بدت فعاليات نادي أبها الأدبي على مستويات متباينة خلال تاريخه الذي يمتد إلى أكثر من ثلاثة عقود، شهدت العديد من المناسبات الاستثنائية والتاريخية، كما استضاف الكثير من الشخصيات الأدبية والثقافية الهامة، على المستوى العربي والمحلي، بل حتى تلك الشخصيات المثيرة للجدل. إلا أن أدبي أبها، وغيره من الأندية والمؤسسات المعنية بالثقافة والفن، أخذت تتنازل شيئا فشيئا عن توهجها الأول، وحضورها القوي الذي بدأ ببداية أولى أنشطتها في المجتمع، مما دعا الكثير من مثقفي المنطقة إلى تذكر ما شهدوه في الماضي بناديهم الأدبي، وإلى انتقاد أوضاعه الحالية، من جهة الفعاليات واختيار الضيوف. بهذا الشأن، يؤكد الأستاذ بجامعة الملك خالد، عبدالرحمن المحسني: "أنه ليس لدينا من ناد أدبي في الوقت الحالي بأبها" وقال: "أعتقد أن الأندية الأدبية تجاوزتها المرحلة، وليس من الغريب أن تكرر نفسها في الفعاليات والأنشطة، لذا وجبت إعادة النظر في صلاحيتها للبقاء". وأضاف المحسني أن مشكلتنا "هي أننا لا نفكر ببعد نظر، وليس لدينا في وزارة الثقافة، تخطيط مبني على استراتيجيات تدرس واقع الأندية وتخطط لمستقبلها وهنا يكمن الخلل". أما الكاتب إبراهيم عسيري فيرى أنه لا يمكن مناقشة أزمة الحضور الثقافي في النادي الأدبي بأبها أو الأسماء التي تقدم المحاضرات أو الأمسيات بمعزل عن أزمة الأندية الأدبية في المملكة بشكل عام كمنشآت ثقافية كان يفترض أن تكون نواة لمؤسسات مدنية مجتمعية يمكنها أن تتفاعل مع قضايا المكان المحيط بها وتكون أداة للحث الثقافي والتنوير، واستنطاق الواقع، والغوص فيه كل مجتمع حسب ألوانه ونمطه الثقافي ونظرته للحياة والإبداع والمرأة. وقال عسيري: لأسباب يطول شرحها أضحت الأندية كإدارات حكومية تسري عليها البيروقراطية والرتابة والتكرار والبعد عن الهم الثقافي والتجديد والخلق، مؤكدا أن الفعل الثقافي هو بالضرورة متجدد وديناميكي ولا يقبل السكون والضمور والرتابة. وأضاف: لقد أصبح التباهي بكمّ المحاضرات المنبرية نهاية العام هو الهدف الأسمى لتلك المؤسسات، "دون قياس جدي للأثر الثقافي الذي أحدثته تلك المناشط، و"دون أن ينتاب إداريي تلك الأندية السؤال المقلق: ماذا بعد؟". ويرى إبراهيم عسيري أن الكثير من الأسماء الحاضرة منبريا في أدبي أبها، وفي غيره من الأندية، مازالت تقدم زادا ثقافيا ممجوجا ومُنْبتّاً عن تفاعلات المكان وتتكلم لغة لا يمكن تهجيها ولا التفاعل معها، في ذات الوقت الذي تستحوذ بعض الاجتماعات الدورية الخاصة، كالصالونات الثقافية والأدبية، على حضور ثري وفاعل وذي مستوى ثقافي عالٍ، وطرح قريب من المجتمع والمكان. وأما الحلول فلا يراها عسيري إلا "حلولاً جذرية تتعلق بالأندية الأدبية كمنشآت ومؤسسات يتوجب إعادة هيكلتها وآلية عملها وإرجاعها إلى مجتمعاتها بكل آمالهم وتفاعلاتهم وإبداعاتهم