يكشف أحدث الحوارات الدائرة داخل مؤسسات الحكم الأردنية، عن قلق متنام نتيجة أعمال العنف المتصاعدة لدى جارتها الشرقية العراق، بين قوات تتبع الحكومة ومحتجين سنّة خرجوا إلى الشوارع والساحات منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي ضد ما يعتبرونه تهميشاً لهم، وذلك منذ إطاحة الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، ووصول الغالبية الشيعية إلى الحكم. ويخشى الأردن أن يتسبب الوضع العراقي المضطرب بانعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية، إضافة إلى تحديات أمنية خطرة على المملكة المحاطة بحريق الحرب الطاحنة لدى جارتها الشمالية سورية، فيما ألسنة نار الحرب المذهبية تلوح على حدودها الشرقية. وقال وزير الداخلية الأردني الجنرال حسين المجالي أمس إن السلطات العراقية «أغلقت معبر طريبيل البري الذي يربط البلدين لأسباب تتعلق بالشأن الداخلي العراقي»، من دون أن يدخل بتفاصيل القرار. ومعبر طريبيل هو الوحيد بين البلدين، ويبعد عن عمان نحو 370 كيلومتراً وعن بغداد 570 كيلومتراً، ويقع قرب محافظة الأنبار غربي العراق التي تسكنها غالبية سنّية، والتي شهدت أخيراً حادث مقتل 5 جنود لدى مرورهم قرب مكان الاعتصام في الرمادي على أيدي مسلحين مجهولين. وقال مساعدون رسميون في الأردن ل «الحياة» إن مطبخ القرار «يرصد الأحداث الدامية داخل العراق بحال من الانزعاج»، إذ كان يأمل بأن يؤدي الانفتاح على حكومة نوري المالكي التي أبرم معها قبل أشهر اتفاقية اقتصادية تضمن مد أنبوب نفطي عبر المملكة لغايات التصدير، إلى تحسين وضعها الاقتصادي بعد أن تسببت الحرب لدى جارتها الشمالية بإغلاق كل المعابر التجارية معها. كما يخشى الأردن أن يؤدي تفاقم الوضع لدى جارته الشرقية إلى خلق موجات لجوء عراقية جديدة تجاه أراضيه، وهو ما سيضعه أمام أعباء إضافية لكونه يفتقر للموارد ويعتمد على خزانة المساعدات الخارجية. واستوعبت المملكة على مدى عقود ماضية موجات ضخمة من اللاجئين الفلسطينيين، كما استقبلت أعداداً كبيرة من الهاربين نتيجة الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت بين 1975 و1990، ومن العراق قبل الغزو الأميركي وبعده، وهي اليوم تستوعب نحو مليون لاجئ سوري. ويستمد الأردن تخوفه «المشروع»، وفق وزير بارز لدى الحكومة الأردنية اشترط عدم ذكر اسمه، من أن تتحول حدوده الضخمة مع العراق إلى تهديد أمني جديد. وترى عمان أن انهيار الوضع لدى سورية قد يؤسس لدولة متاخمة لحدود المملكة بقيادة تنظيم «القاعدة» والجماعات الإسلامية المتشددة. ووفق قراءات خاصة بمؤسسة الأمن الأردنية، سيصل امتداد هذه الدولة «الافتراضية» إلى الأراضي العراقية، لكنها ستكون محاصرة بكيان علوي في المنطقة الشمالية السورية، وبحزام شيعي على الجبهة الشمالية الشرقية الخاصة بالعراق، ما يجعلها أمام معبر وحيد للمناورة، وهو الأردن. وثمة من يرى أن تنامي النزعة الطائفية في العراق سيضع المملكة الهاشمية بين اعتبارات متناقضة، فهي حريصة على استقرار العلاقات مع حكومة المالكي لتعزيز مصالحها الاقتصادية، لكنها لن تكون قادرة على مساندة هذه الحكومة إذا ما دخل المكون السني العراقي في مواجهة مفتوحة معها، إضافة إلى مواجهة مماثلة بينها وبين دول خليجية تسعى إلى هدم «المعسكر الشيعي» في المنطقة، ويعتبر الأردن حليفاً قوياً لها. وتتمتع المؤسستان السياسية والأمنية في عمان بصلات اجتماعية وأمنية عميقة مع شخصيات عشائرية سنّية ونافذة غرب العراق. ومُنح كثير من هذه الشخصيات وثائق للإقامة المفتوحة على الأرض الأردنية، وفق أحد قادة «الوقف السني» في العراق، وهو عدنان الدليمي المقيم حالياً في ضاحية بعمان الغربية. وقال ماهر أبو طير، وهو أحد أبرز مستشاري الحكومة السابقين ل «الحياة»، إن الحكومة العراقية «حاولت استقطاب نظيرتها الأردنية عبر منحها أنبوباً نفطياً حتى لا تقف في الصف الداعم للتمرد الحاصل غربي العراق». واستطرد قائلا: «أراد المالكي قطع الطريق على أي مداخلة أردنية لدعم الثورة المفترضة في بلاده، لكن الموقف الأردني حساس جداً، ولديه حسابات كثيرة، قد لا تتضح حالياً». لكن السفير العراقي لدى عمان جواد عباس اعتبر في تصريحات إلى إحدى الصحف الأردنية أمس أن «هنالك مبالغة بتقدير ما يجري في العراق»، مؤكداً أن «مناطق عراقية كثيرة مثل الحويجة تمت السيطرة عليها، وجزء كبير من العشائر يرفض العنف».