لا نحسد على الوضع الفلسطيني الداخلي، ولا على التمزق الذي نعيشه من خلال الانقسام الجغرافي والسياسي. ولم نعد نصدق أن المصالحة الفلسطينية ستجد النور قريباً بعد هذا التسويف الذي يتكرر في كل مرة، كما لا يمكن أن نصدق أن الحل عبر المفاوضات آت. ولا نجد من يخبرنا من القيادة الفلسطينية إلى أين نحن ذاهبون. ما هي رؤيتكم وما هو مشروعكم السياسي الذي أدار الاحتلال له ظهره وتم الإقرار من الجميع بأن المفاوضات عبثية ومضيعة للوقت؟ إلى أين نحن ذاهبون؟ نذكّر بمرحلة الخروج من بيروت والتشتت في أنحاء المعمور، وما تم بعد ذلك وصولاً الى دخول العائدين إلى أرض الوطن وتكوين السلطة. وهنا نستطيع أن ندعي بأن ذلك لم يكن ممكناً من دون تحرك الشارع في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، في انتفاضته الأولى، عندما أقدم سائق شاحنة إسرائيلي على دهس مجموعة من العمال الفلسطينيين عام 1987. وبعد ذلك انتفاضة النفق عام 1996، نسبة إلى نفق حفر تحت ساحة الحرم القدسي والمسجد الأقصى. إضافة إلى النشاط الاستيطاني في منطقة جبل أبو غنيم. والمقصود بهذا القول إن الحل كان يأتي دائماً من الأرضي المحتلة، وكان الأهل في الوطن المحتل يعيدون فلسطين إلى كل المربعات وعلى كل الخرائط، بتحركهم وضغطهم على الاحتلال، خصوصاً عندما كانت تشتد الأزمات على القيادة الفلسطينية في الخارج. وبعد ذلك عشنا مرحلة الانتفاضة الثانية التي أتت بعد الشعور بالإحباط. وثبت أن الاحتلال يضحك على الذقون، فقد استمر في القتل والتهويد والإبعاد. وتوّج عدوانه بدخول شارون ساحات الحرم القدسي، ما استفز مشاعر الفلسطينيين واندلعت الانتفاضة المباركة وسميت انتفاضة الأقصى التي قادها ياسر عرفات بنفسه، وسمعناه في بث حي ومباشر عبر فضائية فلسطين عندما قال للفلسطيني المنتفض: نعم نرد على النار بالنار... حتى لو كان الرد متواضعاً. لم يترك الاحتلال سبباً صغيراً للعرب الفلسطينيين للرد على عدوانه وغطرسته إلا وأقدم على فعله. فماذا ننتظر في الضفة المحتلة ؟! وهل كان ياسر عرفات على خطأ عندما قدم كل سبل الدعم من أجل توفير الخيار الثاني. هناك من يدفع بعدم اندلاع الانتفاضة التي أصبحت كل مقومات وجودها مستوفية، وقيلت بصراحة وعلناً وعلى شاشات الفضائيات، وحتى عبر تلفزة الاحتلال الإسرائيلي، بأنه لن يسمح بقيام انتفاضة فلسطينية جديدة، رغم ما يقدم عليه الاحتلال ومن دون أن يقدم لنا البديل غير المفاوضات التي استمرت أكثر من 20 عاماً، كانت نتيجتها كما نرى جميعاً، فتارة يقال إن الانتفاضة من مصلحة إسرائيل ويتمناها أيضاً خصوم السلطة الوطنية، أي أن خصوم السلطة يتساوون مع الاحتلال الإسرائيلي ويقفون معهم في الخندق نفسه، ولا نعرف خصوماً للسلطة في رام الله أكثر من الخصم الفلسطيني لها. وليس بالضرورة أن تكون «حماس». فهناك خصوم للسلطة من أبناء «فتح» المخلصين وهم السواد الأعظم من أبناء هذه الحركة، وهم أكثر عقائدية من غيرهم عندما يتعلق الأمر بالتمسك بالثوابت والمبادئ والمنطلقات التي تخلت السلطة عنها ببساطة شديدة. نحن لا نفهم هذا الطرح أبداً، إلا أنه محاكمة للانتفاضات الفلسطينية بأثر رجعي، ومحاكمة لنهج المقاومة الذي قاده ياسر عرفات وأبو جهاد والشيخ ياسين وأبو علي مصطفى والشقاقي وكل قادة المقاومة. ولكن ما نفهمه أيضاً هو أن الاحتلال لا يفهم إلا لغة المقاومة والتصدي، فكيف يكون ذلك بالله عليكم إن لم يكن بتحرك شعبي عارم بكل الوسائل... اسمه انتفاضة أو هبة شعبية؟