ونظرتهم العامة للكون والحياة والبقية ستأتي بعد ذلك!". من جهته، قال القاص والناقد علي فايع الألمعي: هناك أشياء جميلة لا أنساها في نادي أبها الأدبي، وأشياء أحرص على تجاهلها وعدم التفكير فيها برغم ألمها، ومن الأشياء التي لا أنساها ما كان يقدّم في النادي من برامج ثقافية أهمّها عندي "حوار من أجل الوطن" إبان رئاسة الأستاذ محمد بن عبدالله بن حميد، وأظنّه كان برنامجاً مقترحاً من الأديب محمد زايد الألمعي، فقد كان الحضور فيه كبيراً إلى درجة أنّ الكراسي في القاعة لم تكف الناس، حتى اضطر بعض الضيوف إلى الجلوس على الأرض. ويتابع الألمعي: ومن الأشياء التي أحرص كثيراً على تجاهلها بالنسيان وليس بالغياب حين يقدم النادي الأدبي على دعوة اسم يكون حضوره خيبة أمل، وطرحه منتقصا للثقافة وأهلها، أو مداخلات بعض الحاضرين الذين يُفسدون بعض اللقاءات بمداخلاتهم البعيدة كلّ البعد عن جوّ اللقاء ولعلّ مثل هذا الأمر يضعف من سمعة النادي، ويقلّل من نسب الحضور والمشاركة لدى كثير من المهتمين. وحول تجربته الشخصية مع ما قدمه النادي الأدبي في أبها، يقول الألمعي: كانت الأندية الأدبية تشكّل رافداً مهماً من روافد المعرفة، لذا كنت شديد الحرص على متابعة فعاليات نادي أبها الأدبي بالحضور تارة أو بقراءة ما ينشر في الصحف تارة أخرى إذا تعذّر حضوري. وأضاف: صحيح أنني كنت أبحث في تلك اللقاءات عمّا يثير، أو يشجع على طرح الأسئلة، وكنت أسعد كثيراً حين أجد أحد الضيوف اسماً كبيراً قرأت له أو اقتنيت نتاجه الأدبي والفكري..اليوم وفي ظلّ هذا الانفتاح المعرفي الكبير لم يعد الضيف هو من يدفعني إلى الحضور والمتابعة، أو حتّى السؤال والملاحقة، لكنني مؤمن في داخلي بواجب أكبر تجاه النادي الأدبي، ومن أجل هذا الواجب أنا أحضر وأتابع وأبدي رأيي بحسب المتاح. وحول مستوى الفعاليات والضيوف بأدبي أبها، قال الألمعي: لا شكّ أنّ لديّ رغبات كثيرة تجاه أسماء بعينها، أسعد بأن تكون متواجدة على منبر النادي، لكنني أدرك أنّ وجود بعضها لا يتاح لظروف مختلفة، قد لا يكون النادي سبباً في عدم وجودها، وقد يكون الاختيار العشوائي أو طغيان العلاقات أو خلق التوازنات سببا آخر في غياب أسماء لها وزنها المعرفي وثقلها الأدبي في الساحة المحليّة. وقال: لعلّ إتاحة الفرصة للشباب مطلب ملحّ إذا أراد أعضاء النادي لعملهم أن يستمرّ وأن يتابع. وأشار إلى أنّ هناك قيود كثيرة، ولكن أماني الشباب وطموحاتهم كبيرة والتوفيق بين القيود والطموحات مطلب يجب أن ينظر إليه نادي أبها الأدبي بشكل جدّي. وأكد علي الألمعي أن على مثقفي المنطقة والمهتمين بها من الشباب المساهمة في دفع هذا النادي بالحضور والمتابعة والنقد الصادق وتقديم المقترحات وزيارة مرافق النادي وخلق نوع من الشراكات الفعليّة بين النادي ومؤسسات المجتمع كالمدارس والجامعات.