انضم العام 2012 إلى غيره من الأعوام الحاسمة والمفصلية في تاريخ مصر المعاصر، إذ شهد أحداثاً جساماً ستسطِّر مستقبل البلد الذي شهد ثورة شعبية في مطلع العام 2011 رفعت شعارات «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، لكن أهدافها تعثرت بفعل صراع القوى السياسية وانحراف خريطة الطريق التي وضعها العسكر للتحول الديموقراطي. وكانت أبرز التغيرات على الساحة السياسية في مصر في العام الجاري: تواري العسكر بعد أكثر من 60 عاماً من السيطرة على مفاصل الدولة توالى خلالها على حكم البلاد قادة عسكريون، واستبدال الإسلاميين بالعسكر، بعدما فاز مرشح جماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي في انتخابات الرئاسة التي جرت جولة إعادتها في حزيران (يونيو) الماضي، متقدماً بفارق طفيف على آخر رئيس للوزراء في عهد النظام السابق الفريق أحمد شفيق، الذي نُظر إليه على أنه امتداد لحسني مبارك. وبعد ما يزيد على ثمانية عقود من نشأتها، تمكنت جماعة «الإخوان»، الفصيل الأبرز في قوى التيار الإسلامي، من اعتلاء سدة الحكم في مصر متجاوزة سنوات الحصار والتضييق، لتنال فرصة سانحة لطرح مشروعها الذي طالما مَنَّت الجماهير به، لكن الممارسة في الشهور الأولى من حكم الرئيس مرسي أظهرت أن الإسلاميين «صعدوا إلى الهاوية»، إذ تولى مرسي الحكم وسط احتقان سياسي واستقطاب على مستوى النخبة، بين الإسلاميين من جهة والقوى السياسية الليبرالية واليسارية والثورية التي باتت تعرف باسم القوى المدنية من جهة أخرى، كانا بدآ مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي رعاها المجلس العسكري في آذار (مارس) 2011، ونَمَوَا أثناء انتخابات البرلمان، وتفجرا مع محاولات التيار الإسلامي إقصاء معارضيه من عملية كتابة الدستور، حتى تحولا إلى احتقان شعبي تطور إلى اشتباكات وصدامات أهلية متكررة واسعة النطاق شهدتها مصر للمرة الأولى في تاريخها المعاصر، سقط فيها نحو 10 قتلى وجُرح المئات. واستهل الإسلاميون العام 2012 بفوز ساحق في انتخابات البرلمان الذي عقد أولى جلساته في 23 كانون الثاني (يناير) الماضي. ومنذ ذلك الحين أظهر الإسلاميون اعتماداً على حشد أنصارهم، ما زرع بذور الاحتقان الشعبي، بعدما تجمع آلاف الإسلاميين أمام مقر البرلمان لحماية نوابهم ومنع المعارضة من الوصول إلى مقر البرلمان للاحتجاج على استمرار حكم العسكر في ذلك الحين والمطالبة بنقل السلطة كاملة إلى البرلمان. وبدأت بوادر الصدام الأهلي خلال الاحتفال بالذكرى الأولى للثورة، إذ شهد ميدان التحرير للمرة الأولى اشتباكات وتراشقات بين الإسلاميين وشركائهم في الثورة من القوى الثورية. ووجد «البرلمان الإسلامي» نفسه في مواجهة اختبار سريع، فبعد أيام من انعقاده وقعت «مذبحة بورسعيد» التي قتل فيها 73 مشجعاً من روابط النادي الأهلي بعد مباراة لكرة القدم أمام فريق النادي المصري في محافظة بورسعيد ليتفجر الغضب الشعبي مجدداً. وسعى الإسلاميون إلى احتوائه كي لا تتطور الأمور فتحدث اضطرابات يفقدون على أثرها مكاسبهم السياسية في الانتخابات. واتهمت قوى ثورية البرلمان بأنه لم يكن على مستوى الحدث، إذ اكتفى بالتنديد والشجب، وأنه بعدما شرع في اتخاذ إجراءات توجيه الاتهام لوزير الداخلية في حينها اللواء محمد إبراهيم عاد وتراجع. وأخلفت جماعة «الإخوان» وعدها بعدم المنافسة في انتخابات الرئاسة التي جرت جولتها