من خلال معرضه «الروحانية بين الواقع والخيال»، المقام في «قاعة بيكاسو» في القاهرة، يعلن الرسام والناقد المخضرم مكرم حنين رغبة عميقة في إنهاء القطيعة بين الفن ذات المستوى العالي والجمهور العادي، إذ يبدي حرصاً على تذليل غربة الفنون الجميلة وعزلتها عن حركة الشارع وتوجهاته وتطلعاته. يتمنى حنين أن تواكب «ثورة 25 يناير» نهضة فنية، تتحرر من البدع اليورو- أميركية في ما بعد الحداثة، مقارناً بين خلود أعمال فنان مثل هنري مور، المستلهمة من الحضارتين الفرعونية واللاتينية، وأعمال الأميركي جاكسون بلوك التي أصبحت عرضة للتحلل لأنها مصنوعة من مواد كيماوية ولا سبيل لترميمها إلا باستخدام البوليستر، «ما يزيد الطين بلة» كما يقول، على رغم إمكان فتح نقاش حول ضرورة «بقاء» الفن أو «زواله»، ومعنى ذلك الصمود أو الفناء وتعريفهما. لكن حنين يتمنى أن تفرز الحركة التشكيلية، الناشطة بعد الثورة، اتجاهاً مماثلاً لما كانت عليه أعمال راغب عياد ومحمود سعيد ويوسف كامل ومحمود مختار، إلى جانب سيد درويش في الموسيقى بعد ثورة 1919، إذ احتضنت النهضة الفنية طموحات الشعب وعبّرت عنها. ويتضمن المعرض مجموعة من اللوحات القديمة للفنان، من ستينات القرن العشرين إلى تسعيناته، ويبرر حنين ذلك بقوله إن «الفن لا ينفصل عن التاريخ، وكل فنان يحتفظ ببعض اللوحات ولا يفرط بها، ومنها يراقب مسيرته والأخطار المحدقة به، على المستوى التقني والفكري، حتى لا يقع في فخ التكرار بحسب مارسيل دوشامب». ويضيف: «أرى أن بعض الفنانين لا يحكمون سيطرتهم على إنتاجهم، أو أنهم يعملون بمنطق بيع توقيعهم، أو يقدمون عملاً بديعاً فيطلب وكيل أعمالهم المزيد من العمل نفسه بتنويعات مختلفة، ربما يأسرهم موضوع معين فلا يعودون يعرفون كيف يخرجون منه. لذلك قمنا برحلات عمل، مع زملاء فنانين، مثل عز الدين نجيب والراحل إبراهيم عبدالملاك وآخرين، إلى مناطق بكر، مثل بحيرة البرلس ومرسى مطروح والنوبة القديمة، حتى نجدد في الموضوعات والألوان والتيمات والأجواء المحيطة بعالم لا يزال غامضاً بالنسبة إلى جمهور المدينة». وحول فكرة الروحانية في المعرض، يقول حنين: «تتحقق الروحانية في العمل الفني المرتبط بالإنسان والمكان، وبمخيلة الفنان وتصوره وإبداعه، بينما تظهر في المجرّدات متفككة ومرتبكة لأنها تنظر للأشياء من الخارج بلا التوغل في حقيقة الوجود». ويقدم حنين اسكتشات تتناول الثورة ويقول: «الاسكتشات هي تعبير سريع وخاطف، تصورت فيه شباب ميدان التحرير ومصر طالعة عليهم كالشمس، وعندما تبلورت الفكرة رسمت لوحة «شمس الثورة» مستذكراً أغنية السيدة فيروز «مصر عادت شمسك الذهب». أماعن مجموعة لوحات الفتاة المحجبة، فيقول حنين إنه عاشق لمظاهر الأجواء الرمضانية في مصر، وأن هناك «روحانية شفافة وبراءة في وجه الفتاة المحجبة»، مضيفاً: «حتى أمي كانت تلف وجهها بالطرحة». أما لوحة «بنات قبلي» فيعتبرها «تكاملاً لونياً مع لوحة محمود سعيد الشهيرة «بنات بحري»، لأنني تبينت أن وجود أهل الصعيد يتلاشى في الحركة التشكيلية، وبما أنني من مدينة أسيوط في جنوب مصر، وعايشت حياة هؤلاء، قدمت هذه اللوحة وغيرها التي تصور المراكب النيلية». للفنان حنين مقتنيات في متحف الفن الحديث في القاهرة، وفي قاعة المؤتمرات، إضافة إلى مجموعة خاصة في أسبانيا وإيطاليا وأميركا. وأقام معارض فردية وجماعية، منذ عام 1962، وهو أيضاً محاضر وباحث شارك في لجان تحكيم في المحافل الدولية.