التكريم هو عودة إلى الأصول في حياتنا وترسيخ لمبادئ الوفاء وإعادة الفضل لأصحابه وهو من خصال حياتنا العربية والإسلامية، وفي هذا السياق فهمت الدعوة الكريمة من مؤسسة أصيلة إلى تكريم الأستاذ والإعلامي الكبير محمد العربي المساري. إن هذا التكريم هو إعادة للأمور إلى نصابها ومسارها الطبيعي، إحقاق للحق وإبراز للوجه النقي والشفاف، وانعكاس لمرآة الحياة الإعلامية والسياسية والاجتماعية المغربية التي عرفت بنقاوتها وخصوبتها وإشعاعاتها المخلصة والمضيئة مغاربياً ومشرقياً ومتوسطياً وإفريقياً. فالشكر موصول لمؤسسة أصيلة في إبراز الخصال الحية والتحية والتقدير لكل النخبويين الذين أعطوا وأنتجوا وأبدعوا وعبّدوا الطريق للأجيال القادمة وأصبحوا قدوة ومثالاً. بهذا التمهيد قدمت لكلمتي في الملتقى التكريمي الذي أقامته جامعة المعتمد بن عباد في إطار مهرجان أصيلة الذي تقيمه مؤسسة منتدى أصيلة كل عام في مدينة أصيلة المغربية على شاطئ الأطلسي بإشراف معالي محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب الأسبق. ومحمد العربي المساري صحافي وسياسي وديبلوماسي بارز ترأس تحرير صحيفة «العلم» المغربية كما تولى مهام وزارة الإعلام وعمل سفيراً لبلاده في البرازيل وانتخب عضواً في مجلس النواب عن مدينته تطوان وترأس لجاناً كثيرة في مجالات الآداب وتطوير الإعلام والتعددية الثقافية وحقوق الإنسان كما اصدر عدة كتب في التاريخ السياسي المغربي الأمر الذي منحه اتحاد المؤرخين المغاربة على جهوده العلمية العضوية الشرفية في الاتحاد. وقد أسهب المشاركون في التكريم بالحديث عن مزايا مؤلفاته ومواقفه الوطنية وتكوينه النضالي. حيث تعاقب وخلال ثلاث جلسات علمية، في الحديث، كل من: محمد بن عيسى رئيس منتدى أصيلة، والمؤرخ المغاربي الأديب عبد الكريم غلاب ومبارك ربيع، الروائي وأستاذ الفلسفة في جامعتي الرباط والحسن الثاني، وسعيد بن سعيد العلوي الأستاذ والفيلسوف الجامعي المعروف، ولطيفة أخرباش أستاذة الإعلام في جامعة الرباط، واحمد حلواني الإعلامي والأستاذ الجامعي السوري، واحمد المديني الأديب والروائي المغربي، ومحمد أوجار وزير حقوق الإنسان السابق ويونس مجاهد وعثمان المنصوري الأمين العام للجامعة المغربية للأبحاث التاريخية ومحمد الأشعري وزير الثقافة وعبدالله ساعف أستاذ العلوم السياسية والاقتصادية، ومن البرازيل جواو باتستا فاركانس أستاذ اللغة والحضارة العربية والحائز على جائزة اليونسكو. وقد توقّف عدد من الباحثين عند كتابه الهام في التاريخ المغربي المعاصر «محمد الخامس من سلطانٍ إلى ملك». يقول إبراهيم السولامي عن الكتاب: «إن المؤلف اعتمد في كتابه على النهج التوثيقي وهي مدرسة تدعم البحث بالوثائق وقد عرفت هذه المدرسة عبر أساتذة مؤرخين مثل جرمان عياش وزكي مبارك واحمد التوفيق «لذلك حفل الكتاب بالاعتماد على المذكرات الشخصية والنشرات الحزبية والمقالات الصحفية والقرارات الدولية» وكلّها تبرز تفاصيل الأحداث حيّة