الأولى في أيار (مايو) الماضي والثانية في حزيران (يونيو)، وبررت ترشيح نائب المرشد خيرت الشاطر في الانتخابات بخشيتها «خطف فلول النظام السابق الحكم»، لكن اللجنة العليا للانتخابات استبعدت في 17 نيسان (أبريل) عشرة من المرشحين، بينهم الشاطر ونائب الرئيس السابق اللواء عمر سليمان والمرشح السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل لأسباب متباينة، ودفعت الجماعة سريعاً بمرسي لخوض الانتخابات، وكان قدره أن فاز بالمنصب متقدماً على غريمه شفيق ب51.7 في المئة بعد وعود للقوى الثورية بالمشاركة لم يتحقق أي منها. وكانت المحكمة الدستورية العليا استبقت جولة إعادة انتخابات الرئاسة التي جرت في 16 و17 حزيران (يونيو) الماضي بحكم أصدرته في 14 حزيران (يونيو) يقضي بحل البرلمان لمخالفة قانون الانتخابات الدستور، وهو الحكم الذي انتقده الإسلاميون ووضع بذور الخلاف بينهم وبين هيئة المحكمة. وفي أعقاب الحكم أصدر المجلس العسكري، الذي عادت إليه سلطة التشريع، إعلاناً دستورياً في 17 حزيران (يونيو) منح لنفسه بمقتضاه سلطات واسعة على حساب الرئيس المنتخب، ما أثار انتقادات واسعة في أوساط القوى الثورية. وفور إعلان فوز مرسي بالرئاسة في 24 حزيران (يونيو) بعد ثلاثة أيام من إرجاء إعلان النتائج، تفجرت أزمة جديدة مع المحكمة الدستورية، إذ واجه الرئيس الجديد معضلة أداء اليمين الدستورية، فهو لا يقبل حكم حل البرلمان وكان يرغب في أداء القسم أمامه، لكن الإعلان الدستوري الذي كان أقره المجلس العسكري فرض عليه أداء اليمين أمام قضاة المحكمة، الذين أصروا على حضور الرئيس إلى مقرها وعدم الانتقال خارجها، وهو ما رضخ له الرئيس أخيراً، لكنه أسر الواقعة في نفسه ليصدر قراراً بعد أيام من تسلمه السلطة في 30 حزيران (يونيو) بعودة البرلمان المنحل. وعقد البرلمان جلسة واحدة أقر خلالها قانون التشكيل الثاني للجمعية التأسيسية للدستور التي كان القضاء الإداري سبق أن قضى ببطلانها، وظهرت سيطرة الإسلاميين وحلفائهم عليها. لكن المحكمة الدستورية ومحكمة النقض أبطلتا قرار مرسي إعادة البرلمان لتزداد الهوة بين النظام الجديد والقضاء. وأوجد حادث رفح الذي وقع في مطلع آب (أغسطس) الماضي وقتل خلاله ملثمون 16 جندياً في الجيش واستولوا على مدرعتين اقتحموا الحدود مع إسرائيل بإحداهما، مبرراً لمرسي للإطاحة بقادة عسكريين، فأقال رئيس الاستخبارات اللواء مراد موافي وعين اللواء رأفت شحاتة بدلاً منه، كما أقال محافظ شمال سيناء. وأظهرت جنازة الجنود القتلى في الحادث صعوبة التعايش بين مرسي وقادة المجلس العسكري السابقين، إذ تجمع مئات من معارضي الرئيس قرب النصب التذكاري للجندي المجهول بعدما اعتدوا على رئيس الوزراء هشام قنديل في مسجد آل رشدان الذي شهد صلاة الجنازة، وتوعدوا مرسي بالاعتداء في حال حضوره، وأبلغ قادة الجيش والحرس الجمهوري الذين تولوا تأمين الجنازة الرئيس بعدم القدرة على تأمينه خلال الجنازة ونصحوه بعدم الحضور. وبدا رئيس المجلس العسكري وزير الدفاع السابق المشير حسين طنطاوي الرئيس الفعلي للبلاد في هذه الجنازة، إذ توسط رجال الدولة متقدماً مراسم التشييع، فيما توارى مرسي وقادة جماعته عن المشهد. وعزل مرسي قادة أمنيين على خلفية هذه الأحداث وبعدها بأيام فاجأ الجميع بعزل طنطاوي نفسه ونائبه الفريق سامي عنان وقادة الأسلحة الرئيسة في القوات المسلحة، وألغى الإعلان