شنت القوات الحكومية السورية هجوماً منتظراً منذ فترة على مدينة القصير قرب الحدود مع لبنان، والتي تربط دمشق بالساحل السوري وتشكل نقطة استراتيجية مع خطوط إمدادات يحميها «حزب الله» اللبناني. وأعلنت دمشق أن القوات النظامية تمكنت من الدخول إلى مدينة القصير، الواقعة خارج سيطرة النظام منذ اكثر من عام، وسيطرت على الساحة الرئيسية ومبنى البلدية، لكن فصائل المعارضة نفت تمكن أي قوات تابعة للنظام من دخول المدينة أو السيطرة على أي مواقع فيها، ووزعت صوراً قالت إنها من داخل القصير لمسلحين قالت إنهم شاركوا في رد محاولة اقتحام المدينة. وذكر مصدر عسكري، فضل عدم الكشف عن اسمه، لوكالة «فرانس برس»، أن القوات السورية «تمكنت من الدخول إلى القصير وبسطت سيطرتها على الساحة الرئيسية في المدينة ورفعت العلم السوري على مبنى البلدية». وذكر التلفزيون السوري أن القوات المسلحة «بسطت الأمن والاستقرار في مبنى بلدية القصير والمباني المحيطة به وتواصل ملاحقة الإرهابيين في المدينة». وأشار إلى وجود «بعض جيوب الإرهابيين المتحصنين داخل أوكارهم»، وإلى أن الجيش يتقدم «أكثر وأكثر». وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان أشار إلى «اشتباكات عنيفة بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام عند مداخل المدينة». وأفاد مدير المرصد صباحاً عن قيام الطيران بقصف القصير بعنف منذ ساعات الصباح الأولى، ما أسفر عن مقتل ثلاثين شخصاً بينهم سيدة و16 مقاتلاً من الكتائب المقاتلة». كما تحدث عن «خسائر بشرية في صفوف القوات النظامية ومقاتلي حزب الله واللجان الشعبية المسلحة». وذكرت «الهيئة العامة للثورة السورية» من جهتها، أن «الطيران الحربي يمطر المدينة بوابل من الصواريخ والقذائف بالتزامن مع قصف شديد جداً بالمدفعية الثقيلة والهاون منذ بزوغ الفجر». وأشارت إلى أن «المنازل تتهدم وتحترق مع المدينة». وتحاصر القوات النظامية المدعمة بعناصر من «حزب الله» مدينة القصير منذ أسابيع، من أجل السيطرة على هذه المدينة. وطالبت المعارضة السورية أمس المجتمع الدولي باتخاذ موقف حيال «استباحة» حليفَي النظام السوري إيران و «حزب الله»، الاراضي السورية إثر مشاركة الحزب القوات النظامية بالهجوم على القصير، محذرة من أن السكوت عن ذلك سيقوض الحل السياسي للأزمة في البلاد». وكان مدير المرصد أفاد صباح أمس عن قيام الطيران بقصف مدينة القصير بعنف منذ ساعات الصباح الأولى، ما أسفر عن مقتل عشرين شخصاً بينهم 11 مقاتلاً من الكتائب المقاتلة بعد أن سادها الهدوء ليومين متتاليين، محذراً من أن يكون ذلك «تمهيداً لعملية واسعة النطاق». كما ذكرت الهيئة العامة للثورة السورية من جهتها، أن «الطيران الحربي يمطر المدينة بوابل من الصواريخ والقذائف بالتزامن مع قصف شديد جداً بالمدفعية الثقيلة والهاون منذ بزوغ الفجر». وأشارت إلى أن «المنازل تتهدم وتحترق مع المدينة». من جهة أخرى، أفاد التلفزيون السوري الرسمي في شريط عاجل، أن «قواتنا الباسلة تحكم الطوق على الإرهابيين وتداهمهم من محاور عدة وأوكار متزعميهم في الجهة الجنوبية من المدينة». وتمكنت القوات النظامية أخيراً من السيطرة على عدد من القرى الواقعة في ريف المدينة الاستراتيجية التي تقع على المحور الرابط بين العاصمة والساحل السوري في ريف حمص وسط البلاد. وجاء في بيان أصدره المجلس الوطني السوري المعارض: «في هذه اللحظات، تقوم قوات قادمة من خارج سورية بارتكاب جرائم