نشبت مواجهات عنيفة في اليومين الماضيين بين محتجين مناهضين لقوائم السكن في ولاية ورقلة في جنوب شرقي الجزائر والتي تعرف اضطرابات منذ أسابيع، وبين قوات مكافحة الشغب. لكن المواجهات أخذت طابعاً عنيفاً بعدما أضرم محتجون النيران في بعض المقرات الرسمية وبنوك ومؤسسات احتجاجاً على ما وصفوه ب «فساد» في عملية توزيع المساكن الشعبية المدعمة التي تقدمها الدولة لمحدودي الدخل. وتجددت المواجهات أمس، لليوم الثاني على التوالي، بين محتجين وقوات متأهبة لمكافحة الشغب في ورقلة عاصمة النفط التي تعرف أصلاً توتراً كبيراً على خلفية احتجاجات على انعدام فرص العمل للشبان المحليين. وقام محتجون يتهمون اللجنة المختصة في توزيع المساكن بعدم الشفافية بتخريب مقر بنك «التوفير والاحتياط» الذي يقوم بتوفير الأموال اللازمة لمحدودي الدخل، ومقر مؤسسة «موبيليس» الحكومية. وعلى رغم إعلان والي الولاية تجميد قائمة السكن، إلا أن مواجهات محدودة تجددت أمس. واستدعت مصالح مكافحة الشغب احتياطياً إضافياً من الجنود بعدما خلّفت المواجهات إصابات في صفوف المحتجين. وقال شهود إن قوات الأمن فرضت أمس طوقاً أمنياً على المقرات الرسمية ومنها مبنى البلدية والمحكمة والبنوك والمؤسسات العمومية المهمة في خطوة لتفادي تزايد عمليات التخريب، كما طوّقت المساجد في مدينة ورقلة خشية خروج مسيرات جديدة عقب صلاة الجمعة. وكانت المواجهات قد تجددت ليلة الخميس - الجمعة بين شباب من سكان ورقلة وعناصر مكافحة الشغب في شوارع المدينة استعملت فيها الغازات المسيلة للدموع. واستمر الاحتكاك المباشر إلى ساعة متقدمة ليلاً، بينما ارتفع عدد المصابين في صفوف الشرطة إلى 27 أحدهم في حال خطيرة. ولم يُعرف في شكل دقيق عدد المصابين في صفوف المحتجين. ومنذ سنوات تشهد الولاية التي تضم على ترابها المنطقة البترولية الشهيرة «حاسي مسعود»، ما يصفه شباب عاطل عن العمل ب «غياب الشفافية في توزيع مناصب العمل». ويتهم سكان من المنطقة الإدارات المحلية والشركات الجزائرية والأجنبية بجلب يد عاملة من شمال البلاد، والتعاطي ب «محاباة» مع فرص العمل المتوافرة في المنطقة. ووعدت الحكومة قبل ثلاث سنوات بمجابهة صارمة لمشكلة التشغيل في ولايات الجنوب، ودرج وزير العمل على زيارة ورقلة دورياً للتعاطي مع الإشكالية، لكن احتجاجات سكان المنطقة لم تتوقف بفعل ما يقولون إنه «عدم فاعلية» ما قامت به الحكومة حتى الآن لإيجاد فرص تشغيل للجنوبيين. وتتحسس السلطات إزاء أي احتجاجات في الجنوبالجزائري حيث يتمركز النفط والغاز المصدر الأساسي الذي يكاد أن يكون الأوحد لمداخيل البلاد من العملة الصعبة. وتقول مصادر حكومية إن السلطات تجد صعوبة في مكافحة «لوبيات تشغيل» التي باتت تتحكم منذ سنوات بمناصب الشغل المتوافرة في أحواض حاسي مسعود البترولية والشركات الأجنبية العاملة هناك. وخلال الشهور الأخيرة الماضية جدد عشرات من الشباب طالبي الشغل في ورقلة اعتصاماتهم أمام مدخل مقر ولاية. وجاءت هذه الحركة الاحتجاجية التي رفعت خلالها شعارات «ولاية غنية وشبابها بطّال» لتزيد من حدة الضغط الذي بات يتحمله المسؤولون المحليون وأولهم الوالي بسبب حال التوتر التي ظلت تطبع ملف التشغيل في هذه الولاية. وتتهيأ وزارة العمل والتشغيل لإرسال فرق تحقيق إلى كبرى الشركات العاملة في مجال قطاع المحروقات في الجنوبالجزائري، في مهمة محددة تتعلق بعقود العمل المشتبه في أنها مزوّرة والمفترض أنها ممنوحة من قبل مديريات التشغيل، وتحديد مدى التزام تلك الشركات بارتباطاتها الضريبية عن تلك العقود. وقالت مصادر ل «الحياة» إن وزارة العمل والتشغيل تريد أن تثبت أنها غير مسؤولة عن أي خلل في عملية التشغيل في الجنوب.