سوق الأسهم السعودية ينهي تعاملاته باللون الأحمر خاسرا 13 نقطة    ملاذ للتأمين "الراعي الرئيسي" لمنتدى مستقبل العقار 2025    مسؤولة أوروبية: لا عودة مكثفة للاجئين السوريين    عيون «العقيد» على شباك الأهلي    20 فعالية مصاحبة لرالي حائل    آل حسن نائبا لعربي المبارزة    حرس الحدود ينقذ طفلا سودانيا من الغرق في عسير    انكماش نشاط قطاع التصنيع في الصين    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان"اللُّحمة الوطنية عقلٌ يُنير، ووطنٌ يزدهر"    الذهب ينخفض بضغط من ارتفاع الدولار وترقب قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي    البدء بأعمال المرحلة الأولى لصيانة وتطوير تقاطعات طريق الملك عبد الله بالدمام    رئيسة وزراء إيطاليا تغادر العُلا    "التعاون الإسلامي" يؤكد دعمه لصمود الشعب الفلسطيني في أرضه ويرفض محاولات التهجير القسري    بدء استقبال طلبات إيفاد المعلمين إلى 13 دولة    «التجارة»: 16% نسبة نمو الخدمات الإدارية والدعم    نائب أمير الشرقية يستقبل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    «السوق المالية»: 55 ملف طلب إدراج شركات.. 20% منها «عقارية»    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 14 لمساعدة الشعب السوري الشقيق    ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة يشيدون بعناية المملكة بالمواقع الدينية والمعالم التاريخية    9 جلسات حوارية بالأسبوع الإعلامي بجامعة أم القرى    تقنية الطائف تقيم لقاء توظيف بعدد 300 فرصة وظيفية    المياه الوطنية تطلق برنامج تقسيط توصيلات المياه والصرف الصحي المنزلية    النازحون يعودون إلى الخراب في شمال غزة    رئيسة وزراء إيطاليا تزور منطقة الحِجِر والمعالم التاريخية والأثرية في العُلا    إغلاق معمل لتحضير المأكولات الرمضانية في جدة    عقار يبشر بإمكانية استعادة الرؤية للمصابين بتلف الأعصاب    5 أسباب للتقليل من استهلاك الملح    «واتساب» تعتزم توفير ميزة الحسابات المتعددة لهواتف «آيفون»    7 خطوات بسيطة.. تملأ يومك بالطاقة والحيوية    نجل «سعد بن جدلان»: قصائد منسوبة لوالدي لم يكتبها    «النقانق والناجتس» تسبب العمى لطفل بسبب سوء التغذية    المملكة تدين استهداف المستشفى السعودي في الفاشر    سياسة مختلفة    الجمعان ومستقبل النصر    مؤتمر «خير أُمّة»: محاربة الجماعات المنحرفة ومنعها من تحقيق أغراضها الباطلة    رضا الناس غاية لا تدرك    الزيارات العائلية    فعالية «مسيرة الأمم»    أكذوبة محاربة الاحتكار الغربية    أمير الشرقية يطّلع على إنجازات جامعة حفر الباطن    نائب أمير مكة يستقبل المعزين في وفاة أخيه    كيف يعشق الرجال المرأة.. وكيف تأسر المرأة الرجل؟    شرطة النعيرية تباشر واقعة شخص حاول إيذاء نفسه    "سلمان للإغاثة" يوزّع مواد إغاثية في مدينة حرستا بمحافظة ريف دمشق    طفاية الحريق في المركبة.. أمن وسلامة    الجوال السبب الأول لحوادث المرور في القريات    دراسة: الإجهاد النفسي يسبب" الإكزيما"    نائب وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (105) من طلبة كلية الملك فيصل الجوية    نيمار حدد موعد ظهوره بشعار سانتوس    طلال بن محفوظ - جدة    النصر يؤكد بقاء الثنائي العقيدي وغريب :"عيالنا .. كفاية إشاعات"    السعودية باختصار    المشكلة المستعصية في المطار !    شريف العلمي.. أشهر من طوّر وقدّم برامج المسابقات المُتَلفزَة    ولاء بالمحبة والإيلاف!    أمير القصيم يوجّه بتسمية قاعة في غرفة المنطقة باسم رجل الأعمال الزويد    ضيوف الملك.. خطوات روحية نحو السماء    الديوان الملكي: وفاة والدة الأمير فهد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيال أسطوري من غلغامش
