وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور محمد الجاسر قال في مؤتمر «اليوروموني» في الرياض أمس إن أربعة تحديات رئيسة تواجهها المملكة في الوقت الحالي في سبيل زيادة الإنتاجية، وهي: تعدد الشرائح المكونة لسوق العمل، وتنوع قاعدتنا الاقتصادية، واجتذاب الشركات العالمية متوسطة الحجم ولاسيما من الدول المتقدمة، وترشيد الإعانات وبخاصة إعانات الوقود لغير المستحقين لها. ورأى أن التحدي الأخير يكتسب أهمية متزايدة، نظراً إلى أن تلك الإعانات أصبحت تمثل كلفة باهظة وتحدث تشوهات هائلة في منظومة الاقتصاد، ولذلك تسعى المملكة لمعالجة المشكلة بطريقة متروية ومتزنة مع توخي الحرص والعناية الكاملة، ومن ذلك تطوير منظومة النقل العام في المملكة. يتحدث الوزير بديبلوماسية أتفهّم سببها، فهو عندما يقول بطريقة متروية ومتزنة مع توخي الحرص والعناية الكاملة، فهو يحسن توجيه الخطاب للرأي العام الذي سيغضبه أي رفع لأسعار الوقود، وشخصياً أتفق مع التحدي الأخير تماماً، بل إنني أرى أن انخفاض أسعار الوقود كان أحد عوامل بطء مسايرتنا للعالم المتحضر في إنشاء منظومات النقل داخل المدن، وفي ما بين المدن. لا تستطيع الحكومة، أية حكومة، رفع سعر الوقود على الناس والتنقل بسياراتهم الخاصة أو سيارات الأجرة هو وسيلة النقل الرئيسة داخل المدينة، وتكاد تكون الرئيسة في ما بينما المدن، وبلدنا شاسعة المساحة تشبه قارة صغيرة، ولا يربط القطار إلا مدينتين رئيستين فيها مروراً، ولا يوجد بها سوى ناقل جوي واحد متردي الأداء، مُتَرَبٍّ على ثقافة الاحتكار، وتعوّد منسوبوه أنهم موظفو حكومة وليسوا موظفي شركة تأتي أجورهم مما يدفعه الناس لهم، ثم دخل ناقلان جديدان، تم خنق الأول، ولا يزال الثاني يصارع بقوة حتى يبقى، ورخص لناقلين خليجيين كما رأينا في الصحف، ولم نرَ إلى الآن على أرض الواقع. نحن من أكبر دول العالم في نسبة زيادة عدد السكان، ومن أقلها في وسائل النقل العام، الذي انتبهنا له أخيراً، وأتمنى أن تكون انتباهة حقيقية تسابق الزمن، وتسعى لتأسيس جودة تعوضنا كل هذا التأخير حتى يؤتي أكله على أرض الواقع، ثم نريد أن نرى شبكة قطارات تمكّن المسافر من حقل إلى أبها ومنها إلى حفر الباطن من السفر بأمان وبسعر معقول الكلفة، ونستطيع حينئذٍ رفع أسعار الوقود بكل التروي والاتزان والحرص والعناية الكاملة، يمكننا حينئذٍ حماية ثرواتنا الطبيعية من الاستهلاك الجائر، وحماية بيئتنا من التلويث المرعب، وشوارعنا من ازدحام غير مبرر، ومراهقينا من اتخاذ الدوران بالسيارة إحدى وسائل الترفيه في مجتمع يصادر منهم كثيراً من حقوقهم في الترفيه والحضور على المشهد المدني الاجتماعي. إن رفع أسعار الوقود إذا ارتكز على قواعد توفّر البدائل الحقيقية، ووجود برامج وأهداف قوية لحماية البيئة لن يواجهه الناس بالغضب، أو التذمر، بل سيعرف العاقلون منهم أن هذا في مصلحتهم، ومصلحة الأجيال التي ستأتي، وفيهم أبناؤه وأحفاده، وأننا نشتري ملمح حضارة وتطور، يستحق أن ندفع فاتورته العادلة. [email protected] mohamdalyami@