سألت مصادر نيابية عن المخرج الدستوري لتفادي الفراغ في السلطة التشريعية في ضوء تعذر الاتفاق على قانون انتخاب جديد يسمح بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها في 16 حزيران (يونيو) المقبل، وبالتالي تضاؤل الآمال بتوصل الجلسة النيابية المقررة في 15 الجاري إلى اتفاق على القانون في اللحظة الأخيرة، رغم أنه تردّد أخيراً أن بكركي شجّعت القيادات المسيحية على التوافق على القانون المختلط. كما سألت المصادر نفسها عن مصير المشاورات التي يجريها الرئيس تمام سلام لتشكيل الحكومة الجديدة وعن مدى صحة ما أخذ يتردد أمس من أن تأليفها سيرى النور قبل منتصف الشهر الجاري، استناداً إلى المهلة الزمنية التي كان وضعها لنفسه الرئيس المكلف وأعلم بها رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط وقيادات عدة في قوى 14 آذار و8 آذار. ولفتت المصادر إلى أن الرئيس المكلف لا يرغب في أن يغرق في المراوحة لفترة زمنية مديدة أو أن يضع نفسه على لائحة الانتظار لشهر أو شهرين. ورأت أن حسم الموقف من تأليف الحكومة يتوقف على أمرين: الأول يتعلق بموقف جنبلاط ومدى استعداده لمنح الثقة للحكومة في حال سارع التحالف الشيعي إلى الاعتراض عليها حتى لو تضمنت وزراء شيعة على صلة وثيقة به، والثاني يرتبط بنتائج المشاورات الحاسمة التي سيجريها سلام مع ممثلي قوى 8 آذار. وتشكك هذه المصادر في إمكان تأليف حكومة أمر واقع، في ظل الوضع الحرج في لبنان وارتباطه بارتدادات الأزمة في سورية على الداخل، في ضوء إعلان «حزب الله» بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله مشاركته الفاعلة إلى جانب النظام في سورية في مواجهته قوى المعارضة. وتعتقد المصادر بأن حلفاء سورية في لبنان سيتعاملون مع حكومة كهذه على أنها تكرس انتصار فريق على الآخر، وسيضطرون إلى إعلان الحرب عليها بكل الوسائل السياسية والإعلامية، وتؤكد أن مسار تأليف الحكومة في ظل الأوضاع المعقدة في البلد يتجه إلى مزيد من التأزم، وأن تدخل المشاورات في هذا الخصوص في «غيبوبة» سياسية تدفع بجميع القوى إلى التفرغ لمواجهة الفراغ في السلطة التشريعية مع إخفاق الجلسة النيابية في 15 الجاري في الاتفاق على قانون الانتخاب، ما يعني أن مفعول تعليق المهل الانتخابية انقضى من دون تقدم لتفعيل التواصل بين الكتل النيابية. وتؤكد المصادر النيابية أن رفض قوى 8 آذار حكومة الأمر الواقع سيدفع الفريق الآخر إلى مقاطعة الجلسة النيابية إذا ما خُصصت لفرض مشروع اللقاء الأرثوذكسي كأمر واقع، وتقول إن الضغوط القائمة لتمريره لن تؤمِّن النصاب القانوني لعقد الجلسة في ضوء ما أخذ يشاع أخيراً عن أن بعض مؤيديه من قوى 14 آذار يدرسون حالياً إعادة النظر في موقفهم الداعم له. لكن المصادر تراقب حالياً التداعيات السياسية المترتبة على لقاء زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية مع النائب في «حزب الكتائب» سامي الجميل في منزل الأخير في بكفيا، وتسأل: هل أريد من هذا اللقاء توجيه رسائل سياسية لمن يعنيهم الأمر في أكثر من اتجاه؟ تمرير رسائل وتعتقد المصادر بأن هذا اللقاء لم يكن وليد الصدفة وأن فرنجية والجميل على تواصل مباشر منذ مدة طويلة، ولكل منهما غاية من تبادل الزيارات. وتسأل أيضاً: هل أن النائب الكتائبي أراد من خلاله تمرير رسالة إلى «القوات اللبنانية» أو إلى قوى أخرى في 14 آذار في مقابل إصرار زعيم «المردة» على توجيه رسالة لبعض حلفائه وأولهم رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، وإلا ما هو التفسير الحقيقي لغياب أحد أبرز المقربين من فرنجية الوزير السابق يوسف سعادة عن وفد 8 آذار في اجتماعه الأخير مع الرئيس المكلف؟ وفي هذا السياق تؤكد المصادر النيابية أن قوى 8 آذار ليست متفقة على موقف موحد من إجراء الانتخابات، وهذا ما تبين من خلال لقاءات سلام مع وفد يمثلها كلف التشاور معه في شأن تأليف الحكومة، إذ إن الوزير في «تكتل التغيير» جبران باسيل أصر على إجراء الانتخابات في موعدها، بينما لمح آخرون بطريقة غير مباشرة إلى التمديد للبرلمان لسنة أو سنتين. وتضيف أن من يؤيد التمديد من «8 آذار» يدعو إلى تشكيل حكومة سياسية تنتهي ولايتها مع إجراء الانتخابات النيابية، وهذا ما دفع الرئيس المكلف إلى سؤال أعضاء الوفد: «إذا كنتم تريدون إجراءها فلماذا تطرحون تشكيل حكومة تتجاوز مهمتها إنجاز الاستحقاق الانتخابي؟ ومن يريد التأجيل فليبادر إلى الإعلان عن موقفه». وتؤكد المصادر أن العماد عون لا يحبذ، كما يطالب بعض حلفائه، تأجيل الانتخابات، وتعزو السبب إلى الآتي: - أن عون يخشى من أن ينسحب التمديد للبرلمان على التمديد لرئيس الجمهورية، مع أن الأخير كرر في أكثر من مناسبة أنه لا يرغب به. - يتطلع عون باستمرار إلى رئاسة الجمهورية، وهو لم يقطع الأمل حتى الآن من أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير في ميزان القوى يتيح له الترشح لها، أو يعطيه الحق في أن يكون الناخب الأقوى في معركة الرئاسة. - يحاول عون أن يوحي من خلال إصراره على إجراء الانتخابات بأنه ليس ملحقاً بحلفائه، والدليل أنه يخالفهم الرأي في التمديد للبرلمان. - يتطلع عون إلى التمديد للبرلمان وكأن هناك من يخطط لربط مصير الانتخابات بالأجندة السورية لجهة الانتظار إلى حين تمكن النظام في سورية أو المعارضين له من حسم الموقف، وهذا يحتم عليه عدم الدخول في مغامرة غير واضحة المعالم، ويمكن أن تنعكس عليه سلباً في حال أدت التطورات العسكرية المتسارعة إلى تمكن المعارضة من تغيير النظام، لما يترتب عليه من محاسبة له في الشارع المسيحي. صمود عون لكن إصرار عون على إجراء الانتخابات، كما تقول المصادر عينها، يأتي في سياق المزايدات في الشارع المسيحي وقد لا يصمد على موقفه إذا ما شعر بأن لا مصلحة لحليفه الشيعي في إحداث فراغ في السلطة التشريعية، إضافة إلى أن الأخير ليس في وارد إزعاج جنبلاط بفرضه المشروع الأرثوذكسي كأمر واقع، لأنه في حاجة ماسة إليه لئلا يقوم برد فعل يدفع في اتجاه موافقته على تركيبة وزارية يعارضها «حزب الله» وحركة «أمل». وتلاحظ هذه المصادر أن المشاورات الجارية للتوافق على قانون انتخاب مختلط يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي، أخذت تتراجع، على رغم انشغال الوسط السياسي بالحملات الدعائية المؤيدة له، وأن الأولوية محصورة في إيجاد المخرج الدستوري للتمديد للبرلمان. وتسأل المصادر ما إذا كان التمديد لأسباب تقنية لتأخر الاتفاق على القانون أو لاحتياجات سياسية، وتقول إن تأجيل الانتخابات لدواعٍ لوجستية يجب أن يبقى في حدود أشهر عدة، وألاّ يتخطاها إلى عام أو أكثر لئلا يتسم بطابع سياسي. وتضيف أن الرئيس سليمان قد لا يعترض على التأجيل التقني لكن لديه شروط أبرزها التعهد بإقرار قانون انتخاب ضمن مهلة التمديد يسمح بإجراء الانتخابات فيكون التمديد واقعياً، أما إذا انطوى على أسباب سياسية سيضطر إلى الاعتراض عليه والطعن فيه أمام المجلس الدستوري. ناهيك بأن التمديد يتطلب التقدم باقتراح قانون لإقراره في البرلمان، فمن يأخذ على عاتقه إعداده والتوقيع عليه، خصوصاً أن ما يجري في الكواليس السياسية يدور حول كيفية التوافق على مخرج لتفادي الفراغ في السلطة التشريعية في ظل المخاوف من فراغ آخر في السلطة الإجرائية في حال تأخرت ولادة الحكومة العتيدة، فتبقى السلطة منوطة حتى إشعار آخر بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تتولى تصريف الأعمال، وهذا ما بدأ يتكيف معه أكثر من جهة في 8 آذار، وإن كان اختار عون كرأس حربة للمطالبة بالثلث «الضامن» في الحكومة مع الاعتراض على المداورة الشاملة في الحقائب الوزارية.