إبادة، وجرائم حرب على الأرض السورية، فمدينة القصير محاصرة وتتعرض لقصف وحشي تدميري، ومحاولات اجتياح ومسح المدينة وسكانها من الوجود، على يد قوات حزب الله وقوات إيرانية». ودعا البيان مجلس الأمن الدولي «للقيام بواجبه في منع عناصر من جماعة إرهابية متعصبة مثل حزب الله، وقوات دولة راعية للإرهاب مثل إيران، من انتهاك حدود بلادنا وغزو أبناء شعبنا في بيوتهم». كما طالب المجلس في بيانه «بعقد اجتماع عاجل لمجلس الجامعة العربية، وباتخاذ موقف عملي وحاسم تجاه استباحة الأرض السورية، واستباحة الدم السوري»، محمّلاً الجامعة وأمانتها العامة «المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية للتحرك لوقف ذبح السوريين في القصير على أيدي غرباء ينتهكون كل المبادئ التي قامت الجامعة العربية للدفاع عنها». ونبه البيان الدول التي تسعى إلى حل سياسي للوضع، إلى «أن السكوت على غزو سورية وتقطيع أوصالها سيفقد أي مؤتمر أو جهد للحل السياسي كل معنى وكل جدوى»، مشيراً إلى أن الشعب السوري سيعتبره «مجرد محاولة لإضاعة الوقت ومنح النظام والقوى الخارجية التي تدعمه، الوقت والغطاء اللازم لإتمام المهمة القذرة التي يقوم بها الآن». كما حذر من أن «الصمت على سلوك خطير مثل هذا، يعني فتح أشد مناطق العالم حساسية واستراتيجية لشريعة الغاب، والفوضى بالغة الخطورة على الجميع». وفي عمان أكد نشطاء معارضون، أن القوات السورية مدعومة بمقاتلين من «حزب الله» شنت هجوماً لاستعادة القصير. وأضافوا أن 32 على الأقل قتلوا حين اشتبك مقاتلون معارضون مع وحدات من الجيش السوري ومقاتلين من «حزب الله» في تسع نقاط داخل بلدة القصير وحولها على بعد عشرة كيلومترات من الحدود مع سهل البقاع اللبناني. وقال الناشط هادي عبد الله متحدثاً من القصير، إن الطائرات الحربية السورية قصفت القصير صباحاً، وإن قذائف تسقط على البلدة بمعدل يصل إلى 50 في الدقيقة. وأضاف أن الجيش يقصف القصير بالدبابات والمدفعية من الشمال والشرق، بينما يطلق «حزب الله» قذائف مورتر ويطلق النار من منصات إطلاق صواريخ متعددة الفوهات من الجنوب والغرب. وتابع أن معظم القتلى من جراء القصف من المدنيين. وانقسمت المنطقة بالقرب من نهر العاصي إلى قرى سنية وأخرى شيعية في الحرب الأهلية. ويحرص النظام على أن يظل الطريق مفتوحاً بين معاقل «حزب الله» في سهل البقاع والمناطق القريبة من ساحل البحر المتوسط ذات الغالبية العلوية. وتقول مصادر معارضة إن المنطقة الساحلية السورية قد تتحول إلى دويلة في حالة سقوط الأسد في دمشق واحتمال تقسيم سورية على أسس عرقية وطائفية، ما يفتح الباب أمام إراقة المزيد من الدماء. وقالت مصادر في سهل البقاع اللبناني، إن القذائف التي أطلقتها قوات المعارضة المسلحة أصابت أطراف بلدة الهرمل، أحد معاقل «حزب الله» الذي تدعمه ايران، لكن من دون وقوع خسائر بشرية. وفي ريف حماة، تقدمت القوات النظامية داخل مدينة حلفايا و «اقتحمتها من الجهة الجنوبية الشرقية والجهة الغربية الشمالية ومن الجهة الغربية الجنوبية، وسط حملة مداهمات وحرق للمنازل» وفق المرصد. وقال مدير المرصد إن مناطق في بلدات العوينة والخويطات والجلمة تتعرض «لقصف عنيف بالمدفعية الثقيلة»، مشيراً إلى «حركة نزوح للأهالي من هذه البلدات». وفي الغرب، ذكر المرصد أن الطيران المروحي ألقى «ثلاثة براميل متفجرة على مناطق في بلدة سلمى ومحيطها» في ريف اللاذقية، وقصف كلاًّ من قرية تردين بجبل الأكراد وقرية الخضرا.