أكد المستشار القضائي عدلي الحماد أهمية القضاء التجاري في تشجيع الاستثمار، إذ إنه يتجلى فيه بوضوح دور القضاء في تحقيق التنمية والاستثمار، وأشار إلى أن التطور الاقتصادي الذي يشهده العالم، أوجد معاملات تجارية متطورة لم تكن معروفة من قبل، ولا يمكن للقاضي أن يحكم في معاملة إلا إذا تَصَوَّرَهَا وعرفها حق المعرفة، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومن هنا تبرز أهمية وجود قضاء تجاري متخصص يلم القاضي فيه بالمستجدات والمعاملات المعاصرة، إضافة إلى إلمامه بالقواعد الشرعية والقانونية المنبثقة من شريعتنا الإسلامية، فنحن بحاجة إلى هذا القاضي لنواكب التطور ونسهم بما يساعد في قوة اقتصادنا وازدهار التنمية في بلادنا. وأوضح في دراسة له حول القضاء التجاري أن الأعمال التجارية تتسم بميزات متعددة وطبيعة خاصة، جامعها السرعة والائتمان، فالسرعة هي أكبر ضمانة للتجار من تقلبات الأسعار وتلف البضائع وضياع الفرص، والائتمان هو حائط الثقة بين التجار ومرتكز تعاملاتهم التي تتسم بالسرعة. ولفت إلى أن القضاء التجاري يحتاج إلى قواعد إجرائية تتسم بالبساطة، وقواعد للإثبات تتسم بحرية الإثبات، وعدم التقيد بمبدأ الإثبات بالكتابة المعروف في المواد المدنية والقواعد المنصوص فيها في نظام المرافعات الشرعية، وقواعد تتعلق بتنظيم التزامات التجار كافتراض التضامن بين المدينين وعدم إعطاء المدين مهلة قضائية، وعدم اشتراط الأعذار وتطبيق قواعد الإفلاس التجاري. واعتبر هذه الأحكام، هي التي جعلت لقواعد المعاملات التجارية تطبيقات تختلف بشكل كبير عن تطبيقات أحكام المعاملات التي تجري بين الأفراد من غير طائفة التجار واستلزمت بيئة قضائية خاصة وقضاة لهم تأهيل خاص، وتعزز تخصيص المعاملات التجارية عندما خرج القضاء عن نطاقه التقليدي المنحصر في فض المنازعات إلى قضاء يبادر بإرساء القواعد القضائية، التي تحمي الساحة التجارية من أي خلل أو ضعف، ويتضح هذا الدور في ابتداعه لنظرية الصلح الواقي من الإفلاس، الذي يضمن من خلاله عدم خروج تاجر من الساحة التجارية إلا إذا استحال استمراره، وليخفف بذلك أيضاً من حدة مبدأ عدم إعطاء المهلة القضائية والتخفيف على المفلس حسن الني، وفرض العقوبات على المفلس المحتال. وأكد أن المملكة العربية السعودية تعتبر أكبر الأسواق التجارية والاقتصادية في الشرق الأوسط وتتمتع باقتصاد حر جاذب للاستثمارات الأجنبية، وبالتالي لا بد من وجود البيئة القضائية التي تتواءم مع هذا النهج الذي توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين اهتمامها الملموس لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية على المستويين الداخلي أو الخارجي. وتطرق حماد إلى تطور آليات الفصل في المنازعات التجارية، إذ صدر نظام المحكمة التجارية بالأمر السامي ذي الرقم (32) وتاريخ 15-1-1350ه، في مملكة الحجاز قبل إعلان توحيد المملكة، وبقي بعد توحيدها عام 1351ه الموافقة ل1933، ولا يزال ساري المفعول حتى اليوم، وهو أطول نظام في المملكة. وأضافت المادة (444) على اختصاص المحكمة التجارية كل دعوى يصدر بها أمر خاص من جلالة الملك، ثم بيّنت المادة (445) القوة التنفيذية لأحكام المحكمة التجارية أو المجلس التجاري، وأنها تكون معتبرة ونافذة الإجراء إذا كانت موافقة لأصولها، واكتسبت الحكم القطعي بموجب هذا النظام. هيئة حسم المنازعات التجارية: ثم ألغيت المحكمة التجارية وعدلت إلى ما يسمى بهيئة حسم المنازعات التجارية بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 186 وتاريخ 5-2-1387ه، المتضمن إنشاء هيئة حسم المنازعات التجارية، واعتبار قراراتها نهائية بناء على نظام المحكمة التجارية الصادر بالأمر السامي رقم 32 وتاريخ 15-1-1359ه. وفي عام 1384ه الموافق ل1965 أصدر وزير التجارة قراراً برقم (262) بتشكيل هيئة فض المنازعات التجارية تطويراً للمحكمة التجارية، ثم أصدر قراراً بتشكيل هيئة منازعات