دافع عفوياً وهو في المهد صبياً عن حق من حقوق الطفولة، وتمسك برأيه تجاهها وأصر دون تنازل عنها، رغم المحاولات التي بذلت بغية تراجعه عن قراره الذي اتخذه، والذي يتمحور حول الغذاء مقابل البقاء، إذ وضع أمام أبويه تحدياً وخيارين من النوع الصعب الذي لا ثالث لهما، إما مرافقتهما في رحلة العمر إلى البلد الأمين، أوالموت جوعاً ليخرج من المعركة منتصراً، بيد أن فصول كفاحه ومتعة الرحلة التي انضم إلى صفوف وفودها من ضيوف الرحمن لا يشعر بها ولن يتذكرها طيلة عمره الذي لم يتجاوز بعد خمسة أشهر. وقدم الطفل إبراهيم ذو الخمسة أشهر، الذي لم يبلغ مرحلة الإدراك بما يحيط حوله من دولة غانا إلى الديار المقدسة برفقة والديه، وانضم إلى صفوف الحجاج وتنقل بين البيت العتيق والمشاعر المقدسة، سعياً وطوافاً ووقوفاً ومبيتاً وغيرها من أركان وواجبات الحج، وعايش كافة المشاهد التي لن يدخل ذاكرته منها شيء لصغر سنه الذي شكل العامل الوحيد في إعاقة دخولها التدوين وستظل روايات شفهية مشبعة بطعم الانتصار يتلقاها من الآخرين. ويشير والده الحاج الغاني محمد ساو إلى أن طفله ذا الخمسة أشهر يتغذى على الحليب بحكم مرحلته العمرية، إذ إن عمره يعتبر في حساب الأيام 150 يوماً فقط، والمصدر الوحيد لهذا الغذاء ثديا والدته، لافتاً إلى أنه رفض الأنواع الأخرى من الحليب الصناعي التي تحتاج إلى فترة من التأهيل حتى يتقبلها، وهذا سيستغرق فترة طويلة، والوقت يحاصرنا فموسم الحج على الأبواب. ويضيف: «لم يكن لدينا توجه لاصطحابه في رحلة أرى أنها شاقة بيد أنه رفض حتى التزوّد بغذائه من النساء الأخريات اللاتي تهافتن على منزلي وتطوعن لتقديم المساعدة وإرضاعه حتى عودتنا من رحلة الحج، رغم أننا حاولنا خداعه بواسطة تقمص عدد من النساء لشخصية والدته، ولكن من دون جدوى، ما دفعنا إلى الرضوخ مكرهين والتجاوب مع مطالبه بعد أن فكرنا بعمق في الموضوع، ليقع الاختيار على جانب صعب، ولكنه يكفل له السلامة لا سيما أنه ابننا الوحيد».