في ذروة موجة صور ال «سيلفي»، يشقّ نوع آخر من صور الأفراد طريقه، بطرق لا تخلو من التعرّج الشديد. يحمل ذلك النوع من الصور الفردية إسم «دروني» Dronie! يأتي الإسم من مزج كلمتي «سيلفي» Selfie و«درون» Drone (طائرة من دون طيّار يمكن التحكّم فيها عن بُعد). نعم. لم يعد الأمر مقتصراً على ظهور كاميرا رقميّة تحملها مروحية لتدور في أروقة «معرض إلكترونيّات المستهلك» في «لاس فيغاس»، كما حدث قبل عامين. ولم يقتصر أمرها، منذ أن اندلعت شرارة موضتها في أميركا في السنة الجارية، على التقاط صور الأفراد بعين طائر يحلّق في السماء. وقبل أيام قليلة، حسم القضاء الأميركي (تحديداً «هيئة الطيران الفيدرالي») نقاشاً طويلاً في السماح بتصوير أفلام سينمائيّة باستخدام طائرات بلا طيّار مزوّدة كاميرا. وقوبل القرار القضائي بارتياح واسع في هوليوود، لأن استخدام ال«درون» في التصوير يفتح آفاقاً جديدة في ذلك الفن، إضافة إلى تبسيط عملية التصوير من الأعلى، وبارتفاعات متنوّعة تماماً. في زمن قريب من القرار الأميركي، أعلنت شركة «دي آتش آل» DHL الشهيرة، استخدام ال«درون» في توصيل سلع ضرورية وطارئة إلى الأفراد، على طريقة ال«ديلفري»، مشيرة إلى السماح لها بذلك الأمر في ألمانيا. لا بد من التنبيه إلى أن التصوير هو جزء أساسي من عملية ال«ديلفري» الطائرة، لأنها تمكن ال«درون» من التعرّف إلى العنوان الذي تقصده، مع الاستعانة أيضاً بنظام «جي بي أس» GPS أيضاً. الأرجح أن الكاميرا الرقمية المحمولة على طائرة، أصبحت المساحة المقبلة للتصوير في الحياة اليومية. ولا بد من الإشارة إلى أن ذلك الأمر ربما «تلكّأ» في الوصول إلى الدول العربيّة، لدواعي السياسة (وليس التخلّف علميّاً وتكنولوجيّاً)، هذه المرّة! صحيح أن طائرات ال»درون» لم تستخدم بكثافة في حرب التحالف الدولي ضد «داعش»، لكن من المرجح أن تشكّل مكوّناً أساسيّاً فيها، بالقياس الى سوابق أميركيّة في الحرب على تنظيم «القاعدة»، وكذلك الدور الذي أدّته في ليبيا والصومال ومالي وغيرها. ولذا، فالأرجح أن لا تصل ال«دروني» إلى عوالم العرب إلا بعد أن تحسم مسارات الحرب ضد «داعش». البداية: «فيمو» إنه زمن ما بعد الحداثة، وزمن ما بعد فضيحة سنودن وتجسس «وكالة الأمن القومي» الأميركية على العالم بأسره. بالأحرى إنّه زمن ينتظر فيه الأفراد حسم توازنات عسكرية عالميّة قبل أن يعرفوا ما هي الصورة التالية التي سيلتقطونها. ففي أميركا، ربط بعض المشغوفين بالتقنيّات الرقمية والطيران معاً، هواتف ذكيّة في طائرات صغيرة من نوع «درون» التي يمكن التحكّم في مسارها عبر موجات ال«واي- فاي» ( الموجات نفسها التي باتت تستخدم في المنازل والمطاعم والمقاهي للوصول إلى الانترنت)، كي يلتقطوا صوراً تعبّر عن عينهم في الفضاء. هناك من بادر إلى صنع موقع متخصّص لتجميع صور «دروني»، يحمل إسم «فيميو» Vimeo. وبدأ بالعمل قبل أيام قليلة. ولا تتردّد الأميركية آلكسندرا داو، وهي صاحبة موقع «فيميو»، في القول إنها هي نحتت مصطلح «دروني». وبمجرد أن انتشرت تلك الهواية، اندلع نقاش ضخم في أميركا، ينتظر يندفع إلى الأمام في العام المقبل، مع انتقاله إلى أروقة الكونغرس وردهات المحكمة العليا في واشنطن. ولأن ما يحدث في الثقافة الأميركية، خصوصاً تلك المتشابكة مع المعلوماتية والاتصالات، يتردّد صداه عالميّاً، بات أحد مسارات ثقافة الصورة المعاصرة، مرهوناً بنقاشات تبدأ بالحرية الشخصية وحقوقها والحق في الملكيّة وأمديته ولا تنتهي عند الحرب على الإرهاب ومصائر «القاعدة» وأخواتها. وهناك سابقة مهمة. فعندما انتشرت كاميرا الخليوي، ثار نقاش ضخم حول الحق في التقاط الصور في مكان عام. إذا كنت ماراً في الشارع، ربما تتشاجر مع حبيبتك أو تتحدث مع شخص عابر، هل يحق لكل من يحمل هاتفاً خليويّاً أن يلتقط صورة أو شريط عن تلك اللحظات الي يفترض أصلاً أنها جزء من حياتك الشخصيّة؟ سرعان ما تعقّد النقاش مع ميل الدول إلى نشر كاميرات في الشوارع، بالطبع بدعوى الحفاظ على الأمن وهو أمر وجد تبريره الأقوى في الإرهاب والحرب عليه، ما نسج خيطاً بين الحياة الشخصية للأفراد وبين «القاعدة» وأخواتها وتفرّعاتها والحروب عليها. في المقابل، بدا واضحاً أن مفهوم ما هو شخصي وحميم وذاتي، بات متغيّراً تحت تأثير التطور التقني، وهو أمر مهمة ملاحظته لأنه كثيراً ما يغيب عن النقاش. استطراداً، هناك تغيير ملموس في مفهوم العري الجسدي في الأزمنة الحاضرة. فبإرادة حرّة تماماً، يميل الشباب إلى نشر صور لأجسادهم في أوضاع إيروتيكية، بل أنهم ينشرونها على صفحاتهم الشخصية في الشبكات الاجتماعية. وفي السياق عينه، بات التعري في الأمكنة العامة يمارس بوصفه حقّاً، بالأحرى جزءاً من الحق في امتلاك الجسد. ولعل الممارسة «المتطرفة» لناشطات «فيمن» و«عاريات الصدور» هي جزء من صعود ذائقة ثقافية جديدة. الأرجح أنه من تلك الزاوية، يبدو ما تفعله «وكالة الأمن القومي» فائق الأذى على الأفراد، بل ربما بأشد من وقعه على الدول والمؤسسات، إذ تملك الأخيرة القدرة على مصارعة القوة الهائلة التي تمتلكها «وكالة الأمن القومي» وأدواتها في التجسس الإلكتروني الشامل. تدل مسألة التجسس على هاتف المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على ذلك الأمر.