أدخل تسارع الأحداث في لبنان من خطاب الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، الى إطلاق ثلاثة صواريخ من نوع «كاتيوشا» عيار 107 ملم من المنطقة الحرجية الواقعة بين بلدتي عيتات وبسابا في قضاء عاليه في اتجاه الضاحية الجنوبية من بيروت، مروراً باستمرار الاشتباكات في طرابلس والحوادث المتنقلة في صيدا، تعديلاً على جدول أعمال الجلسة الأولى لمجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف الأعمال، والتي تنعقد اليوم برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان لاستكمال التحضيرات لإجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون 1960 المعدل في مؤتمر الحوار الوطني في الدوحة في أيار (مايو) 2008، باعتباره القانون الوحيد النافذ بعد تعذر الاتفاق على قانون انتخاب بديل. وأكدت مصادر وزارية ل «الحياة»، أن هذه الأحداث مجتمعة وعلى رأسها المواقف التي أعلنها السيد نصرالله لمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لتحرير الجنوب، وإطلاق الصواريخ «المجهولة» على الضاحية الجنوبية، ستكون حاضرة بامتياز على طاولة مجلس الوزراء وقد تؤدي الى حجب الأنظار عن البند الوحيد للجلسة المتعلق بتشكيل هيئة الإشراف على اجراء الانتخابات النيابية وبتخصيص الأموال اللازمة لتغطية النفقات المترتبة على إنجازها في موعدها في 16 حزيران (يونيو) المقبل أو تأجيلها لمهلة أقصاها ستة أشهر. ولفتت المصادر نفسها إلى أن هذه الأحداث مجتمعة، وأولها التداعيات الناجمة عن مواقف السيد حسن نصرالله، ستكون بمثابة الأسباب الموجبة لتبرير تأجيل الانتخابات، وبالتالي التمديد للبرلمان لعام ونصف العام على أن تجرى الانتخابات بعد التوافق على قانون انتخاب جديد في خريف 2014، وسألت: «كيف يمكن إجراء الانتخابات حتى بعد التمديد للبرلمان ستة أشهر، بعد الهجوم العنيف الذي شنه السيد نصرالله على الدولة بكل مؤسساتها؟». وقالت: «ألا يعطي هجومه التبرير الواقعي لتأجيلها بهدف عدم إقحام لبنان في دورة جديدة من الاحتقان المذهبي والطائفي قد تكون الأقسى حدة منذ اندلاع القتال في سورية؟». وتابعت: «رئيس الجمهورية وان كان لا يعارض التمديد للبرلمان ستة أشهر، فإنه في المقابل يتعاطى بواقعية مع التطورات الجارية ولا يدير لها ظهره، وخصوصاً أن الانتخابات لن تساهم في خفض منسوب التوتر الطائفي، وإنما سترفع من وتيرة الاحتقان فيما البرلمان الجديد سيعيد إنتاج الانقسام الحاد بين الأطراف السياسيين». واعتبرت أن «رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أراد من تفاهمه مع رئيس الجمهورية على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد، أن «يحشر الجميع في الزاوية خصوصاً أولئك الذين انقلبوا على مواقفهم وسارعوا إلى الترشح على أساس قانون الستين، على رغم انهم كانوا أول من تصدر الدعوة لدفنه لمصلحة مشروع اللقاء الأرثوذكسي». وأضافت المصادر أن ميقاتي «أراد أن يمرر رسالة لمن يعنيهم الأمر بأن الحكومة المستقيلة ليست مكسر عصا يستخدمها هذا الفريق أو ذاك لتحميلها مسؤولية التقصير في استكمال الإجراءات المطلوبة لإجراء الانتخابات لتبرير التمديد للبرلمان». وقالت إن جميع الأطراف «أصبحت محشورة في الزاوية وبالتالي لم تعد قادرة على المناورة بعد أن وضعها أمام قول الحقيقة في التمديد للبرلمان». وكشفت أن ميقاتي رغب في أن يحصر جدول الأعمال في استكمال التدابير