نشر في الحياة يوم 28 - 04 - 2013

إنها حضارة البشر قبل نحو 4 آلاف سنة، والمكان هو بلاد الرافدين، في الحقبة البابلية. عبر مسار فائق التعرّج، بل إن بعضه مُبهم كليّاً، كُتبت نصوص بالأكاديّة، ستشتهر باسم «ملحمة غلغامِش». وعرفتها اللغة العربية في ترجمتين، ثانيتهما للمؤرخ والباحث الأركيولوجي العراقي طه باقر، وتفرّدت بأنها تُرجِمَت مباشرة من الأكادية- البابليّة إلى العربية، بفضل تمكّن باقر من اللغتين، واعتماداً على ألواح طينية كُتِبَ عليها بخطٍ مِسماري. إضافة إلى أشياء عدة أخرى، ربما أشدّ أهمية بكثير، تصف الملحمة صراعاً جسديّاً مباشراً، بأسلوب المصارعة، دار بين الشخصيتين الأسطوريتين الرئيسيتين في هذه الملحمة: غلغامش وأنكيدو. وعُثر على نقوش تمثّل هذه المصارعة، إضافة إلى حوادث أخرى في الملحمة، خصوصاً ما رُسِم منها على خواتم أسطوانية حجرية وطينية. ويلفت في هذه الرسوم أن البطلين صُوّرا بقرون ترمز إلى القداسة، على رغم أن نصوص الملحمة تشدّد على أن غلغامش لم يكن خالداً، بل إن حرمانه من هذه الميزة هو الترسيمة الأوسع في الملحمة، كما تشدّد على أن أنكيدو كان إنساناً. ولعل هذه الإنسانية هي الملمح الأول للخيال الأسطوري للمصارعة: فهي تدور بين بشر. إذ تفتح الملحمة على سبب المصارعة، وهو انفلات قوة غلغامش وعنفه، ما جعله طاغية في مدينة «أوروك» (تعرف باسم «أور» أيضاً). «هو الذي رأى كلّ شيء فغني بذكره يا بلادي... كان طوله إحدى عشرة ذراعاً وعرض صدره عشرة أشبار... ولم تنقطع مظالمه عن الناس ليل نهار... وكثيراً ما تستيقظ رعيّته على صوت الطبل... لم يترك عذراء لحبيبها ولا إبنة المقاتل ولا خطيبة البطل... يا «أورورو»، أنتِ خلقتِ هذا الرجل بأمر «إنليل»... فاخلقي الآن غريماً له يضارعه في قوة القلب والعزم... وليكونا في صراع مستديم لتنال «أوروك» السلام والراحة». إضافة إلى وصفها «جسد المصارع» المتسم بالضخامة الهرقلية الطابع، تتحدث كلمات الملحمة عن صلة المصارعة بالسياسة ومصائر العمران. إذ يكفل ظهور ندٍ مصارعٍ لغلغامش تبدّل الحياة في المدينة، ليحلّ السلام فيها. ثمة تأويلات متنوّعة لأمنية أهالي «أوروك» بأن يأتي ندٌ ما لغلغامش يصارعه كي يعيشوا هم في أمان، لكنها أمنيّة تذكّر كثيراً بأن صراع جسدين قويين يمكن أن يكون شأناً عاماً وسياسياً بامتياز.
الجسد البريّ لا يكفي
كيف جاء المُصارِع الخصم لغلغامش؟ «غسلت «أورورو» يديها، وأخذت قبضة من طين ورمتها في البرية... خلقت في البرية أنكيدو الصنديد». لكن القوة لا تكفي لتحقيق الهدف الإنساني من المصارعة، مع الإشارة الى أن أوصاف غلغامش بالحكمة والمعرفة والشجاعة، تسبق وصف قوّته جسديّاً. وعبر حوادث ممتعة، يتحوّل أنكيدو من كائن بريّ قوي، إلى إنسان حكيم. (في الملحمة، يجري هذا التحوّل بفضل المرأة، وهو أمر طالما أثار نقاشات حادّة).
