ليس من السهل الوقوف على المشهد الأدبي السوري القائم على ارض الثورة. أولاً، عامان من عمر هذه الانتفاضة الكبيرة قد لا يكفيان لظهور أدب يمكن تسميته أدب الثورة، فهذا الأدب يحتاج إلى المزيد من الوقت حتى تتبلور صورته الجماعية. ثمّ إنّ ما يكتب هنا وهناك، من نصوص وشهادات ويوميات وقصائد، ينقصه إطار زمني ومكاني كي يلتئم ويتجلى بصفته إبداعاً نابعاً من صميم الثورة. الأدب الذي يكتب في المنفى السوري أو في الداخل، لا يزال بمعظمه وقفاً على الصحافة والمواقع الإلكترونية، ولم تتح له الفرصة ليصدر في كتب ويكتسب صورة شبه نهائية. وما خلا بضعة كتب أو دواوين تعدّ على الأصابع، فمن الواضح أنّ هذا النتاج ما برح مشتتاً أو مبعثراً، مما يجعل قراءته مجتزأة وغير مكتملة. لكنّ هذا التشتت لم يحل دون بروز الكثير من هذا النتاج، وبعض النصوص التي ظهرت في أكثر من محلّ هي بحق من أجمل ما يمكن أن يُقرأ في أدب الثورة. نصوص كثيرة قُرئت وتُقرأ بحال من المتعة ولو مصحوبةً بالألم والأسى. والأسماء في هذا الحقل غير قليلة ومنها - عذراً لخيانة الذاكرة -: سمر يزبك، خالد خليفة، فرج بيرقدار، أسامة محمد، هالة محمد، نوري الجراح، مهى حسن، روزا ياسين حسن، خليل صويلح، نزيه أبوعفش، هيفاء بيطار... إلاّ أنّ اللافت هو ازدهار الكتابة الفكرية والسياسية في الآونة الراهنة التي تحتل حيّزاً كبيراً في الصحافة العربية والمواقع. وهذا أمر طبيعي فالكتّاب الذين ينتمون بمعظمهم إلى طبقة المثقفين الملتزمين، يحتاجون إلى مراجعة ما يحصل ومقاربته فكرياً وسياسياً، والبحث عن أبعاد الحدث وخلفياته، وتحديد موقعهم منه وخوض القضايا المنبثقة عنه والتناقضات التي تكتنفه. وهذه الكتابة التي تختلف عن أدبيات الثورة تلقى رواجاً كبيراً لدى القراء على اختلاف مشاربهم، فهي تحمل في طيّاتها أجوبة أو شبه أجوبة عن الأسئلة المطروحة بإلحاح. لم يستطع الأدب أن يبقى على الحياد. حتى الكتّاب الذين هم في المنفى، الجديد أو القديم، شعروا أنهم غير قادرين على الصمت. فالصمت في مثل هذه اللحظات خيانة حقاً. والكتابة أياً تكن تظلّ أفضل من هذا الحياد القاتل. وإن كانت الكتابة من الداخل تختلف عن الكتابة في الخارج، سواء في صدقها وجرأتها ودنوّها من الخطر، فهذا لا يعني أنّ الكتابة في المنفى غير قمينة بإداء دور حقيقي وبالتزام قضية الثورة التي هي قضية شعبية وثقافية في آن. الكاتب هو الكاتب نفسه أكان هنا أو هناك، مثلما المواطن هو نفسه أكان مقيماً أو مهجّراً. وكذلك الألم والمعاناة والقهر والخوف والاضطهاد. ولعل بعض الأصوات التي ارتفعت، تدين فلاناً أو فلانة ب «تهمة» انتحال صفة الداخل انطلاقاً من الخارج، لم تكن مصيبة ولا محقّة. ومعروف أنّ سجالاً دار حول «أحقية» هذه الكتابة، ومَن المؤتمن عليها أكثر: كتّاب الداخل أم كتّاب المنفى؟ هذه قضية طرحت كثيراً ولم تؤت ثماراً. ويجب الاعتراف أنّ الكثير مما كتب عن الثورة في الخارج كان أهم من بعض ما يكتب في الداخل. وقد يكون من المعيب أصلاً التطرق إلى مثل هذه المسألة في خضم الثورة العظيمة التي تشهدها سورية على رغم مآزقها ومشكلاتها. لم يكتمل أدب الثورة، لكنّ ما صدر منه أو نشر يبشر بمرحلة أدبية جديدة، شعرياً وروائياً وقصصياً...أدب جديد لا ينقطع عن التجارب المضيئة السابقة لكنّه يبتعد منها ليحقق ثورته الفريدة، ثورة الحرية، ثورة الإنسان الحر، ثورة المواطن الذي حرمته سلطة البعث من مواطنته وإنسانيته وحريته. أدب مضرّج بالدم سينهض على أطلال وطن دمّره البعث جاعلاً منه بقعة أنقاض وخرائب.