أفاد الوزير الأول الجزائري عبدالمالك سلال، أن رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة لم يفصل بعد إن كان تعديل الدستور المقرر في الشهور المقبلة سيمر عبر البرلمان فقط أم عبر استفتاء شعبي، على رغم أن بوتفليقة وضع أمام لجنة مختصة نُصّبت أمس، مسوّدةً تحمل اقتراحات مبدئية في شأن التعديل المتوقع. ويكون رئيس الجمهورية بذلك قد أفرج عن آخر ورشة في الإصلاحات السياسية التي ستشمل تعديلاً عميقاً لدستور البلاد. ونصّب سلال أمس لجنة الخبراء المكلفة إعداد مشروع تمهيدي للقانون المتضمن التعديل الدستوري، عملاً بتكليف من الرئيس بوتفليقة صدر مساء أول من أمس وعيّن من خلاله أعضاء اللجنة وطلب منهم تسليم نتائج أشغالها «في اقرب الآجال». ومهّد بيان لرئاسة الجمهورية بالقول إن المقترحات الواردة من الرئيس شخصياً في المسوّدة المبدئية هي نتاج استشارة سياسية جرت قبل عامين ضمن ما سُمّي «هيئة المشاورات السياسية». وتابع البيان «أن الإصلاحات السياسية التي بادرها رئيس الجمهورية بهدف تعزيز أسس الديموقراطية التشاركية في بلادنا وتقوية ركائز دولة القانون ودعم حقوق المواطن وحرياته، جاءت ثمرة استشارات سياسية واسعة حول هذه الإصلاحات في جوانبها التشريعية والدستورية على حد سواء». وأضافت الرئاسة تقول: «إن الاقتراحات المقدمة من مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين الذين شاركوا في هذه الاستشارات السياسية التي جرت على مرحلتين وأشرف عليها تباعاً رئيس مجلس الأمة والوزير الأول، كانت في جانبها المتعلق بالمواضيع الدستورية محل دراسة شاملة وعمل تلخيصي من طرف مجموعة عمل مؤهلة أنشئت لهذا الغرض». وأعلنت أن «مجموعة العمل قد ضمّنت عملها، الذي أنهته مؤخراً، وثيقة أولية عُرضت على رئيس الجمهورية للنظر والتقدير». وعيّن بوتفليقة رجل القانون عزوز كردون رئيساً للجنة، وهو أستاذ مختص في القانون الدولي بجامعة قسنطينة (450 كلم شرق العاصمة)، ولم يسبق أن تعاطى الإعلام اسمه، كون الترشيحات ذهبت إلى بوعلام بسايح لرئاسة اللجنة. وعيّن بوتفليقة أيضاً كلاً من فوزية بن باديس وبوزيد لزهري وغوتي مكامشة وعبدالرزاق زوينة أعضاء في اللجنة. وخاطب عبدالمالك سلال أعضاء اللجنة أمس قائلاً إن المطلوب منهم «درس الاقتراحات المتضمنة الوثيقة الأولية وإبداء وجهة نظر في محتواها الهام»، و «اقتراح كل ما تراه وجيهاً (اللجنة) وذلك عند الاقتضاء بغرض إثراء الوثيقة»، و «إعداد مشروع تمهيدي للقانون المتضمن التعديل الدستوري وإدراج أحكام انتقالية عندما يتطلب ذلك تطبيق مادة من المواد». لكن الوزير الأول لمح إلى عدم وجود صيغة جاهزة لدى رئيس الدولة لإنجاز التعديل الدستوري، بمعنى أن الفصل في تمرير الدستور الجديد عبر البرلمان أم الاستفتاء سيكون وفق نتائج عمل لجنة القانونيين. وقال سلال: «بعد ذلك يتم عرض نتائج أعمالكم على رئيس الجمهورية للنظر والتقدير، وبعد تأكده من مراعاة الفاعلين السياسيين وعدم تعارض المشروع التمهيدي مع القيم الأساسية لمجتمعنا فإنه سيقرر الصيغة النهائية لمشروع التعديل الدستوري، الذي سيخضع لإجراء التعديل المناسب المقرر في الدستور، وذلك وفق أهمية التعديلات المعتمدة وطبيعتها». وفتحت الرئاسة باب التعديل للجنة كاملاً، عدا ما يُعرف ب «المواد الصماء». وقال سلال في هذا الشأن: «لم يتم وضع أي حد مسبق لمشروع التعديل الدستوري باستثناء الحدود المتعلقة بالثوابت الوطنية والقيم والمبادئ المؤسسة للمجتمع الجزائري». ويتوقع أن يلجأ بوتفليقة إلى استفتاء شعبي وليس فقط إلى البرلمان، لأنه سيكون ملزماً بإجراء تعديل دستوري «عميق» كان قد وعد به في العام 2008 عندما قرر تعديلاً على خمس مواد فقط عُرضت على البرلمان ومكّنته من الترشح لولاية رئاسية ثالثة. لكن خيار الاستفتاء يجعل الرئيس مطالباً عُرفاً بالنزول إلى ولايات الوطن للترويج للتعديلات. ويقترح بوتفليقة في «المسودة المبدئية» نظاماً رئاسياً مع تعيين الوزير الأول من الغالبية البرلمانية، وتوزيع الصلاحيات بين الرئيس والوزير الأول، في وقت تطالب المعارضة بنظام برلماني تُقلّص فيه صلاحيات رئيس الدولة. وورشة تعديل الدستور تأتي بعد إجراء تعديلات على ستة قوانين سياسية في العامين الماضيين، هي قوانين الانتخابات، والأحزاب، والإعلام والجمعيات، ومشاركة المرأة في الحياة السياسية، و «تنافي» العهدة البرلمانية (منع الجمع بين الوزارة والنيابة).