كأن لبنان في أمس الحاجة لإطلاق ثلاثة صواريخ مجهولة المصدر من نوع «كاتيوشا» من منطقة حرجية غير مأهولة تقع بين بلدتي عيتات وبسابا في قضاء عاليه، سقط منها اثنان على الضاحية الجنوبية لبيروت والثالث ضل طريقه وسقط في واد قريب من مكان الإطلاق، للتأكيد أنه يقترب من حافة الانهيار في ظل الانقسام الحاد بين أطرافه السياسيين، والذي بلغ ذروته مع الخطاب الذي ألقاه الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله أول من أمس، وشدد فيه «على استمرار قتال الحزب «الى جانب المحور المعادي لأميركا ومن معها من العرب وإسرائيل والتكفيريين في سورية»، واعداً جمهوره «بالنصر مجدداً» كما وعده به في القتال ضد اسرائيل. ولوحظ ان «حزب الله» اتخذ اجراءات امنية مشددة على مداخل الضاحية، واقام حواجز تفتيش للتدقيق في هويات الركاب خصوصاً في السيارات التي تحمل لوحات تسجيل سورية. ومع ان اطلاق هذه الصواريخ لم تتبنه أي جهة، فإنه ترك الباب مفتوحاً أمام تكهنات متضاربة حول من أقدم على توجيه «رسالة صوتية ذات مغزى سياسي»، لا يمكن عزلها عن القتال الدائر في سورية أو تحييدها عن السجال القائم حول اجراء الانتخابات النيابية في ظل ازدياد الدعوات الى تأجيلها والتمديد للبرلمان لمدة أقصاها عام ونصف العام، خصوصاً أن دخول هذه الصواريخ على خط التوتر العالي يرفع من منسوب الاحتقان السياسي والمذهبي إذا ما أضيفت اليها ردود الفعل على خطاب نصرالله واستمرار القتال في طرابلس والأحداث المتنقلة في صيدا. واعتبرت مصادر نيابية وأخرى وزارية أن المشهد السياسي الراهن يحمل في طياته رزمة من الأسباب الموجبة للتمديد للبرلمان الذي سيفرض نفسه على جلسة مجلس الوزراء اليوم، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، والمخصصة لاستكمال التحضيرات لإجراء الانتخابات على أساس قانون الستين باعتباره القانون الوحيد النافذ، وأبرزها تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات وفتح اعتماد مالي لتغطية النفقات المترتبة على اجرائها. وتوقعت أن يطغى على الجلسة اتساع رقعة التوتر السياسي والاحتقان الداخلي، وأن يضطر عدد من الوزراء الى المطالبة بإعطاء الأولوية للملف الأمني المضطرب في ضوء المخاوف من استخدام لبنان منصة لتوجيه الرسائل في أكثر من اتجاه يمت بصلة الى الحرب الدائرة في سورية، بغية النفاذ الى التمديد للبرلمان كبند أول يتصدر جدول الأعمال انطلاقاً من تقدير الوزراء أن التمديد التقني للبرلمان لمدة ستة أشهر لن يفي بالغرض المطلوب ولن يمنع اقحام البلد في فتنة مذهبية وطائفية، وبالتالي فإن التمديد المديد يمكن ان يؤدي الى تأخيره وبالتالي تأخير حلول الكارثة على لبنان. وأكدت المصادر نفسها أن «قوى 8 آذار»، وان كانت تتصدر الدعوة للتمديد للبرلمان عاماً ونصف العام، وهو ما نقله المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي الوزير علي حسن خليل الى رئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، فإن رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط يدافع عنه، فيما لن تعارضه «قوى 14 آذار»، ويبقى التشاور مع رئيس الجمهورية للقبول به «ولا سيما أنه الأدرى بالاضطرابات التي تعصف بلبنان وتهدده وبالتالي لن يجازف بتهديد الاستقرار العام». الى ذلك، أجمعت مصادر رسمية وأخرى سياسية على التأكيد أنها لا تستبعد دخول طرف ثالث قام بإطلاق الصواريخ لتأجيج الصراع في لبنان، مستفيداً من ردود الفعل على خطاب نصرالله، في محاولة لنقل الصراع من سورية الى لبنان. وفي ردود الفعل على اطلاق الصواريخ التي لم تحدث أي أضرار مادية أو خسائر بشرية (سوى 4 جرحى)، دان الرئيس سليمان العملية ووصف من قاموا بها «بالإرهابيين المخربين الذين لا يريدون السلم والاستقرار للبنان واللبنانيين»، فيما أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فور تلقيه اتصالاً من وزير الداخلية والبلديات مروان شربل بعد تفقده الأضرار التي خلفها سقوط الصاروخين، أن الحادث «هدفه احداث بلبلة أمنية ومحاولة استدراج ردود فعل معينة»، داعياً الجميع الى «التيقظ والتعاطي مع دقة الوضع بحكمة لمنع الساعين الى الفتنة من تحقيق مآربهم». وشدد الرئيس سعد الحريري، بعد اتصاله برئيس المجلس النيابي نبيه بري، على وجوب تضافر الجهود لتجنيب لبنان أي مخاطر، وقال: «هذا عمل ارهابي وإجرامي مدان كائناً من قام به وخطط له». وأضاف: «لا يكفي أن نلعن الفتنة فقط بل أن المسؤولية الوطنية تتطلب من كل القيادات ان تتنادى لتحذير القائمين على اشعالها ووقف مسلسل اضعاف الدولة والتباهي بالحلول مكانها». ووصف الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام الحادث بأنه «عمل مشبوه يرمي الى افتعال فتنة طائفية في لبنان»، وقال إن «مسؤولية نقل البلد من وضعه المأزوم الى الاستقرار تقع على عاتق القيادات السياسية». ورأى رئيس حزب «الكتائب الرئيس أمين الجميل في الحادث مؤشراً خطيراً يستوجب الوعي لتجنب جر لبنان الى الفتنة محذراً من مخاطر التورط في وحول الأزمة السورية وضرورة عدم الانغماس فيها. واعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ان ما حصل من خلال اطلاق الصواريخ أمر خطير جداً في حال لم يتم تدارك الأمر برمته»، وشدد على أن «تدخل حزب الله السافر في سورية هو الذي تسبب بهذا الحادث الأول من نوعه». وعلى الصعيد الدولي، دان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس «بحزم كبير العنف في لبنان»، وشدد من أبو ظبي على «أن لا تصبح الحرب في سورية حرباً في لبنان». وأكد وقوف بلاده «الى جانب المدنيين والسلطات اللبنانية». من جهة أخرى، توالت ردود الفعل الخارجية على خطاب نصرالله الذي وصفة وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة «بالإرهابي»، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية في البحرين. وقال الوزير على موقعه الشخصي على «تويتر»، ان نصرالله «يعلن الحرب على أمته». وانتقد نائب رئيس الحكومة التركية بكير بوزداغ بشدة مشاركة «حزب الله» في القتال في سورية، وقال إن «على هذا الحزب تغيير اسمه الى «حزب الشيطان» لأنه لا يمكن لمؤسسة ان تطلق على نفسها هذا الاسم فيما تعلن الحرب لقتل أبرياء في سورية».