الدستوري الذي كبله طوال شهر ونصف من حكم البلاد. وقبل قادة الجيش القرارات بهدوء وخرجوا من السلطة من دون ضجيج. وخلف الفريق أول عبدالفتاح السيسي مُعلمه طنطاوي في مقعد وزير الدفاع، مدشناً مرحلة تواري العسكر عن صدارة مشهد السياسة بعدما ظل الجيش ممسكاً بتلابيب الأمور. وظلت الحياة السياسية في مصر تعاني ركوداً لتحسس توجهات النظام الجديد وسط مطالبات لمرسي بالوفاء بتعهداته إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور لتشمل مختلف أطياف التيارات السياسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية وعد بها، لكنه تجاهل كل هذه المطالب، وانصب التركيز على وعود المئة يوم الأولى بتحسين بعض الأمور المعيشية للمواطنين، لكن حكومة قنديل أخفقت في هذا الأمر أيضاً، وفق تقارير مراقبة أصدرتها مؤسسات المجتمع المدني، وأيضاً مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء. وتفجر الشارع مجدداً مع الحكم ببراءة كل المتهمين من أقطاب النظام السابق في قضية أحداث «موقعة الجمل»، التي هاجم خلالها بلطجية نظام الرئيس السابق حسني مبارك المتظاهرين في ميدان التحرير في 2 شباط (فبراير) 2011 على ظهور الجمال والخيول في محاولة لوأد الثورة. وأثار حكم البراءة غضب الثوار فخرجت احتجاجات شعبية أراد مرسي تهدئتها بإطاحة النائب العام السابق عبدالمجيد محمود، بالمخالفة لقانون السلطة القضائية، ما وضع العلاقة بين الحكم والقضاء أمام اختبار جديد تحدى فيه محمود الرئيس الجديد، فرفض القرار وأكد أنه باق في منصبه بقوة القانون. وأمام تفجر غضب القضاة اضطر مرسي إلى التراجع عن قراره وأعاد النائب العام إلى منصبه. ومع حلول الذكرى الأولى لأحداث محمد محمود التي قتل فيها نحو 40 شخصاً وأصيب أكثر من ألف في مصادمات بين الشرطة ومتظاهرين في الفترة من 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 وحتى 25 من الشهر نفسه، وقعت صدامات مشابهة في الشارع نفسه الشهر الماضي قُتل فيها شخصان، احتجاجا على عدم القصاص لشهداء الأحداث خصوصاً أن مرسي كان تعهد إعادة المحاكمات. وخرجت التظاهرات عن نطاق السيطرة، فما كان من مرسي إلا أن اصدر إعلاناً دستورياً بدا أن هدفه السيطرة على مفاصل الدولة وتحجيم القضاء لا إرضاء المتظاهرين، إذ خص مرسي الشهداء في إعلان 22 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بتعويضات كانت مقررة أصلاً، وكذلك نص على إعادة المحاكمات في حال ظهور أدلة جديدة، وهو ما يكفله القانون من دون الحاجة إلى إعلان دستوري. لكن وسط ما روّج على أنه سعي إلى القصاص، مرر الرئيس لنفسه سلطات استثنائية، إذ أطاح مجدداً بالنائب العام وعين طلعت عبدالله بدلاً منه، كما حصن قراراته السابقة واللاحقة ضد الطعن عليها أمام القضاء وحصن الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) ضد أي حكم يصدر من المحكمة الدستورية بحلهما، خصوصا أن المحكمة كانت تقترب من الحكم في قضية معروضة أمامها بعدم دستورية قانون تشكيل الجمعية. واعتبر قضاة الإعلان الدستوري «مذبحة جديدة للقضاء» وقرروا تعليق العمل في المحاكم وتعطيل التقاضي لإجبار الرئيس على سحب الإعلان الدستوري الجديد، وهو أراد أن يخفف من وطأة الاحتجاجات الشعبية التي حاصرت قصره بأن تعهد إسقاط الإعلان الدستوري فور إقرار الدستور الجديد، لكن القوى المدنية التي كانت انسحبت تباعاً من