لإجراء الانتخابات، وقالت إن هناك من استمزجه في إدراج بند آخر يتعلق بتعيين ثلاثة أعضاء في المجلس العسكري خلفاً للذين أحيلوا على التقاعد لبلوغهم السن القانونية، لكنه فضل عدم فتح الباب أمام إصدار تعيينات جديدة وضرورية أبرزها تعيين رئيس جديد لمجلس الخدمة المدنية كان طرحه ميقاتي قبل استقالة الحكومة لكن لم يؤخذ به، إضافة إلى تعيين خلف للمدعي العام التمييزي القاضي حاتم ماضي، الذي يحال على التقاعد بعد السابع من حزيران (يونيو) المقبل. ورأت أن ليس هناك من ضرورة لتعيين ثلاثة أعضاء جدد في المجلس العسكري بعدما تقرر قيام الأعضاء الباقين في المجلس بممارسة الصلاحيات المنوطة به. وأكدت أن التمديد للبرلمان يجب أن يؤخذ في الهيئة العامة للمجلس النيابي بناء لاقتراح قانون في هذا الخصوص. لذلك، فإن التمديد للبرلمان نوقش في اجتماع رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط ليل أول من أمس مع كل من مستشار الرئيس سعد الحريري الوزير السابق محمد شطح ومدير مكتبه نادر الحريري، لكن خطاب السيد نصرالله طغى على تبادل الأفكار المطروحة حول التمديد انطلاقاً من أن المواقف التي أعلنها تطرح سؤالاً ملحاً حول إمكانية إجراء الانتخابات في ظل ما أعلنه. التأخير للمراجعة وعلمت «الحياة» أن الحضور لم يكن مرتاحاً لخطابه واعتبر أن التمديد وان كان لا يمنع إغراق لبنان في فتنة أو إقحامه في كارثة، فإنه على الأقل يساعد في تأخيرهما، لعل التأخير يتيح فرصة لجميع الأطراف لمراجعة حساباتها ومواقفها. وقالت مصادر مواكبة لهذا الاجتماع إن المجتمعين لم يغرقوا طويلاً في تبادل الآراء حول التمديد، وإنهم ارتأوا أن هناك حاجة ماسة له، وان الضرورات تُسقط كل المحظورات. واعتبرت المصادر أن «قوى 14 آذار» لم تكن من خلال مواقفها رأس حربة في الدعوة للتمديد، وأنها أبدت تفهماً لوجهة نظر جنبلاط من دون أي تردد، وكانت على الدوام مع إرجاء الانتخابات في موعدها ومع دعوة البرلمان للانعقاد للتصويت على المشاريع الانتخابية المطروحة، ومنها المختلط، وأن «قوى 8 آذار هي التي تقود حملة التمديد وتواجه حالياً إرباكاً لإقناع رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون بصوابية موقفها، رغم أنه أخذ يتراجع في مزايداته لجهة دفنه قانونَ الستين بعد أن تقدم بطلب الترشح على أساسه»... وأكدت المصادر أن المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي الوزير علي حسن خليل أقر في اجتماعه أول من أمس برئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة في حضور نادر الحريري، بأن الرئيس نبيه بري يقف إلى جانب التمديد عامين للبرلمان، وأنه لن يعترض على خفضه إلى عام ونصف العام، مع أنه حاول في مستهل اللقاء تأكيد ضرورة إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين. وقالت إن خليل أبلغ السنيورة بأن «قوى 8 آذار يمكن أن تمشي بالتمديد، وإذا لزم الأمر من دون موافقة عون»، فيما تردد أن «حزب الله» الذي يأخذ على عاتقه إقناع حليفه عون بالتمديد، يبدي تفهماً لموقفه، ولن يدخل معه في خلاف بسبب اعتراضه على التمديد انسجاماً مع رفضه له في المبدأ. ورأت أن عون بدأ يخسر بعض أوراقه في مزايدته على حزبي «الكتائب» و «القوات اللبنانية»، وان بداية تراجعه كانت في ترشحه على أساس قانون الستين، على رغم انه يعترف بأنه لا يؤمن التمثيل المسيحي المتوازن في البرلمان، بخلاف المختلط، الذي يتيح للمسيحيين