أمام القارئ. ومكابدة المغرب في ظل النير الاستعماري وما آلت أليه أحواله من آثار ومن المقاومة البطولية بغية الانعتاق واسترداد الكرامة بتحقيق الانتصار ونيل الحرية». ويسرد المؤلف قصة نفي محمد الخامس يوم الخميس في 20 آب (اغسطس) 1953 على يد الجنرال الفرنسي غيوم، ونقله بالطائرة الحربية الفرنسية إلى جزيرة كورسيكا، مع إجراء عجائبي غريب، في تحميل محمد الخامس تكاليف نفيِه مع أسرته، ويسجّل المسّاري شهادةً للكاتب الفرنسي الشهير فرانسوا مورياك حين قال: إن محمد الخامس مَلَكَ من السلطة والنفوذ وهو في منفاه ما لم يملكه إي سلطان آخر. وتوسّع المؤلف في الحديث عن المقاومة السياسية والمسلحة في أعقاب النفي وتنصيب محمد بن عرفة مكان محمد الخامس وعن لجوء رجال المقاومة إلى الشمال الذي كان يخضع للاحتلال الاسباني مبيّناً أسباب انطلاق المقاومة واندفاعها: - هزيمة فرنسا في ديان بيان فو بالهند الصينية. - بدء تفاوض فرنسا لإنهاء الوصاية على تونس وهو نظام مشابه لنظام الحماية في المغرب. - بداية ثورة التحرير الجزائرية في الأول من تشرين الثاني 1954 مما يوحّد أهداف أقطار المغرب العربي عموماً في تصفية الاستعمار في المنطقة كلّها. - العلاقة غير الودّية بين فرنسا واسبانيا فرانكو. ويتحدث العربي المسّاري عن النضال السياسي ليصفه بالنضال الشاق أيضاً لأنه واجه مناورات كبيرة من المستعمرين والمتعاملين معهم من الخونة، إضافة إلى متاعب كبيرة في أروقة الأممالمتحدة والمحافل الدولية المختلفة مركّزاً على أن النضال المغربي من شماله إلى جنوبه الصحراوي بقيَ متناسقاً وموحّداً، ويجمل مبدأ كل المفاوضات بكلمتين دالّتين على عمق الوعي الوطني وهما – إلى عرشك – فقد كانت المطالبة بإرجاع محمد الخامس إلى عرش المغرب هي المبدأ الأساسي في المفاوضات التي انتهت باعتراف الفرنسيين باستقلال المغرب. يقول سعيد بن سعيد العلوي في ختام كلمته عن الكتاب: احسب ان كتاب المسّاري عن محمد الخامس، من سلطان الى ملك. في الظرفية الراهنة يقوم بعمل التنبيه والتذكير الضروريين في حياة الشعوب، وفي وجودِ يكُثر فيه الحديث عن الهوّية والمغرب والعمل الوطني، لذلك تشكّلُ قراءة الكتاب اضافة هامة وتنويراً للذاكرة الوطنية. والخلاصة أن كتاب محمد الخامس من سلطان إلى ملك يعدّ وثيقة تاريخية تجمع بين حسّ السياسي المتمرّس، والإعلامي المدرك لوسائل إيصال المعلومات إلى القارئ دون تشنّج أو افتعال او تعصّب. وكتابه هذا ينضم إلى مؤلفات أخرى منها معركتنا العربية ضد الاستعمار، يبيّن فيه ارتباط النضال المغربي بالنضال العربي ضد الاستعمار، وكتاب جدل حول العرب، وصباح الخير أيتها الديموقراطية، وإسلاميات أدباء المهجر، والخطّابي من القبيلة إلى الوطن، إضافة إلى مؤلفات بالبرتغالية والاسبانية وكلها تدلّل على أن العربي المسّاري حارسٌ ثقافي أمين يدافع عن عزّة بلاده ووحدة أراضيها وانتمائها العربي الإسلامي، بخبرة المثقف المؤمن بالحوار والواثق بالمستقبل.