الجمعية التأسيسية رفضت هذا الطرح واعتبرت أن هدفه تمرير مشروع غير توافقي للدستور. وزادت الاحتجاجات الشعبية التي عمد الإسلاميون إلى مواجهتها بالحشد المقابل لإظهار أن هناك تأييداً لقرارات الرئيس. وأمام لعبة الحشد والحشد المضاد زاد الاحتقان الشعبي وبدأت الصدامات الأهلية في شوارع المحافظات بحرق مقرات جماعة «الإخوان» وحزبها «الحرية والعدالة». وكانت قوى المعارضة شكلت في أعقاب الانسحاب من الجمعية التأسيسية «جبهة الإنقاذ الوطني» التي قادت التحركات المناهضة للرئيس. وتعددت المليونيات في محاولة لإجباره على التراجع عن الإعلان الدستوري. واستقال معظم أعضاء الفريق الرئاسي من مستشارين ومساعدين احتجاجاً. وبدا أن النظام وجد في إقرار الدستور الجديد فرصة لإنهاء الأزمة، لكن في الواقع قضى هذا التحرك على أي أمل في حلها، إذ سارعت الجمعية التأسيسية إلى عقد جلسة في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي صوتت فيها على كل مواد مشروع الدستور الجديد في عجالة ومن دون التفات إلى انسحاب المعارضة والقوى المدنية والكنائس منها. وفي اليوم التالي سلم رئيس الجمعية حسام الغرياني مشروع الدستور للرئيس مرسي الذي سارع من جانبه بالدعوة إلى الاستفتاء عليه يومي 15 و22 الجاري، ما فتح باب الصراع على مصراعيه، فردت المعارضة على هذا التصعيد بالدعوة إلى تظاهرات حاشدة أمام قصر الاتحادية الرئاسي، وتمكنت بالفعل من حشد مئات الآلاف حاصروا القصر بعد انسحاب قوات الشرطة أمامهم. وبعد ليلة من التظاهر انصرف المتظاهرون وتركوا العشرات في اعتصام رمزي تعبيراً عن احتجاجهم على تجاهل مطالبهم. وبدا أن جماعة «الإخوان» لم تتعلم درس «موقعة الجمل»، فهاجم آلاف من أنصارها عشرات المعتصمين أمام القصر وطردوهم بعدما أوسعوهم ضرباً وعذبوا بعضهم واختطفوا آخرين، ما استفز القوى الثورية التي حشدت أنصارها وتوجهت إلى القصر وخاضت معارك عنيفة مع أعضاء «الإخوان» على أبوب القصر سقط فيها 8 قتلى ومئات المصابين، ما دفع قوات الحرس الجمهوري إلى إخلاء محيط القصر من الطرفين، لكن المعارضة أصرت على الاعتصام في مواجهة القصر، وهو الاعتصام الذي لا يزال مستمراً. وكان الإسلاميون حاصروا المحكمة الدستورية العليا لمنعها من النظر في دعوى حل الجمعية التأسيسية في جلسة كانت مقررة في الثاني من الشهر الجاري. وما زالوا يطوقونها خشية إصدار قرار بحل مجلس الشورى الذي عهد إليه الدستور الجديد بسلطة التشريع إلى حين انتخاب برلمان جديد. وأمام تأزم الموقف دعا مرسي إلى حوار غابت عنه المعارضة التي أصرت على إرجاء الاستفتاء ونزول الرئيس على عهده بعدم طرح الدستور على الاستفتاء إلا بعد التوافق عليه. وانتهى الحوار إلى إلغاء الإعلان الدستوري السابق مع الإبقاء على آثاره وأهمها إقالة النائب العام. وجرت جولتا الاستفتاء وسط شكوك في شأن الإشراف القضائي الكامل عليها، ما سبب تجاوزات ارتقت إلى حد التزوير، وفق منظمات حقوقية تابعت عملية الاقتراع. وبرر «الإخوان» تصرفاتهم بحديث متزايد عن «مؤامرة» تتورط فيها «جهات أمنية في البلاد والمعارضة وفلول النظام السابق لإسقاط الرئيس». وأخيرا باتت الحقيقة التي رسخها العام 2012، أن بداية «زمن الإخوان» شهدت صراعاً بين مؤسسات الدولة عبر عنه في شكل جلي الشد والجذب بين المحكمة الدستورية والرئاسة التي دأبت على انتقاد المحكمة وأيضاً حصار وكلاء النائب العام