«أشاهد فيلم إسماعيل ياسين في الطيران وأضحك ملء شدقي، بعدما شاهدت النطق بالحكم وبكيت ملء جفني»، كتب نجلاء على «فايسبوك». «مجزرة بورسعيد استُخدمت أسوأ استخدام. قلبت البلد على محافظة. قلبت الناس على الألتراس. إخوان وعسكر وداخلية خرجوا زي الشعرة من العجين»، دوّن ألفريد تغريدته. ثم تأتي تغريدة «إخوانية» يقول نصها: «ثقوا في الله عز وجل ولا تثقوا في قوتكم، وبذلك تصلون لحق إخوانكم الذين قتلوا. لا تستمعوا لغوغائية السياسيين الكاذبين». «ارتياح بين جماهير ألتراس أهلاوي وأهالي الشهداء بعد النطق بالحكم وهدوء في بورسعيد»، يؤكد التلفزيون الرسمي. «الله أكبر! الله أكبر! يحيا العدل! يحيا العدل!»، يهتف أحدهم بعدما سمع الحكم من مذياع المقهى. لكن آخر رد في المقهى نفسه: «بورسعيد ستشتعل مجدداً! يشترون رضا الألتراس بسلسلة إعدامات وأحكام مشددة!»، ليتدخل «القهوجي» ملخصاً ما دار في أذهان ملايين ممن احتفلوا أو ابتأسوا أو ضحكوا أو لطموا أو بسملوا أو حوقلوا أو حمدوا: «لا أفهم! يعني هل يفترض الآن أن نرقص فرحاً أم نبتئس حزناً؟». حال من الفرحة الغامرة المشوبة بغضبة صارمة تكللت بلبس واضح لا ريب فيه عمت أرجاء المحروسة أمس، فدراما الموقف فرضت نفسها فرضاً عاتياً على مدى الأيام الماضية وكانت أشبه بموسيقى أفلام الحركة التي تساهم في رفع نسبة الأدرينالين لدى المشاهد قبل تفجر الأحداث. وساهم في تهيئة أجواء الترقب المشوبة بالرعب عبارات مقتضبة عرفت طريقها إلى أسوار المدن وجدرانها وكل ما من شأنه أن يكتب عليه في الساعات القليلة السابقة على النطق بالحكم في قضية «مجزرة بورسعيد»، بينها «9/3 موعدنا مع القصاص»، «القصاص أو الدم»، «حقكم لن يضيع». «غرافيتي» المجزرة ودق طبول الإعلام بين مؤجج ومفجج للحظات النطق بالحكم اختلطت بتسييس قضية المجزرة، وهي التي وقعت في المقام الأول ضمن المرحلة الانتقالية - الانتقامية المشبعة تسييساً وصراعاً وبات المواطن العادي واقعاً تحت ضغط نفسي وعصبي حاد. لخص أحدهم حاله وحال الملايين غيره بقوله: «بعيداً من مأسوية المجزرة وما تعكسه من صراع على كعكة حكم مصر والتباس الحقائق وتفتت مؤسسات الدولة وضياع هيبتها، أهلتنا الأجواء لنشعر أن يوم 9 آذار (مارس) هو رمز لما آلت إليه أحوال مصر والمصريين». حال مصر أمس كان محافظة تعاقب بأكملها، وأخرى ينقسم اشتعالها بين الفرحة والغضبة، ونظام حكم في غيبوبة، وشرطة يتظاهر أفرادها اعتراضاً على «الأخونة»، ويعتصم بعضها حباً في اللحية، ويناجي مواطنون غير متأسلمين الله سراً أملاً في نزول الجيش، ويحذر مواطنون إسلاميون من جهود «بني ليبرال» لجر الجيش إلى معترك السياسة وإلا قلبوها جهاداً دموياً، وتنظيمات «ألتراس» يغازلها بعضهم باعتبارها تضم شباباً أطهاراً لا يقبلون الظلم ويرفضون ضياع حق أخوتهم الشهداء، ويسبهم آخرون لأنهم يعملون لمصلحة «الطرف الثالث» بهدف هدم الشرطة وإحلال ميليشيات مدنية بديلاً لها، ويراقبها آخرون باعتبارها مخترقة من قبل الجماعة أو مأجورة من جانب «الفلول» أو مجرد مجموعات شبابية مجرفة خرجت من مكامنها مستفيدة من غياب عمدي للقانون وإحلال مقصود له بقواعد الفوضى تمهيداً لدولة الخلافة. لكن الخلاف بين التهليل للحكم والتنديد به أو محاولة فهمه أو ادعاء هضمه لا يفسد للتغييب قضية ولا يعكر صفو الإلهاء لحظة، وهو ما لخصه «البوب» المغرد محمد البرادعي عبر تغريدة كعادته: «في انتظار حيثيات الحكم لنعرف العقل المدبر لمذبحة بورسعيد حتى نفهم حقيقة ما يدور في مصر، ونرجو أن لا يكون اللهو الخفي الذي يطاردنا منذ عامين». لكن مجريات الأمور ومؤشرات الأحداث تؤكد أن «اللهو الخفي» سيبقى ملازماً للمصريين بعض الوقت، فرغم الأعراض الجانبية ل «اللهو الخفي» من بعض القتل وقليل من سحل وقدر من فوضى وكثير من انفلات، إلا أنه يظل الطريق الأسهل والأسرع لتمكين بعضهم من أغراضه. فالغاية تبرر «اللهو الخفي»، وكله يهون في سبيل الأهداف الكبرى. كثيرون شعروا أمس بافتقاد الحاضر الغائب، والبعض علق: «لعل المانع خير»، وآخرون استبد بهم الشوق وتمكن منهم الاشتياق. «أين الرئيس؟ وأين رئيس الوزراء؟ وأين الحكومة؟»، أسئلة ترددت في أرجاء المحروسة بين مطالب بالضرب بيد من حديد على المخربين حماية للعجلة التي قاربت على الصدأ لأنها ترفض أن تدور، ومتساءل: «ألم تسقط شرعية الحكم بعد الانهيار المزري والفوضى العارمة؟»، ومستفسر مستمسك بتلابيب فك الطلاسم: «يعني أفرح أم أحزن لهذا الحكم؟». والإجابة هي: «ألتراس» يهتفون ضد الداخلية، والداخلية تهتف ضد وزير الداخلية، ووزير الداخلية يؤكد أنه لن يترك البلد للبلطجية، والبلطجية حائرون بين «ألتراس» و «الإخوان». و «الإخوان» يؤكدون أن غضبة كل من أهل بورسعيد و «ألتراس» غير مبررة، و «ألتراس» يهتفون ضد الداخلية.