لندن، بيروت، باريس، نيويورك - «الحياة»، ا ب، ا ف ب - طغى الملف السوري على مناقشات الامين العام للامم المتحدة بان كي مون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، في منتجع سوتشي. وعلى رغم تأكيد الطرفين على اهمية تسريع الجهود لعقد مؤتمر دولي برعاية الاممالمتحدة وحضور الاطراف الاقليمية الفاعلة، لكن لهجة التفاؤل لم تكن ظاهرة خلال المناقشات التي تطرقت إلى «صعوبات» تعترض طريق «جنيف - 2»، وهو ما دفع بان إلى التحفظ عن تحديد موعد محتمل لعقده. وحمل الامين العام طائفة واسعة من الملفات لمناقشتها مع القيادة الروسية من بينها كما قال الكرملين «أهم القضايا الدولية وعلى رأسها الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشبه الجزيرة الكورية، بالإضافة إلى دور الأممالمتحدة في تسوية النزاع في مالي والتطورات الخاصة بإقليم كوسوفو، والأوضاع في آسيا الوسطى والقضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب الدولي. كما شمل برنامج الزيارة ملفات اقتصادية مرتبطة بمنظمة الأممالمتحدة والتعاون بينها وبين الممثلية الروسية في مجموعة العشرين». لكن الملف السوري شغل الحيز الاساس من الاهتمام، على رغم ان بوتين تعمد استغلال الزيارة لتثبيت وجهة النظر الروسية حول الدور الذي ترى موسكو ان تلعبه الاممالمتحدة في النظام العالمي. وقال «إننا بصفتنا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ندافع عن الدور المركزي للأمم المتحدة في الشؤون الدولية». ولم يعلن الكرملين تفاصيل المناقشات التي اجراها بان مع بوتين حول سورية، لكن مصدراً قريباً من الكرملين قال ل «الحياة» إن الطرفين لم يظهرا تفاؤلاً حيال قدرة المجتمع الدولي على تسريع عملية تنظيم مؤتمر دولي وعقده لتسوية الموضوع السوري. وكان بان كي مون قال أنه يعول على دعم موسكو في حل الأزمة السورية وغيرها من النزاعات. واعرب عن قناعة بأن تطورات «الربيع العربي» س»تدخل التاريخ كأبرز حدث في القرن الحادي والعشرين»، مشيراً في الوقت ذاته إلى ضرورة مواجهة الكثير من التحديات. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة الدول المجاورة لسورية الى ضبط النفس إلى أقصى حد للحيلولة دون تصعيد النزاع في هذا البلد، كما دعا إلى احترام سيادة دول المنطقة. وسبق المحادثات مع بوتين لقاء جمع بان مع وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي اعلن في مؤتمر صحافي مشترك أن الطرفين اتفقا على ضرورة تسريع وتيرة العمل لعقد المؤتمر، ولفت إلى صعوبات بينها تحديد الاطراف المشاركة، وقال إن إيران والسعودية ينبغي ان تحضرا المؤتمر بالاضافة الى جيران سورية. وانه يجب ان ينظم تحت رعاية الاممالمتحدة. وبدا ان موضوع ارسال الاسلحة الروسية إلى النظام السوري برز كملف خلافي خلال المحادثات ما دفع لافروف إلى تكرار الدفاع عن «حق روسيا في مواصلة تنفيذ عقود تسلح موقعة في وقت سابق وموجهة لتعزيز القدرات الدفاعية لسورية بشكل لا يهز توازن القوى القائم اقليميا». وفي هذا الاطار أكد مسؤول في الخارجية الأميركية ل «الحياة» أن ارسال روسيا المزيد من الأسلحة لنظام الأسد «لا يعجل الحل السياسي للأزمة» في حين أكد مسؤولون من وزارة الدفاع الأميركية لصحيفة «وول ستريت جورنال» أن «اسرائيل قد تستهدف هذه الشحنات في جولة جديدة من الضربات الجوية في المستقبل القريب». وأنهى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان زيارته للعاصمة الأميركية بخطاب أمام معهد «بروكينغز»، عكس تلاقياً مع واشنطن حول الأزمة السورية، اذ أكد أردوغان أن «أي قرار في شأن منطقة حظر طيران في سورية يجب أن يأتي من مجلس الأمن الدولي» وليس فقط من تركيا أو الولاياتالمتحدة، طغت قضية نقل الصواريخ الروسية للأسد على الجدال داخل الادارة. ونقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين أن روسيا أرسلت صواريخ جوّالة متطورة مضادة للسفن إلى سورية، واعتبروها سلاحاً يقوّض جهود المجتمع الدولي الرامية إلى دعم المعارضة السورية اذ أنها مجهزة بنظام رادار متطور يجعلها أكثر فعالية. وأشاروا إلى أن هذه الصواريخ، على عكس صواريخ «سكود» وغيرها من صواريخ أرض - أرض الطويلة المدى التي استخدمها النظام الرئيس السوري ضد قوات المعارضة، هي من نظام «ياخونت» الدفاعي المضاد للسفن وتوفّر للنظام سلاحاً فاعلاً لتقويض جهود المجتمع الدولي الرامية إلى دعم المعارضة السورية، من خلال فرض حظر بحري، أو فرض منطقة