وعندها يصبح مؤهلاً للمصارعة. «خذيني إلى «البيت» المشرق المقدس، مسكن آنو وعشتار/ إلى حيث يحكم غلغامش المكتمل الحول والقوة/ والذي يتسلّط على الناس كالثور الوحشي/ وأنا سأتحداه... سأصرخ في قلب «أوروك» أنا الأقوى/ أجل! أنا الذي سيبدّل المصائر». ولكنه لن يصارع غلغامش قبل أن تصفه الملحمة بأنه «صار إنساناً».
تصل ترسيمة العلاقة بين المصارعة والعنف إلى نقطة راقيّة، إذ تكون المصارعة بين النديّن مدخلاً للجم الانفلات المتوحش للعنف بأشكاله المتنوّعة (جسدياً وسياسياً ورمزّياً) المتجسّد في غلغامش المتسلّط ك «الثور الوحشي». وسرعان ما ترتبط هذه الترسيمة بمعنى عميق آخر للمصارعة: الصداقة. إذ يرى غلغامش خصمه الصنديد في خياله قبل أن يصل إليه بشخصه، كأنما للقول بأن الصراع (وامتداداً المصارعة باعتبارها شكلاً إنسانياً لتحويل القوة الى سلام)، إنما يبدأ بالعقول والأدمغة والأفكار والخيالات. وتحمل الملحمة أوصافاً للمصارعة الجسدية المباشرة بين البطلين الأسطوريين. «لقد أردت أن أرفعه لكنه ثقُل علي/ وأردت أن أزحزحه فلم أستطع أن أحرّكه... إنّه مثيل لغلغامش، انه أقصر قامة ولكنه أقوى عظماً... انقض عليه وهاجمه... أمسك أحدهما بالآخر وهما متمرسان بالصراع... وحينما ثنى غلغامش ركبته وقدمه ثابتة في الأرض (ليرفع أنكيدو)، هدأت ثورة غضبه». بعدها، يسلّم أنكيدو لخصمه بالانتصار («إنك الرجل الأوحد») وهو أمر ثابت في الرياضة منذ أقدم عصورها وحتى الآن، بل يحدث أمر مماثل في السياسة أيضاً. إنه الاعتراف بالآخر، والاعتراف المتبادل الذي يؤدي إلى الصداقة. تصف الملحمة هذه النتيجة الإنسانية الراقيّة للمصارعة بين البشريين بجملة صافية «قبّل أحدهما الآخر وعقدا أواصر الودّ بينهما».
وفي كتابات أكثر حداثة، تقصّى الأميركي سايروس غوردون (1908- 2001)، وهو باحث أركيولوجي واختصاصي في تاريخ الشعوب القديمة ولغاتها، تفاصيل مصارعة غلغامش وأنكيدو، عبر النصوص والرسوم الأثرية البابلية والأشورية، ليصل إلى أنها جرت على طريقة تشابه المصارعة الرومانية وأساليبها وأوضاعها كما نعرفها حاضراً.
لم تكن حضارة بلاد الرافدين وحيدة في إيلائها المصارعة مكانة مرموقة، ولا في اقتراب المنازلات الرياضية بين الأجساد القويّة من المصارعة الرومانية، ولا حتى في المساحات المتوازية مع المصارعة، كالسياسة والثقافة. ربما تأتي أهمية الملحمة البابلية من كونها نصاً تأسيسياً عريقاً. هناك رسوم على معابد الفراعنة تمثّل أوضاع لجسدين في صراع منضبط وغير دموي، تقترب مما نعرفه عن المصارعة الرومانية.
ولا يتسع المقال للحديث عن المساحة الواسعة للمصارعة في أساطير اليونان، التي رسمت جسد هرقل: نموذج جسد المصارع، بل البطل الأولمبي الكامل. وزُيّنت معابد اليونان والرومان بمشاهد لمصارعة منضبطة، بأوضاع للنزال هي في أساس فن المصارعة اليونانية-الرومانية التي كانت من أولى منافسات الأولمب الأسطورية، بل ربما مثّلت التعبير الأكثف عن مُكوّن «الأقوى» في الشعار الأولمبي الشهير «الأقوى، الأسرع والأعلى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.