مكتب رئيسهم لإجباره على الاستقالة التي تراجع عنها ليضع عمل النيابة العامة في مهب الريح، فضلاً عن الاتهامات المتكررة التي كالتها الجماعة للمؤسسات الأمنية، وانتهاء بالإصرار على إقرار دستور قبله في المرحلة الأولى من الاستفتاء نصف المجتمع وقليل ورفضه النصف الآخر إلا قليلاً، حتى أنه بات يُعرف ب «دستور الانقسام». وكان العام الجاري شهد الحكم على مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي بالسجن المؤبد لدورهما في قتل متظاهري الثورة، لكن المحكمة قضت أيضاً في 2 حزيران (يونيو) الماضي بتبرئة مساعدي العادلي جميعاً في القضية ذاتها ما أثار استياء وسط أهالي الشهداء، لاستمرار تبرئة ضباط الشرطة المتهمين بقتل الثوار. ونقل مبارك في اليوم نفسه للمرة الأولى إلى مستشفى سجن طرة ليتوارى خلف أسوار محبسه بعدما قضى أكثر من عام ما بين المستشفى الدولي في شرم الشيخ والمركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة على أطراف القاهرة. وفي 19 تموز (يوليو) الماضي توفي نائب الرئيس رئيس جهاز الاستخبارات السابق اللواء عمر سليمان عن 76 عاماً، أثناء إجرائه فحوصاً طبية في أحد المستشفيات في الولاياتالمتحدة، لتدفن معه أسرار عقدين من الزمان ظل فيهما رجل النظام المؤتمن والذراع اليمنى لمبارك. أما على صعيد العلاقات الخارجية، فبدا أن النظام الجديد وثق علاقاته مع الإدارة الأميركية، خصوصاً بعد توسطه في اتفاق الهدنة الذي أنهى هجوماً إسرائيلياً على قطاع غزة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وظل مرسي على اتصال شبه يومي بالرئيس الأميركي باراك أوباما طوال أيام الأزمة حتى نجح في جمع فصائل غزة الرئيسة في القاهرة. وبعد محادثات أشرف عليها جهاز الاستخبارات توقف العدوان، وعقد اتفاق للهدنة ليعلن مرسي نفسه لاعباً رئيساً في القضية الفلسطينية بالنظر إلى العلاقات الخاصة بين «الإخوان» وحركة «حماس» التي ينظر إليها على أنها فرع الجماعة في فلسطين. في مقابل ذلك، ساءت علاقة مصر مع سورية، التي طالب مرسي رئيسها بشار الأسد بالرحيل وأكد دعمه الثورة ضده بكل الوسائل المتاحة. كما توترت العلاقات المصرية - الإماراتية على خلفية استضافة الإمارات عدداً من رموز النظام السابق على رأسهم الفريق أحمد شفيق، وأيضاً بسبب تصريحات متبادلة كان من شأنها صب مزيد من الزيت على النار. ويبقى أن الوضع الاقتصادي ازداد تدهوراً في العام 2012، خصوصاً مع إرجاء صندوق النقد الدولي اتفاقاً مع مصر يمنحها بموجبه قرضاً قيمته 4.8 بليون دولار اعتبرته الحكومة «ضرورياً» لسد عجز الموازنة الذي توقع وزير المال ممتاز السعيد أن يصل إلى ما بين 185 بليون جنيه و200 بليون، وذلك بسبب الأوضاع السياسية المضطربة، كما تهاوى الاحتياط من النقد الأجنبي في البنك المركزي ليلامس حد 15 بليون دولار بعدما كان ناهز 35 بليوناً قبل الثورة. وأمام هذه الأوضاع، فرضت الحكومة مزيداً من الضرائب ورفعت أسعار خدمات ضرورية مثل الغاز والكهرباء والوقود، للإيفاء بمطالب صندوق النقد من جهة وسد عجز الموازنة من جهة أخرى. وبالفعل اصدر الرئيس قانوناً بفرض ضرائب جديدة على قائمة طويلة من الخدمات والسلع، لكنه جمده بعد موجة من الاعتراضات وسط «معركة تمرير الدستور»، ويبدو أنه اختار تطبيق القرارات الاقتصادية الجديدة بعد إقرار الدستور، لتبدأ جولة جديدة من المواجهة عنوانها رفض التقشف.