على المستوى المحلي تعد أهم رواد الحركة التشكيلية النسائية السعودية هن صفية بن زقر ومنيرة موصلي بلا منازع، لكن لو أردنا أن ننظر عن كثب لمن في وقتنا المعاصر كتشكيلية مهمة وتُعتبر من الشخصيات المؤثرة في الشرق الأوسط، حتماً سنشير إلى تجربة التشكيلية شادية عالم والثنائيات التي تقدمها مع أختها الروائية رجاء عالم مثل ما فعلن في أحد أبرز الأعمال السعودية المعاصرة «الفلك الأسود»، الذي يستقبلك بانعكاساته الجميلة، فور أن تزوره والذي لا يدور فقط حول ماهية الفرد السعودي أو العربي بهمومه الخاصة وأجندته الباهتة. بل هي رؤية عميقة للأبعاد الإنسانية وللوجود، حين تتقاطع في نقطة نتواصل معها وجدانياً وروحياً، على أرضنا وعن تماهينا مع المدن الملهمة. لتستيقظ شيئاً من تراكمات الذاكرة المتجلية فيه. كمية الحنين التي أجدها في عمل من هذا النوع نادراً ما أشعر بها مع كثير من الأعمال، حتى مع بعض أعمالي الخاصة. ومن الأفكار الأبرز المتعلقة فيه أيضاً هي إسقاطات اللون المُمَثِل لهذا العمل، أحد المواقف الجميلة التي نشأت حول «الفلك الأسود» عن عرضه أول مرة في بينالي فينيسا 2011 هو تأثر سيدة صينية لا علاقة لها ربما بأي من الجُمل المستخدمة لوصف هذا العمل. غير أنها استشعرت مدى جماليته وسحره، وهو ما جعل الدموع تنسكب من عينيها وهي تتأمله. وهنا يأتي أسمى ما قد يقدمه الفن في قدرته المستقلة على التواصل مع الناس في كل مكان. يستطيع المتأمل لأعمال الأختين بشكل منفصل أن يرى نقطة الالتقاء بينهما أيضاً. العوالم الغامضة التي يجربن أن يفككنها ويفردنها أمامنا.. العالم البصري واللوني من أيدي شادية والعالم الكتابي بحروفه من أيدي رجاء. يخلق شيئاً من الروح السردية التي تتواطأ بها الأختان، ربما لوجود تراكمات مشتركة في حياتيهما ليخرج لنا هذا المزج الغني والمثير للدهشة. قامت شادية برسم الكثير من اللوحات الزيتية أيضاً في فترة التسعينات، والتي تكتنز أيضاً ذلك الطابع السحري الغامض والجميل في رسمها لبورتريهات حول نساء الصحراء بشموخهن، والقوة التي تنقشها لهن تجلب في مخيلتي أبياتاً لمحمد الثبيتي: «يا أيها النخلُ، يغتابك الشجر الهزيل، ويذمُّك الوتد الذليل، وتظلُّ تسمو في فضاء الله، ذا ثمرٍ خرافي، وذا صبر جميل». أتذكر في إحدى زياراتي لغاليري في جدة استوقفتني لوحة لها وأنا أعبر ردهات المكان، وعرفت أنها لها قبل أن أقرأ اسمها أو توقيعها، إذ شكلت أسلوبها الخاص أيضاً فوق لوحة الكانفاس، قبل أن تنتقل إلى أي صيغة فنية أخرى. ويعد ذلك أحد انتصارات الفنان التشكيلي الصغيرة على ذاته، أن يتم تمييز ما يقدمه من أعمال قبل أن يتكشف اسمه المتلقي. الفنانة شادية عالم من مواليد مكة وتعيش بين جدة وباريس، وتعد أحد أهم الفنانين المعاصرين، وقد تم اقتناء أكثر من عمل لها من مؤسسات فنية، وضم عدد منهم لمقتنيات متاحف خاصة. تحكي دوماً بأنها تستلهم أعمالها من خيال الحكايا التي كانت تقصها عليها خالاتها وجدتها في الماضي. ربما لذلك أتلمس فيه شيئاً قريباً ومعدياً بالحنين، لشيء من تلك الدهشة والخوف الطفولي والفضول الذي كان يعتريني وقتها، وأجده ربما مطرزاً في أعمال الفنانة شادية عالم.