محظورة الطيران، أو شن عمليات قصف جوية محدودة. وأكد مسؤول في الخارجية الأميركية ل «الحياة» أن الخطوة «تزعزع الاستقرار» و»لا تعجل بالحل السياسي» في ضوء تباعد روسي أميركي حول مشاركة ايران في مؤتمر السلام وهو ما تتحفظ عليه الادارة. كما تصر واشنطن على أن تحظى أي حكومة انتقالية بصلاحيات «أمنية وعسكرية كاملة». واعتبر مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن نقل روسيا للصواريخ هو «عرض قوة وشد للعضلات» انما لم ير فيه «تهديداً للوجود الأميركي البحري في مياه المتوسط». الى ذلك اعلن متحدث باسم الخارجية الفرنسية امس ان بلاده ترفض مشاركة ايران في مؤتمر دولي حول سورية، وهو الطلب الذي تشترطه موسكو. وقال المتحدث اثناء لقاء اعلامي «في ما يخصنا نحن في كل الحالات (لا نرغب في حضور) ايران» في المؤتمر الدولي الذي ترغب الولاياتالمتحدةوروسيا عقده لحل النزاع السوري. وفي نيويورك توقع ديبلوماسيون أن يعقد «جنيف-2» بمشاركة ممثلين عن كل من الحكومة والمعارضة «بين 12 و14 حزيران (يونيو) المقبل، على رغم أن النقاشات المكثفة مستمرة على مدار الساعة بين واشنطنوموسكوونيويورك». وينتظر أن يصدر إعلان أميركي - روسي مشترك «قريباً جداً يحدد الإطار العام للمؤتمر والمشاركين فيه والأهداف المتوخاة منه» على أن يكون البند الرئيس فيه إيجاد ترجمة فعلية لبيان «جنيف -1» الذي صدر في نهاية حزيران (يونيو) 2012 «وإطلاق حوار مباشر بين الحكومة السورية والمعارضة يمكن أن يدعم بموقف موحد من مجلس الأمن». وقطعت الأممالمتحدة شوطاً في الإعداد لمرحلة ما بعد الاتفاق على الحل السياسي في سورية من خلال وضع خطط لنشر قوة حفظ سلام دولية في سورية «كبيرة العدد وذات قدرات تخولها دعم تسوية سياسية محتملة والحفاظ على الاستقرار وتأمين الثقة للمجموعات الضعيفة والأقليات» كما قال مصدر دولي رفيع. وحصلت الأممالمتحدة على موافقة الحكومة السورية على نشر القوة الدولية في سورية «في مشاورات آخرها كان مع السفير السوري في المنظمة الدولية بشار الجعفري قبل أسبوعين» حول سيناريوات المرحلة المقبلة «بعد التوصل الى تسوية سياسية» حسب المصدر نفسه. وأوضح أن الأممالمتحدة بحثت تشكيل القوة مع عدد من الدول وأن «دولتين غير إقليميتين» وافقتا حتى الآن على المساهمة في القوة «التي يفترض أن يناهز عديدها عشرة آلاف جندي». وأضاف أن «ثمة تخوفاً من أعمال انتقامية في سورية بعد التوصل الى حل سياسي، والقوة الدولية ستنتشر على غرار مراقبي أنسميس الدوليين سابقاً في نقاط عدة من البلاد وستعمل على حل المنازعات المحلية». وقال إن الممثل الخاص المشترك الى سورية الأخضر الإبراهيمي كان طلب من الأمانة العامة للأمم المتحدة وضع مثل هذه الخطط لمرحلة تطبيق الحل السياسي وأن تفاصيلها «تناقش معه بشكل دائم». وفي شأن القوة الدولية لمراقبة فك الاشتباك في الجولان – أندوف، تلقت الأممالمتحدة «موافقة الحكومتين السورية والإسرائيلية على تمديد ولاية القوة ستة أشهر إضافية» فيما يعد الأمين العام للأمم المتحدة تقريره الدوري حول عمل القوة ليقدمه الى مجلس الأمن منتصف الشهر المقبل تمهيداً لتمديد ولايتها في قرار يصدر عن المجلس آخر حزيران (يونيو) المقبل. وبالنسبة الى الوضع الميداني في سورية قال المصدر الدولي إن «تحركات العناصر المسلحة زادت بشكل محلوظ» أخيراً في الجولان والمناطق الجنوبية في سورية «لكن ذلك مرتبط بإمكانية التحضير لمعركة دمشق وليس بالوضع في الجولان». وأعلنت الأممالمتحدة أن «مراقبي الأممالمتحدة العزل في الجولان كانوا أوقفوا الأربعاء خمس ساعات من جانب مجموعة مجهولة من العناصر المسلحين اقتحمت نقطة المراقبة 52» وأن المراقبين الدوليين التابعين لمنظمة مراقبة اتفاقية الهدنة بين سورية وإسرائيل «إعيدوا سالمين الى أندوف». في جانب آخر نفى المصدر نفسه «صحة ما يتردد في بيروت عن توجه أوروبي لخفض المساهمة العسكرية في قوة يونيفيل العاملة في جنوب لبنان». وعلى صلة بالاستعداد لمرحلة ما بعد «جنيف - 2» يُعد فريق للأمم المتحدة من ستة أفراد يقودهم وزير التخطيط السوري السابق عبدالله الدردري لخطط شاملة لإعادة البناء على رغم أن الحرب الأهلية الدائرة في البلاد ما زالت مستعرة. وقال الدردري لوكالة «أسوشييتد برس» إن أكثر من سنتين من الحرب في سورية كلّفت البلد ما لا يقل عن 60 بليون دولار وتسببت في شلل صناعة النفط الحيوية. وقد دمر ربع منازل سورية كلياً أو جزئياً، في حين أن نظام الاستشفاء انهار.