يعاني النمو الاقتصادي في الجزائر التعثر، على رغم أن الاستثمار العام بلغ أكثر من ضعفي نظيره في الدول المجاورة مثل المغرب وتونس خلال السنوات الست الماضية. وبالمقارنة مع عيِّنة من الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، تظهر الجزائر بصفتها نموذجاً لافتاً، تجمع بين مستوى مرتفع من الإنفاق العام وبين نمو اقتصادي متواضع. وتُعزى هذه الوضعية إلى عاملين أساسيين: استشراء الفساد وضعف آليات تخطيط المشاريع العامة وتنفيذها. وتحفل وسائل الإعلام الجزائرية باتّهامات عن دفع شركات أجنبية رِشى ضخمة إلى شخصيات سياسية وموظفين من ذوي المراكز الرفيعة لضمان الحصول على العقود. وهذا ما حصل مع مشروع بناء الطريق السريع «شرق - غرب» الذي يربط بين شرق البلاد وغربها، وهو مشروع بكلفة 12 بليون دولار يمتد على مسافة 755 كيلومتراً. وكشف محققون نظام رشى وعمولات يشمل أجهزة أمنية في البلاد ومسؤولين بارزين في وزارة الأشغال العامة. وانفجرت فضيحة فساد أخرى في 2010 شملت شركة «سوناطراك» النفطية المملوكة للدولة. وأمر الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة «سوناطراك» بتجميد كل العقود التي وقّعتها بين كانون الأول (ديسمبر) 2009 وشباط (فبراير) 2010، بسبب الاشتباه بوجود احتيال وغش. وفي أيار (مايو) 2011، حكِم على الرئيس التنفيذي للشركة محمد مزيان بالسجن سنتين بسبب سوء استخدام الأموال العامة، إذ منح عقوداً إلى شركات في شكل مباشر وليس من خلال منافسة. وظهرت فضيحة تتعلق ب «سوناطراك» في شباط 2013، عندما حقِّق في إيطاليا مع باولو سكاروني، رئيس شركة «إيني» الإيطالية للنفط والغاز المملوكة للدولة، في شبهة تقديم رشوة ب265 مليون دولار للفوز بعقود مع «سوناطراك». والجزائر عضو في اتفاق الأممالمتحدة لمكافحة الفساد منذ 2004 على رغم مع بعض التحفّظات، واعتمدت قانوناً للوقاية من الفساد في 2006. وفي العام ذاته، أنشأت اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد. ومع ذلك، لم يعيّن الرئيس الجزائري أعضاء اللجنة السبعة حتى 2010، وهي لم تحقّق أية نتائج حتى الآن، فمعظم الالتزامات في مجال مكافحة الفساد بقيت فارغة ولم تتلقَّ الدعم الضروري من الدولة. وفي مؤشر الفساد لعام 2012 الصادر عن مؤسسة الشفافية الدولية، والذي يصنّف الدول على أساس مدى انتشار الفساد في القطاع العام، حلّت الجزائر في المرتبة 105 من بين 176 بلداً، وفي المرتبة 12 من بين 17 بلداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ووفق دراسة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي حول القدرة التنافسية العالمية، يتعرض النظام القضائي الجزائري إلى تأثير من مسؤولين وأفراد نافذين وشركات. وتصنّف الدراسة الجزائر في المرتبة 123 من أصل 144 دولة في مجال استقلال القضاء، ما يضعها وراء كل البلدان الأخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باستثناء لبنان. وسجلّ الجزائر سيئ عندما يتعلق الأمر بالشفافية في الموازنة العامة. ففي استطلاع «مبادرة الموازنة المفتوحة» لعام 2010، والذي يقوّم مقدار منح الحكومات شعوبها حرية الوصول إلى المعلومات الخاصة بالموازنة، حصلت الجزائر على درجة من أصل 100، وكان متوسط الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 23 درجة. وينصّ الدستور الجزائري على أن يراقب البرلمان موازنة الحكومة، ومع ذلك، سُنّت في العقود الثلاثة الأخيرة قوانين الموازنة من دون أن تخضع للتدقيق البرلماني. وعندما يخفق البرلمان في اعتماد الموازنة خلال الأيام ال75 التي يفرضها الدستور، يمكن الرئيس إصدارها بمرسوم. ويعتبَر مجلس المحاسبة الجزائري هو المسؤول عن تدقيق موازنة الحكومة والحسابات المالية للشركات المملوكة للدولة وتقديم تقرير سنوي إلى رئيس الجمهورية. ومع ذلك، نادراً ما تكتمل عملية التدقيق في الواقع، ونادراً ما تُنشر تقارير المراجعة. ولا يفتش المجلس سجلات الضرائب الخاصة بالنفط والغاز، كما أن «سوناطراك» لا تنشر التقارير المالية المدقّقة. وصنّف «مؤشر مراقبة الإيرادات»، الذي يقوّم شفافية العائدات في41 من البلدان الغنية بالموارد، الجزائر في المرتبة 38 في تقريره لعام 2011، ما يضعها خلف كل دول النفط الغنية الأخرى في المنطقة. ويعود ضعف النمو الاقتصادي للجزائر أيضاً إلى طبيعة الإطار المؤسساتي لتوجيه الاستثمار، إذ لا تخضع مشاريع كثيرة إلى أية دراسات جدوى للكلفة والعائد، تربط بين مختلف المشاريع لبلوغ أهداف الاستراتيجية في المدى المتوسط والطويل. وتتداخل عادة المسؤولية عن مشروع ما بين هيئات وأطراف متعدّدة في 25 لجنة وزارية و48 لجنة بلدية، يعاني كثير منها مشاكل مؤسّسية وإدارية. وفي معظم الوقت، يستمر تنفيذ المشاريع لفترة أطول من المقرّر، وتُترك مشاريع كثيرة من دون أن تكتمل، في حين يتعذر استغلال مشاريع أخرى بفعل نقص الموارد لتغطية تكاليف الصيانة. وفي كثير من الأحيان، تتجاوز تكاليف المشاريع المعايير المعقولة المتعارف عليها دولياً. وثمّة مثال شديد الوضوح عن أوجه القصور هذه يتمثّل في أن الموازنة البالغة 286 بليون دولار التي اعتمدتها الحكومة للاستثمار العام خلال الخطة الخمسية الحالية، رصدت مبلغ 130 بليون دولار جانباً لتغطية التكاليف الإضافية لإنجاز المشاريع التي لم تكتمل والتي أطلقت في إطار الخطة الخمسية السابقة. بعدما كان الفساد سبباً رئيساً في اندلاع الانتفاضات العربية، ينبغي للسلطات الجزائرية الإسراع في تنفيذ الإصلاحات من قبيل إعادة النظر في النظام القضائي والإداري لإنفاذ العقود التجارية بهدف جعله فاعلاً وفي مأمن من التدخّلات السياسية. وتحتاج إلى تفعيل أنظمة رقابية تضمن وجود مقدار أكبر من الشفافية في الحسابات العامة وإدارة مالية قائمة على النتائج. فالفشل في استخدام الموارد المتاحة للقيام بالإصلاحات الضرورية يعرّض الجزائر لأخطار جسيمة. باحث في «مركز كارنيغي للشرق الأوسط» - بيروت