أكد الشاعر والكاتب عضو مجلس إدارة نادي أبها الأدبي أحمد التيهاني اتخاذ بعض الأندية من إمارات المناطق مرجعية لها بخصوص إجازة برامجها الثقافية خطأً فادحاً، معتبره نوعاً من التخلي عن كون الأندية الأدبية مؤسسات مجتمع مدني ذات شخصية اعتبارية. وأوضح أن السبب في استمرار أزمة نادي أبها الأدبي يعود إلى «خلع» الشاعر محمد زايد الألمعي من رئاسة النادي قبل أعوام، ما جعل أدباء أبها ينقسمون على بعضهم البعض. وأوضح أن خروج الألمعي من النادي مثل نقطة البدء للكثير من المشكلات. وقال التيهاني في حوار مع «الحياة» إن التغلب على الوصاية الفكرية يحتاج إلى استراتيجية وطنية ذات خط زمني محدد، وتحتاج أيضاً إلى استبعاد أساليب الاستعداء التي تمارسها بعض الفئات، إلى تفاصيل الحوار: يتقدم أحمد التيهاني، شاعراً وكاتباً، كواحد من أبرز الأسماء في منطقة الجنوب والمملكة عموماً، ما يدفعنا إلى السؤال، هل من السهل اختراق الإقليم وضيق حدوده إلى شساعة الوطن؟ - وهل نحن إلا شعراء وطن؟! ربما يكون اهتمامي البحثي والكتابي بالأدب في منطقة عسير كرّس هذه الفكرة، بينما الواقع أن أي شاعر أو أديب سعودي في أي إقليم معروف على مستوى الوطن كله، والصعوبة تكمن في الانتشار خارج الحدود، وليس خارج «حدود» الإقليم، إن جاز لنا استخدام لفظة «حدود» هنا. أين أنت من الشعر اليوم بعد أن دخلت بلاط صاحبة الجلالة؟ - لي مع العمل الصحافي تاريخ طويل، وهو في كل مرة يأخذ مني القصيدة، ويأخذني منها، بيد أن الحال الشعورية الأقوى تكون - دائماً - أقوى من الانشغال اليومي بالصحافة ومشكلاتها وهمومها وهواجسها التي لا تترك الإنسان لذاته مهما حاول. هل برأيك هناك شعر قروي وآخر مدنيي بحسب تقسيمات بعض النقاد؟ - نعم، شئنا أم أبينا، هذا التقسيم موجود في النصوص ذاتها، ولم يبتدعه النقاد، فالمكان ركنٌ أساسٌ في النَّصِّ الشِّعري، ذلك أن المكانَ مرتبطٌ بالذات، والشعر تعبيرٌ عنها، فلا يتوقف حضور المكان حسياً، ولا ينفكُّ يظهر شعرياً، حتى إنَّه من غير الممكن فهمُ النَّصِّ وتحليلُه من دون الرُّجوع إلى المكان، بوصفه أحدَ عناصر العلاقات النَّصِّية، وهي: الزّمن، والشَّخصيَّة، والرؤية، إذ لا يمكن إدراك الزّمن أو الشَّخصيَّة أو الرؤية إلا من خلال المكان، وذلك وفق علاقةٍ جدليَّةٍ معلومةٍ بين هذه العناصر. وليست تخفى العلاقة بين الشعر والمسكن، وهو جزء مهم من المكان، حتى إنهم يسمّون به البيت من الشعر، وبمثل هذا، تتضح العلاقة بين البيت بوصفه مكاناً، والشعر عند العرب، وهي علاقة بين الإنسان، وكونه الأول، كما يقرر باشلار، حين يقول: «البيت هو ركننا في العالم، إنه كما قيل مراراً، كوننا الأول، كون حقيقي بكل ما للكلمة من معنى»، ويوازي هذا كون علاقة المكان بالشعر عند العرب نابعة من وجدان العربي الذي جعل الشعر موازياً للمكان البيت، ويضاف إليه أنّ العربي قد جعل من الشعر معْلماً، يعوّض فقر المعالم الحقيقية في البيئة، فاللغة عنده معلم أكثر حضوراً من المعالم المحسوسة، وهو الواضح في لغة الشعر البدوي. مؤتمر الأدباء ما يزال يلقى الانتقاد من وقت إلى آخر، وأنت أحد الذين كتبوا عنه، كتبت أيضاً عن توزيع الدعوات من دون معايير واضحة، وكأنها هبات للموالين، والحرمان منها عقاب على المشاغبة، ما الذي تقترحه بالنسبة إلى مؤتمر الأدباء، وإلى متى يبقى التعامل مع الدعوات بهذا الشكل؟ اقترحت وجود قاعدة بيانات بأسماء الأدباء ونتاجهم واهتماماتهم، تكون موجودة لدى الوزارة، لتوزع - بناء عليها - الدعوات، اعتماداً على فاعلية الأسماء، ومدى قدرتها على الإثراء، لأننا أمام «مؤتمر»، ولسنا أمام «وليمة»، ندعو إليها «الجفلى»، وما زلت أرى أن هذه الآلية أسلم من غيرها. نادي أبها الأدبي منذ تم خلع الشاعر محمد زايد الألمعي عن كرسي الرئاسة، وهو يعيش في خضم الخلاف والانقسامات، ترى ما مشكلة نادي أبها تحديداً؟ - المشكلة كانت في «خلع» محمد زايد الألمعي، ما جعل أدباء أبها ينقسمون على أدباء أبها. كان عملاً غير قانوني، ومستعجلاً، وغير أخلاقي في الوقت نفسه، فضلاً عن أنه كان من دون لائحة، ومن دون أهداف غير الأهداف الشخصية، وكان قبل أن يستكمل محمد زايد الألمعي أياً من مشاريعه. تلك كانت نقطة البدء للكثير من المشكلات. وسيذكر التاريخ فاعليها، لينسب إليهم «فعلتهم». ولعلها المشكلات إلى زوال بعد أن تعلم العقلاء من تلك السابقة الخطرة الكثير. هل من حلّ قريب؟ - المجلس الحالي متماسك، ويبذل جهوده، وليست هناك أي خلافات داخل المجلس، وهذا هو المهم. يوجد اليوم بحسب المثقفين، رؤساء كثر يحتاجون إلى أن يتركوا كرسي الرئاسة في عدد من الأندية، لكن لا يوجد قرار حاسم، ولائحة الأندية ما تزال ضعيفة، ما تعليقك؟ - الانتخابات كفيلة بالإزاحة بعد انقضاء المدة. أما اللائحة، فمشكلتها في عدم وضوح المعايير الخاصة بأعضاء الجمعية العمومية، ما جعل بعض المجالس السابقة تضم إليها من ليست له بالأدب علاقة معلومة. يجب أن تكون المعايير واضحة، وأن تبقى الأندية الأدبية للأدباء. يتهم المثقف - تحديداً - بترسيخ التصنيفات الفكرية، التي يشتكي هو أصلاً منها، كيف ترى إشكالية المثقف في المملكة؟ - للمصنفين أهداف كثيرة، بعضها سياسي حركي، وهو الغالب، وبعضها ناجم عن قلة الوعي، والتبعية في الرؤى، والمثقفون مصنفون كذلك، بيد أن أنهم يصنفون الآخرين بحسب انتماءاتهم المعلنة، وليس بهدف التأليب والاستعداء، والفرق كبير بين الفئتين. هناك من يرى اليوم أن مصطلح الليبرالية حل بديل عن مصطلح الحداثة الذي شاع في الثمانينات، وكلا المصطلحين يطرحان بعض الآراء، إن استعمالهما يأتي من باب إضفاء وجاهة أخرى على من يدعيهما، ما تقول؟ - وأيّان هي الليبرالية التي يقولون؟ وأين هو الليبرالي؟ إنها مجرد لفظة استهلاكية للتأليب والتشويه أو للتعالي والادعاء. شغلت المسؤولية الإدارية في نادي أبها الأدبي، هل فعلاً المثقفين لا يجيدون الإدارة، وما رأيك في جائزة أفضل ناد ٍعلى صعيد الإدارة التي كان الدكتور ناصر الحجيلان اقترح تأسيسها في ملتقى رؤساء الأندية في الطائف قبل مدة؟ - مقولة: «المثقفون لا يجيدون الإدارة»، مقولة عائمة، ليس لها سند من الحقيقة، فكل الذين يديرون الثقافة ومؤسساتها مثقفون، فهل فشل هؤلاء؟ وهي مقولة يستخدمها أنصافهم طمعاً في الأماكن فحسب، لأن إدارة الثقافة لا تحتاج قدرات إدارية هائلة، بقدر حاجتها إلى الوعي والأخلاقيات، ولا أظنّ أن رئيس بلدية ناجح في عمله - ولا علاقة له بالثقافة - يصلح لإدارة مؤسسة ثقافية. أما جائزة أفضل نادٍ فلا بأس بها لإذكاء التنافس، وقد كانت موجودة في الثمانينات الميلادية، وحصل عليها نادي أبها الأدبي سنوات متتالية، لكنها توقفت لأسباب لا أعلمها، وإن كنت أستطيع أن أتوقعها. ما رأيك في البرامج الثقافية في التلفزيون السعودي، انطلاقاً من كونك مذيعاً أيضاً، وما الذي ينقص التلفزيون السعودي ليكون لديه برامج، وليس برنامجاً واحداً؟ - ما زالت البرامج الثقافية دون المأمول من حيث التأثير، والحق أن ضعف البرامج الثقافية مقارنة ببرامج جادة مثل الإخبارية والسياسية، له علاقة وثيقة بكيفية تقديم هذه البرامج والقوالب الباردة التي يستهلكها المشاهد من خلالها، ولأن البرامج الثقافية هي الأهم في كل ما نستقبله تلفزيونياً، على أساس أنها تمثل الثمرة التي تقابل ساعات الترفيه الطويلة، فإنها تستحق نظرة عطف من القائمين على المحطات التلفزيونية وعلى رأسهم التلفزيون السعودي، ونظرة العطف هذه تشمل أشياء كثيرة كتوقيت العرض، والسماع بجلب الرعاة والداعمين من دون قيود، من أجل استضافة الأسماء المميزة من مختلف المناطق والبلدان، فضلاً عن مكافأة فرق العمل. وبعد تجاوز هذا كله، يمكننا محاكمة هذه البرامج والقائمين عليها. حاضرت قبل أيام في ورقة لك قدمتها في نجران من نشر الأفكار الحزبية والوصاية الفكرية في أوساط الطلاب والطالبات، كيف يمكن التغلب على مثل هذه الأفكار والوصاية، طالما السواد الأعظم من المجتمع متورط فيها؟ - التغلب عليها يحتاج إلى استراتيجية وطنية ذات خط زمني محدد، وتحتاج أيضاً إلى استبعاد أساليب الاستعداء التي تمارسها بعض الفئات، وقبل هذا كله، القضاء على العمل السياسي في المؤسسات التربوية، وأقصد الإسلام السياسي الذي بات سبباً مهماً في الكثير من هذه المشكلات، بل بات سبباً في الظلم والمصادرة والتهميش، ومعه أيضاً التخلص من أفكار تجاوزتها المرحلة سياسياً وتاريخياً مثل اتهام بعض المناطق في دين أهلها في فترات تاريخية معينة، ما يزيد في الاحتقان، ويشتت الفكرة الوطنية، والأهم من هذا وذاك، أن تكون القيادات التربوية قيادات تربوية خالصة، ذات هم وطني خالص، لا تخضع لأي ضغوط حزبية أو مذهبية. ما رأيك في اتخاذ بعض الأندية الأدبية، إمارات المناطق مرجعية لهم، يأخذون موافقتها على كل نشاط يقيمونه، في حين، أن عدداً قليلاً من هذه الأندية لا تفعل ذلك؟ - أجزم أن هذا خطأ فادح، وفادح جداً، لأنه نوع من التخلي عن كون الأندية الأدبية مؤسسات مجتمع مدني ذات شخصية اعتبارية، تحصل على إعانة من الدولة، ولها أن تمارس الفعل الثقافي من دون أي شكل من أشكال البيروقراطية الإدارية، ومن دون أية تبعية لأية جهة حتى لوزارة الثقافة نفسها، ويمكن محاسبة مجالس إدارات الأندية من خلال جمعياتها العمومية بوصفها مؤسسات مجتمع مدني، وهنا أودّ التأكيد على أن ما قرأناه في الصحافة من مناداة بعض رؤساء الأندية الأدبية بتحويل الإعانة السنوية إلى موازنة - خلال اجتماع الرؤساء الأخير في الأحساء - جريمة في حق هذه المؤسسات، وعدم وعي بماهيتها ودورها، لأن الموازنات تقتضي بنوداً وطرائق صرف لا تتلاءم أبداً مع العمل الثقافي وديناميكيتة، فضلاً عن كونها تخلياً عن الاستقلالية.