في وقت ظهر أن المعارضة في مصر قبلت ضمناً الاحتكام إلى الانتخابات البرلمانية المتوقعة في أيلول (سبتمبر) المقبل لحسم الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، أبت جماعة «الإخوان المسلمين» إلا أن تخوض معركتها في مواجهة خصومها للنهاية، إذ أصرت على حشد أنصارها اليوم للمطالبة ب «تطهير القضاء»، رغم ما لاقته تلك الدعوة من انتقادات حتى من التيار السلفي ووزارة العدل. وبدا أن الحكم يمهد لتمرير قانون يُخفض سن تقاعد القضاة، ما سيطيح شيوخهم، وهو أمر تعهد نادي القضاة التصدي له، فيما حذرت قوى سياسية من أن هذا التوجه من شأنه «جر البلاد إلى صراع سياسي جديد حول القضاء». وكانت «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تضم غالبية قوى المعارضة تراجعت عن قرارها مقاطعة الانتخابات. وأعلنت أمس المشاركة، لكنها أصرت على ضمانات لنزاهة الاقتراع في مقدمها تشكيل حكومة محايدة وتنفيذ حكم قضائي ببطلان تعيين النائب العام طلعت عبدالله، وهما مطلبان لا يبدي الحكم مرونة حيالهما. واعتبرت الجبهة في بيان أصدرته عقب اجتماع لقادتها أن خوض الانتخابات «أحد سبل إنقاذ الوطن عندما تتوافر لها ضمانات الحرية والنزاهة». وأكدت أن المشاركة في هذه الانتخابات «استحقاق وطني تستعد الجبهة له، فيما تواصل النضال لخلق الظروف الضرورية كي تكون الانتخابات تعبيراً عن الإرادة الشعبية وليست تزييفاً لها». لكن مطالبة جماعة «الإخوان» مجلس الشورى ب «إقرار قانون السلطة القضائية، وتطهير مؤسسات الدولة كافة من الفاسدين واتخاذ الإجراءات الثورية المناسبة لذلك»، وإعلانها الحشد اليوم لتنفيذ هذه المطالب وتر المشهد السياسي مجدداً. وقال عضو مجلس إدارة نادي القضاة محمد عبده صالح ل «الحياة» إن «تظاهرات اليوم لا تعبر إلا عن فصيل معين يريد تسييس القضاء والانتقام منه، وهذا لن يحدث... القضاة لن يقفوا مكتوفي الأيدي إن حاول أي فصيل سياسي تحديد مصيرهم». اللافت أن وزارة العدل عبرت عن اعتراضها على تظاهرات اليوم. وقالت في بيان إن «إصلاح المؤسسات الدستورية عموماً والقضاء خصوصاً، لا يأتي إلا من داخلها، ولا يتأتى ذلك بأي حال بالصياح والتظاهر»، مضيفة أن «تحديد سن التقاعد شأن من شؤون القضاة ولا يجوز استخدامه لأغراض سياسية سواء بزيادته أو خفضه». وفي حين أعلنت أحزاب إسلامية صغيرة متحالفة مع «الإخوان» مثل «الوسط» و «الأصالة» و «البناء والتنمية» مشاركتها في التظاهرات، قاطعتها قوى إسلامية أخرى، أبرزها حزب «النور» و «الوطن» السلفيان وحزب «مصر القوية» الذي يرأسه القيادي السابق في «الإخوان» عبدالمنعم أبو الفتوح. وهاجمت «الدعوة السلفية»، وهي الجماعة الأم لحزب «النور» الحليف التقليدي ل «الإخوان»، التظاهرات. وتساءلت في بيان: «كيف يتعجل مجلس الشورى في إصدار قانون السلطة القضائية رغم أنه يمارس سلطة التشريع بصفة استثنائية موقتة، وفي ظل اتفاق رئيس الجمهورية مع القوى السياسية على اقتصار دوره على القوانين العاجلة فقط؟». ورأت أن «تخفيض سن تقاعد القضاة عشر سنوات يعتبر إضراراً بكثير من القضاة ومصالح الناس». واعتبر حزب «الدستور» برئاسة محمد البرادعي أن تظاهرات اليوم «تمهيد واضح لتمرير تشريعات غير متوافق عليها من خلال مجلس تشريعي مطعون في شرعيته بهدف التخلص من عدد لا يستهان به من رموز القضاء وشيوخه، وسعياً إلى إخضاع مؤسسة القضاء لقوى سياسية بعينها». وحذر من «جر البلاد إلى صراع سياسي جديد حول القضاء من شأنه أن يعمق حال الاستقطاب المتصاعدة في المجتمع ويزيد من حدة المأزق السياسي». إلى ذلك (رويترز) نُقل الرئيس السابق حسني مبارك من مستشفى المعادي العسكري في القاهرة إلى مستشفى سجن مزرعة طرة في جنوب العاصمة أمس بعدما ظهر السبت الماضي بصحة أفضل في جلسة لإعادة محاكمته بتهم تتصل بقتل المتظاهرين. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إن نقل مبارك من المستشفى العسكري تأخر بعدما قطع مئات من مؤيديه الطريق أمام المستشفى العسكري مساء أول من أمس احتجاجاً على إعادته إلى السجن. وذكرت أن مبارك نقل في سيارة إلى مستشفى السجن وسط حراسة مشددة من الشرطة صباح أمس.