عادت الجامعات المصرية إلى بؤرة الاهتمام مجدداً مع تفاقم المشاكل فيها وانتقال العنف الذي يشهده الشارع إلى الحرم الجامعي بسبب خلفيات سياسية وأخرى أمنية. وتشهد الجامعات متغيرات ومشاكل تدفع في اتجاه مزيد من العنف، فالاستقطاب السياسي بين التيار الإسلامي، وفي القلب منه جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة والقوى الثورية والمعارضة، انتقل إلى الجامعات وسبب في بعض الحالات عنفاً بين أنصار الطرفين، كما أن تردي الأوضاع الأمنية أوجد للبلطجة موطئ قدم في حرم الجامعات خصوصاً بعدما غابت الشرطة عن تأمينها بحكم قضائي صدر في العام 2010. واندلعت أخيراً احتجاجات في جامعات عدة بسبب تردي الخدمات المقدمة للطلاب خصوصاً في المدن الجامعية التي تؤوي الطلاب المغتربين. وكانت انتخابات اتحادات الطلاب أظهرت في شكل لافت انتقال الاستقطاب السياسي إلى الجامعات، إذ نافس ائتلاف الطلاب المستقلين الذي ضم طلاباً من القوى المعارضة ومستقلين طلاب جماعة «الإخوان» وتمكنوا من الفوز في غالبية الجامعات. لكن خلافات اندلعت بينهم على توزيع المناصب في الاتحاد العام لطلاب مصر ما أفقدهم الغالبية في مكتبه التنفيذي، وإن كانوا فازوا بمنصب رئيس الاتحاد. وضربت موجة من العنف الجامعات في الأسابيع الماضية، ففي جامعة المنصورة اشتبك طلاب «حركة أحرار» السلفية مع طلاب معارضين على خلفية تظاهرات نظمها الطرفان لدعم أسرة فتاة دهستها أستاذة جامعية بسيارتها بطريق الخطأ. وفي جامعة عين شمس القاهرية وقعت اشتباكات دامية بين مئات الطلاب خلفت عشرات الجرحى، ما دعا إدارتها إلى وقف الدراسة بضعة أيام لتدعيم أمن الجامعة بشركات خاصة للأمن وأجهزة حديثة لكشف الأسلحة البيضاء التي ملأت حرمها وقت الاشتباكات. واندلعت احتجاجات في جامعة الأزهر على خلفية إصابة عشرات الطلاب بتسمم نتيجة تناولهم وجبة غذاء فاسدة، ما دفع الشباب الغاضب إلى اقتحام ساحة مشيخة الأزهر، ورفعت مطالب باستقالة شيخ الأزهر أحمد الطيب وإقالة رئيس الجامعة أسامة العبد. وامتد الانفلات إلى جامعة القاهرة بعدما منع طلاب أساتذتهم من دخول كلية الصيدلة بسبب تردي الخدمات المقدمة لهم، ما سبب اشتباكات بين الطلاب. وعلى رغم أن العمل الحزبي ممنوع داخل الجامعات، إلا أن غالبية «الأسر الطلابية» التي تقدم أنشطة لأعضائها، هي امتداد لأحزاب وتيارات سياسية وتعلم إدارات الجامعات أنها تروج لأحزابها داخل الجامعة. وقال رئيس اتحاد طلاب جامعة عين شمس كريم بلال ل «الحياة»، إن «أزمة الجامعات هي في النشاط الحزبي»، مشيراً إلى أنه «لا مانع من ممارسة النشاط السياسي داخل الجامعة، بل نحن نرحب به، لكن النشاط الحزبي فيه خطر شديد على الجامعة». وأكد ضرورة «الفصل بين النشاطين الحزبي والسياسي، لأن ممارسة النشاط الحزبي تحول الجامعة إلى ساحة للتحزب وتخلق صراعات لا داعي لها»، لافتاً إلى أن «ما يحدث في الجامعات الآن هو خلط بين النشاطين السياسي والحزبي بل وتغليب للتحزب». وأوضح في هذا الصدد أن هذا الخلط يُعبر عنه دعم الأحزاب لأسر طلابية، فمثلاً أسرة «الميدان» في جامعة عين شمس معروف أنها تابعة لحزب «الدستور»، وأسرة «الأندلس» تابعة لجماعة «الإخوان» وأسرة «إرادة» تتبع حزب «الوسط» الإسلامي. ووضع أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة الاضطرابات داخل الجامعات في إطار اضطرابات «المرحلة الانتقالية في البلاد التي لم تستقر حتى الآن»، لافتاً إلى أن «الشباب هم من صنعوا الثورة وبالتالي هم أكثر الناس حرصاً على استمرارها وهم الأكثر انفعالاً مما يحدث من قبل جماعة الإخوان، وكانت انتخابات الاتحادات مؤشراً مهماً على رفض الشباب في الجامعة للإخوان، ما أقلق الجماعة، وبالتالي من الطبيعي في مواجهة هذا القلق أن تتحرك عناصر الإخوان والنظام السابق لإحداث ارتباك في الجامعات، خصوصاً أنه لا تيار واحد يسيطر عليها ولا حتى الإدارة». وأضاف أن «حال الغليان داخل الجامعات لن يحكمها إلا قرب الامتحانات، وفي العام الدراسي المقبل سيتوقف الأمر على حال الاستقطاب السياسي في المجتمع، فإن استمر وزادت حدته فسيتسمر في الجامعة وربما يزيد، ويحولها إلى ساحة صراع». وعن التظاهرات الحاشدة التي نظمها طلاب الجامعات أول من أمس، قال رئيس اتحاد طلاب جامعة عين شمس إنها جاءت «للمطالبة بحق الطالب المصري في تعليم جيد ومدينة جامعية كريمة وإقالة وزير التعليم العالي الذي قصَّر في مهامه وسبب كل هذه المشاكل». ورأى أن الاشتباكات الأخيرة في الجامعة «تعكس حالاً من العنف استشرت في المجتمع... الإهمال وانتشار البلطجة والاستقطاب السياسي كلها أمور تؤدي إلى العنف. كل هذه المشاكل تدور بنا في حلقة مفرغة تصل بنا جميعها إلى العنف وتفجر الجامعات». ولفت إلى أن «الاشتباكات لم تكن بسبب خلافات سياسية، ولكن بسبب انتشار البلطجة من بعض الطلاب داخل الجامعة، وهذا أمر سنتصدى له، لكننا مصرون على رفض عودة الشرطة إلى الجامعة، ولن نسمح بهذا الأمر». وقالت الطالبة في كلية الآداب جامعة القاهرة سعاد محمود إن الأوضاع داخل حرم الجامعة «تزداد سوءاً كل يوم». وأضافت ل «الحياة»: «هناك أماكن في الجامعة مُحرم علينا المرور بها، لأنها باتت معروفة بأنها وكر لبيع مخدرات وتعاطيها أيضاً». وأوضحت أن «أمن الجامعة لا يستطيع وربما لا يرغب في مواجهة تلك الظواهر، حتى أن التحرش والمعاكسات داخل حرم الجامعة باتت أمراً عادياً لا يستدعي الشكوى». ورأى نافعة أن «ضعف الأمن في المجتمع عموماً وفي الجامعة خصوصاً بعد انسحاب الحرس الجامعي من قوات الشرطة، ساعد على انتشار الابتذال داخل الحرم الجامعي». وقال: «لا بد من تقوية الحرس الخاص والتعاقد مع شركات لها خبرات في هذا المجال لضمان توفير عناصر مدربة لضبط الأمن في الجامعة».