لا أساس قانونياً للتهديد الذي نقلته وسائل إعلام اوروبية عن قضية سترفعها وزارة السياحة اللبنانية ضد منتجي مسلسل «الوطن» (هوملاند) التلفزيوني الاميركي، لتشويه الأخير صورة العاصمة اللبنانية بيروت. فالمسلسل لم يصور أصلاً في بيروت (صوّرت مشاهد بيروت في مناطق في إسرائيل)، اي أن صانعيه لم يلتزموا أي اتفاقات مع السلطات اللبنانية في خصوص سيناريو المسلسل وصورة المدينة المقدمة فيه، ومن المستحيل قضائياً محاسبة عمل فني خيالي على ما أنتجه من «صور» تلفزيونية ما، على رغم ما قد تحمله الأخيرة من تنميط او تشويه، وإلا لكانت المحاكم الأميركية تغصّ بقضايا الإعلام والصور النمطية السلبية، وأحياناً الشديدة السوء التي يظهر بها عرب وأبناء ثقافات أخرى في البرامج التلفزيونية والسينما الأميركية منذ عقود طويلة. لكنّ ضجة صغيرة مثل تلك التي اثارها وزير السياحة اللبناني فادي عبود ستسعد حتماً منتجي المسلسل الاميركي الذي بدأت قناة «شوتايم» الاميركية عرض جزئه الثاني قبل 3 اسابيع. ويستند نجاح المسلسل في الأساس الى اقترابه مما يجري من أحداث في الشرق الاوسط يعيد إنتاجها في أحداثه الشديدة الإثارة، بل يمكن القول إن تَميز المسلسل يعود الى تلك المقاربة الحقيقية للواقع السياسي والاجتماعي الآني في الشرق الاوسط، إضافة طبعاً الى السيناريو والإخراج المتمكنين، وشخصيتي المسلسل الاساسيتين: الجندي الاميركي ومحققة «سي آي إي»، وتجسديهما القوي لمفهوم «ضد البطل» بكل إشكالياته الاخلاقية التي تفرضها القصة والتحدي الذي تتضمنه. ويولي المسلسل اهمية كبيرة لأصغر الشخصيات العربية فيه، والتي كانت مثيلاتها في السينما والتلفزيون الاميركيين تمنح (ولعقود طويلة) مساحات وحوارات نمطية جداً. فكل شخصية عربية تَمر في مسلسل «الوطن» معقدة، بتاريخ درامي متعدد الطبقات، يجسدها ممثلون وممثلات بأداءات ممتازة. يعود الجزء الثاني من المسلسل بعد نجاح نقدي وجماهيري للجزء الأول حول العالم (عرض في اكثر من 30 بلداً)، وتوج بجائزة «غولدن غلوب» لأفضل مسلسل في بداية هذا العام، أخيراً ب «إيمي» أفضل مسلسل، وأفضل أداء رجالي ونسائي للممثل البريطاني داميان لويس والاميركية كلير دينيس. ولا يضيع المسلسل أي دقيقة في تقديم أحداث الجزء الجديد، فالشرق الاوسط مشتعل الآن بسبب ضربات جوية وجّهتها اسرائيل الى مراكز نووية إيرانية. لكن «سي آي إي» لا تنسى عدوها الرئيسي (من الجزء الاول) «أبو نظير»، فعندما يصل الاخير الى بيروت ليجتمع مع احد قياديي «حزب الله» اللبناني، يكون فريق خاص من الاستخبارات الأميركية في انتظاره، لتنفيذ عملية تصفية قريبة من شارع الحمراء في قلب بيروت. يحاول الجزء الثاني أن يجد حلاً ما، لتفسير دوافع البطل، الجندي الاميركي «برودي»، ومحنته المتواصلة وحيرته بين ولائه العقائدي الجديد وقيم حياته الاميركية. فثغرة الجزء الاول الكبرى هي أن الجندي الذي جنّدته منظمة إرهابية تشبه «القاعدة» للعمل معها في إعداد أعمال إرهابية في الولاياتالمتحدة، بعدما اختطفته في العراق، يعيش حياة مستقرة مع زوجته الشابة الجميلة وأبنائه المراهقين، بحيث لا يمكن تصديق التزامه بوعد قطعه لمنظمة ارهابية، تقف على النقيض تماماً، من طبيعة حياته. يفصح «برودي» في أولى حلقات الجزء الثاني عن أنه لا يرغب في العمل مجدداً مع مجموعة «أبو نظير»، لكنه «يدفع» مجدداً للوقوف معهم، بل ينقذ «أبو نظير» من القتل في حلقة «العودة الى بيروت»، وهو عنوان الحلقة الثانية من الجزء الجديد من المسلسل التي أثارت غضب وزير السياحة اللبناني. ومرة اخرى، وكما حصل في الجزء الأول من المسلسل، تَشق إمراة عربية مسلمة الصف العربي «المتماسك» ضد أميركا، فتتعاون ولأسباب مختلفة مع الاستخبارات الأميركية. وبعدما اعترفت زوجة إمام مسلم في الجزء الأول بنشاطات زوجها الإرهابية في الولاياتالمتحدة، بسبب إيمانها بقيم التسامح ونبذها العنف، تكشف زوجة أحد قياديي «حزب الله» خطط زوجها في الجزء الثاني الذي يعرض حالياً، بسبب ما تعانيه من إهانات زوجها المتكررة لها. هذا تنميط جديد وخطير للمرأة العربية (على رغم انه مغلف هنا بنيات حسنة) التي تواجه في اماكن كثيرة في العالم العربي تحديات جدية ولا مبالاة إعلامية، وآخر ما تحتاجه وتنتظره أن تُقدّم صورتها كخائنة لمجتمعاتها وأوطانها.