يستعد رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف، بعد 14 عاما على إقصائه ونفيه، للعودة إلى الحكم بأصوات غالبية لا بأس بها من الناخبين الذين وجهوا صفعة قوية إلى حزب الشعب بزعامة الرئيس آصف زرداري. وأسفرت الانتخابات عن صعود حزب نجم الكريكيت السابق عمران خان إلى المرتبة الثانية بين الأحزاب، فيما لحقت ب «الجماعة الإسلامية» التي تمثل تيار «الإخوان» في البلاد، هزيمة مدوية، إذ لن تتمكن من إيصال اكثر من ثلاثة نواب إلى البرلمان الفيديرالي وفور تحققه من فوزه، بادر شريف إلى إبداء استعداده لتشكيل حكومة موسعة تضم كل الأحزاب، لحل المشاكل المستعصية مثل انقطاع التيار الكهربائي، والتضخم والبطالة والمديونية والفساد المستشري في أجهزة الدولة، مؤكداً بذلك استفادته من دروس الماضي وحرصه على عدم الاستئثار بالسلطة، وتطبيق شعار التغيير الذي اعتمده في حملته الانتخابية. لكن عمران خان سارع إلى إعلان تفضيله البقاء في مقاعد المعارضة، فيما يتوقع أن يكتفي حزب الشعب بإدارة إقليم السند، وهو الوحيد الذي حصل فيه على غالبية تمكنه من تشكيل حكومة. وحظي حزب «الرابطة الإسلامية» بزعامة شريف بغالبية في البرلمان الفيديرالي وفي إقليم البنجاب (معقله التقليدي) حيث يتوقع أن يشكل حكومة محلية منفرداً. وعلى رغم النجاح الذي حققه شريف بعودته قوياً، فإن صعود عمران خان اعتبر إنجازاً لا يستهان به، فمن تمثيل غير موجود في البرلمان السابق، حصلت «حركة الإنصاف» التي يتزعمها على 32 مقعداً في البرلمان الفيديرالي (في مقابل 125 للرابطة و31 لحزب الشعب). كذلك تصدرت «حركة الإنصاف» نتائج انتخابات برلمان مقاطعة بيشاور، ما يمكنها من تشكيل حكومة هذا الإقليم المهم في العلاقة مع «طالبان» وأفغانستان، لكن بالتعاون مع أحزاب أخرى. وسيشكل ذلك امتحاناً جديداً لعمران خان ذلك أن فشله في إبرام تحالفات في بيشاور، سيفسح في المجال أمام شريف لتشكيل حكومة إقليمية بالتعاون مع أحزاب دينية محلية. ويراهن الناخبون الذين أدلوا بأصواتهم لمصلحة شريف، على نقل التجربة الناجحة نسبياً ل»الرابطة» في إدارة إقليم البنجاب، خصوصاً انه أتى إلى السياسة من عالم الأعمال، ويعرف عنه تأييده للخصخصة واقتصاد السوق. في الوقت ذاته، يتوقع أن يواجه رئيس الوزراء السابق، تحديات خارجية، أهمها العلاقة مع واشنطن والتي سبق وأن دعا إلى إعادة النظر في التحالف معها في «الحرب على الإرهاب»، ووقف الغارات الأميركية على المناطق القبلية الباكستانية. وينتظر المراقبون ليرصدوا كيفية تعاطي شريف مع المؤسسة العسكرية التي يعتبرونها «عراباً» لهذه الملفات، وما إذا كان نفور سينشأ بين الجانبين اللذين حرصا على تأكيدهما طي صفحة التوتر التي نشأت بينهما منذ إطاحة شريف بانقلاب ابيض نفذه الرئيس السابق برويز مشرف الذي كان قائداً للجيش العام 1999. وبعيداً عن اتجاهات التصويت، شكل الإقبال على الانتخابات بحد ذاته، مؤشراً إلى رغبة الناخبين في تحدي «طالبان باكستان» التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات، إذ بلغت نسبة الإقبال ستين في المئة، وهي النسبة الأكبر من نوعها منذ العام 1970، بينما لم تتجاوز النسب في الانتخابات السابقة، الثلاثين في المئة في افضل الأحوال.