونزع عنها الحدة والبطولة، بل دفعه من الواجهة الى الهامش المعتم، وزاد من حدة المعضلات الاخلاقية للتنميط الذي يهيمن على المسلسل، ليس فقط بين الجمهور، ولكن عند صانعيه ايضاً. واللافت ان العودة الى سنوات عرض هذا المسلسل (بدأ موسمه الاول بعد شهرين فقط من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر وانتهى بعد عشرة مواسم في عام 2010)، بخاصة في السنوات الخمس الاولى، تستدعي عدداً من الصور التلفزيونية العنيفة، والحدود، المتزحزحة وقتها، بين الحقيقي والمتخيل، بين جاك باور وهو يوجه قبضته احياناً الى وجوه ارهابيين من اصول عربية ومسلمة، وبين صور لجنود اميركيين حقيقيين وهم يرافقون سجناء معتقل غوانتانامو الى زنزاناتهم. كما ان التعذيب الذي كانت تتلقاه شخصيات خيالية في مسلسل «24» في مكاتب التحقيق احياناً، لم يكن يختلف في شكل كبير عما وقع في سجن ابو غريب العراقي على ايدي جنود اميركيين. ارهاب مناسبة الحديث، هو المسلسل التلفزيوني الاميركي الجديد «الوطن» الذي انتهت قناة «شوتايم» الاميركية من عرضه الاسبوع الماضي. فهذا المسلسل يقدم مرة أخرى، وحدة اميركية أمنية، تحاول ان توقف ارهاباً يقف خلفه عرب ومسلمون يخططون لضرب اهدافهم في الولاياتالمتحدة. وعلى رغم ان قصة المسلسل خيالية، ومستوحاة من مسلسل اسرائيلي بعنوان «سجين الحرب»، الا انها تستمد احداثاً معاصرة حقيقية كخلفية تاريخية ونفسية للابطال. فمقدمة المسلسل تعرض صوراً ارشيفية للرئيس جورج بوش وخليفته اوباما، وهما يتناولان موضوعة الارهاب. وحلقة المسلسل الاولى تبدأ من بغداد وليس واشنطن، مكان الاحداث اللاحقة للمسلسل. ثم ان البطلة، العاملة في جهاز «سي اي اي» الاميركي، تنتزع اعترافاً من احد اعضاء تنظيم «القاعدة» المحبوسين في بغداد، حول ان التنظيم يخطط لعملية مدمرة في الولاياتالمتحدة، وان جندياً اميركياً اختطفته «القاعدة» قبل سنوات من بداية احداث المسلسل، هو الذي سينفذ هذه العملية. وعندما تنجح وحدة اميركية خاصة في تحرير جندي اميركي كان مسجوناً عند تنظيم «القاعدة»، تبدأ العميلة السرية الاميركية بمحاولاتها لإقناع مرؤسيها بأن هذا الجندي، يخطط لعملية ارهابية كبرى. تحمل الحلقات الخمس الاولى من المسلسل الكثير من الاثارة، بسبب التساؤلات التي تفرضها السرية التي يحيط الجندي نفسه بها: هل تحول جندي اميركي الى متعاون مع تنظيم «القاعدة»؟ وما الظروف التي دفعته الى هذا التحول؟ الحلم الأميركي عندما تتكشف تلك الظروف، يتسع الثقب الصغير في القصة التي بدت محكمة، ويستمر في الاتساع مع الحلقات الاخيرة ليتحول الى فجوة تبتلع المسلسل كله. فمن المستحيل تصديق ان الجندي الاميركي الذي يعود الى زوجة حسناء، وابناء، يبدون كأنهم خرجوا للتو من دعاية عن الحياة المرفهة والحلم الاميركي، مستعد لترك كل هذا، تلبية لولاء قطعه لسجانه من تنظيم «القاعدة» الذي احسن اليه في سنوات اسره، بخاصة مع الصورة التي قدمها المسلسل لذلك السجان، والتي لا تختلف عن صور العرب القاسية الاخرى، والتي تمر في حلقات المسلسل. واللافت، غياب «الصور الاخرى» للمسلم، في مسلسل يدعي فهمه لتعقيد الحياة المعاصرة. فشخصيات هذا العمل من العرب، لا يختلفون ابداً عن عرب مروا في افلام ومسلسلات اميركية طوال قرن كامل، فهناك تقريباً كل الصور النمطية المعروفة: «خليجي مهووس باقتناص الفتيات الاميركيات»، «عرب بملامح قاسية يملأهم الكره لكل شيء، وآخرون مستعدون لنسف كل ما يحيط بهم، تلبية لنداءات دينية»، و«نساء مغيبات». كل هذا مقابل شخصيات اميركية، لا تخجل عن كشف ضعفها وخوفها وانسانيتها، الامر الذي يزيد من عزلة عرب «الوطن»، والتي تستمر الى الدقيقة الاخيرة من المسلسل الذي يرفض ان يمنحهم اي فرصة لمراجعات ذاتية او طلب المغفرة.