الشركات. وفي عام 1385ه صدر «نظام الشركات»، وجعل الباب ال13 منه في العقوبات (229–231)، والباب ال14 في هيئة حسم منازعات الشركات التجارية (232)، ثم صدر قرار من مجلس الوزراء رقم (186) وتاريخ 5-2-1387ه الموافق ل1967 بدمج هيئة فض المنازعات التجارية وهيئة حسم الشركات في هيئة واحدة تسمى «هيئة حسم المنازعات التجارية»، وتتكون من ثلاثة أعضاء مختصين بالشؤون التجارية وهم اثنان من القضاة الشرعيين ومستشار قانوني، وتصدر أحكامها التي تخضع لإعادة النظر لدى هيئة يترأسها وكيل وزارة التجارة والصناعة، وعضوية عدد من المستشارين القانونيين. كما نص القرار الوزاري على تشكيل هيئة تجارية تختص بالتصديق على القرارات الابتدائية الصادرة من هيئة حسم المنازعات التجارية ما دامت مطابقة للشريعة السمحاء والأنظمة السارية ومبادئ العدالة، ويصبح القرار بذلك نهائياً. وفي تاريخ 26-10-1407ه، صدر قرار مجلس الوزراء رقم 241، في شأن مشاريع أنظمة المحاكم المتخصصة، المتضمن نقل اختصاصات هيئات حسم المنازعات التجارية المنصوص عليها في النظم والقرارات، بما فيها المنازعات المتفرعة عن تطبيق نظام الشركات وتوقيع العقوبات المنصوص عليها فيه اعتباراً من بداية السنة المالية 1408ه، إلى ديوان المظالم، وذلك إلى أن يتم تنفيذ أحكام قرار مجلس الوزراء رقم 167 وتاريخ 14-9-1401ه، وجرت إحالة جميع دفاتر الهيئات وسجلاتها والملفات التي بحوزتها إلى ديوان المظالم. وتضمن القرار تكليف وزير التجارة ورئيس ديوان المظالم بدرس وضع اللجان القائمة حالياً في وزارة التجارة المتعلقة بحل المنازعات الأخرى، للنظر في نقل اختصاصاتها إلى ديوان المظالم ورفع توصياتها إلى مجلس الوزراء. الغرف التجارية.. وسائل بديلة تسبق اللجوء إلى القضاء! أوضح المستشار القضائي عدلي الحماد أنه جاء في نظام الغرف التجارية والصناعية أنها تعد إحدى الجهات القضائية، وذلك باللجوء إلى التحكيم إليها في المنازعات التجارية، بناء على اتفاق مسبق بين أطراف النزاع، ينص على اختيار الغرفة التجارية لحل النزاع عند الاختلاف، وتتكون الغرفة التجارية من 12 عضواً في المدن الكبرى، ومن ستة أعضاء في المدن الصغرى. ومن الضروري تأكيد أن دور الغرف التجارية الصناعية في نظر المنازعات يعتبر من الوسائل البديلة المتاحة في مرحلة تسبق اللجوء إلى القضاء، وما هذا إلا لكون الغرف التجارية الصناعية تمتلك الحيادية والإنصاف وثقة المتنازعين ولانتفاء وجود مصلحة لها عند نظرها النزاع، أما ما يتعلق برفض الغرفة استقبال بعض القضايا فهذا الأمر صحيح عند علمنا بأن هذه النوعية من المنازعات تتولاها جهة حكومية مختصة وأيضاً نبرره بتسهيل الإجراءات، ولأهمية منع الازدواجية، لذا يتم توجيه الشاكي إلى الجهة المختصة. وتعتبر الغرفة التجارية الصناعية مظلة نظامية لمجتمع التجار، وتعنى بهمومهم وآمالهم، وكل ما من شأنه تطوير الاقتصاد الوطني من خلال تعزيز الشراكة الإيجابية بين القطاعين الحكومي والخاص، وكنتيجة لهذه الشراكة أصبح القطاع الخاص يشارك في صناعة القرار، وتعديل الأنظمة واقتراح الجديد منها، ودرس مشاريع الأنظمة، حتى أصبح القطاع الخاص يمارس دوره بفاعلية أثمرت في نمو وازدهار الاقتصاد الوطني. وفي 19 من شهر رمضان من عام 1428ه، صدر المرسوم الملكي الكريم رقم (م/78) بالموافقة على نظام القضاء الجديد، الذي شمل ثمانية أبواب، وجاء في 84 مادة، بينما شمل النظام السابق (3) على سبعة أبواب، و102 مادة. ولقد كان من أبرز ملامح التطوير في نظام القضاء الجديد إعمال مبدأ القضاء المتخصص، إذ نص (21) على إنشاء محاكم ودوائر متخصصة في محاكم الدرجة الأولى ومحاكم الاستئناف،منها محاكم ودوائر تجارية وعمالية، ودوائر للتنفيذ، وللإثباتات الإنهائية، وللفصل في الدعاوى الناشئة عن حوادث السير والمخالفات المنصوص عليها في نظام المرور، ونصت المادة العاشرة منه على أن تباشر المحكمة العليا اختصاصاتها من خلال دوائر متخصصة بحسب الحاجة.