انتخاب أكثر من 58 نائباً من دون أي تأثير للصوت المسلم. ووضعت المصادر لقاء رئيس حزب «القوات» سمير جعجع مع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في إطار «غسل القلوب» وصولاً إلى مصارحة الأخير بأن تأييده «المختلط» جاء بعد موقف القيادات المارونية من قانون الستين الذي اندفع عون في تبنيه. وقالت ان رئيس التكتل لا يمانع التمديد ستة أشهر للبرلمان اعتقاداً منه بأن البرلمان الجديد سيحمل تغييرات تجعل منه الناخب الأول في رئاسة الجمهورية، بينما أي تمديد يتراوح بين عام ونصف العام وعامين يعني أن البرلمان الممدد له سينتخب الرئيس خلفاً لسليمان وهذا ما يؤدي إلى إرباكه في حساباته. وعليه، فإن عون يصر حتى إشعار آخر على تسجيل موقف اعتراضي من التمديد، وفي يقينه -كما قالت المصادر- أنه يستطيع التعويض عن التراجع الذي مني به بترشحه على أساس الستين، مع أن من يراجع الأسماء المرشحة عن «التيار الوطني الحر» يلمس أنه لم يتعاط بجدية معها، وهذا ما ظهر جلياً من خلال إقصائه عدداً من النواب في كسروان، وهم جيلبرت زوين، يوسف خليل، ونعمة الله أبي نصر، فضلاً عن خلطه الأوراق في المتن الشمالي. وأكدت المصادر أن مجلس الوزراء في جلسته اليوم سيواجه مداخلات لعدد من الوزراء، أبرزهم المنتمون الى «جبهة النضال الوطني» وآخرون يدافعون عن التمديد للبرلمان كخيار لا غنى عنه يمكن أن يؤخر جرّ البلد الى الهاوية ويؤجل ارتفاع منسوب التوتر المذهبي. وقالت إن قصر بعبدا شهد بدءاً من بعد ظهر أمس، تحركاً ناشطاً في اتجاه الرئيس سليمان تمثل في اجتماعه بشطح ونادر الحريري وفي استقباله الوزير وائل أبو فاعور الذي التقى لاحقاً الرئيس ميقاتي. وأكدت أن جميع هذه المشاورات تتمحور حول التوافق على مخرج لمنع استيراد الفتنة إلى لبنان من خلال الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار. وأوضحت المصادر أن تعذر إجراء الانتخابات في موعدها أو حتى بعد تأجيلها التقني ستة أشهر، سيوقع البلد في فراغ من شأنه أن يهدد الاستقرار، بينما التمديد يؤمنه ولو بحده الأدنى. وقالت إن المجتمع الدولي بدأ يتفهم التمديد، لأنه إذا ما خُيِّر بين تحقيقه الاستقرار أو الفراغ، لن يتردد في عدم معارضته لأي مخرج يمنع سقوط المؤسسات الدستورية الواحدة تلو الأخرى في الفراغ، وخصوصاً أن سفراء الدول الكبرى وغيرهم هم الآن على قناعة بأن الأجواء الراهنة لا تسمح بإجراء الانتخابات. أضف إلى ذلك، أخْذ المصادر عينها بوجهة نظر الرئيس بري في معرض دفاعه عن التمديد المديد للبرلمان، والقائلة إن إجراء الانتخابات لن يبدل من واقع الحال في البلد وسيعيد إنتاج الانقسام العمودي، وبالتالي لا بد من إعطاء فرصة لمواكبة ما يدور في المنطقة، بينما تعتقد مصادر أخرى بأن التمديد الطويل سيؤشر إلى ما سيكون عليه المستقبل في سورية. وكشفت المصادر عن أن التمديد غير مرتبط بمسألة تشكيل الحكومة الجديدة، وقالت إن الرئيس المكلف تأليفها تمام سلام ليس بعيداً من الاتصالات الجارية حول التمديد وهو يتواصل مع جنبلاط والتقى ليل أمس شطح ونادر الحريري اللذين يتشاوران مع حزبي «الكتائب» و «القوات» والشخصيات المستقلة في «14 آذار»، لكنها رأت أن الكتائب سيتريث في الترشح للانتخابات إلى ما بعد جلسة مجلس الوزراء وقد يضطر إلى العزوف عنه في الوقت الحاضر إذا ما تبين له أن التمديد قائم وأن المعبر الإلزامي له سيكون في التصويت عليه في البرلمان.