في الماضي، كانت الاعترافات الليلية تنطلق من الإذاعات، وتتضمن شكاوى الإنسان في ما يمسه شخصياً مثل «همسات القلوب» و«اعترفوا لي» وبرامج انتشرت على أثير الإذاعات المصرية تحمل أنات مستمعين عاشوا خيبات عاطفية أثقلت عليهم، فلم يجدوا آذاناً صاغية إلا من خلال روايتها عبر البرامج الليلية للإذاعة. وكم كانت هذه البرامج مؤثرة الى درجة دعت الإذاعة المصرية الى وقف أحدها (كانت تقدمه الإعلامية بثينة كامل) ويومها قيل أنه – أي البرنامج – خرج عن حدود اللياقة في ما يقدمه من نبضات الناس، لكن الإذاعات الخاصة استأنفت النوع من خلال برنامج آخر قدمه الإذاعي أسامة منير واستمر حتى اندلعت ثورة 25 يناير ليختفي وغيره، ويذهب بعيداً من الاهتمام والتأثير بعدما تراجعت اهتمامات القلوب والمشاعر ليأخذ محلها اهتمام أكبر وأشمل يخص المواطنة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وهكذا سحبت السياسة الاهتمام من برامج كثيرة، الى درجة أصبح فيها الشأن العام البطل طوال عامي 2011 و2012. وربما احتفظ جزء من هذا الجمهور بتفضيلاته الأولى قبل «25 يناير»، لكنه الجزء الأقل تفاعلاً مع الثورة، غالباً بسبب كبر السن يصاحبه كثير من الاستقرار والتشكيك في الجديد والتحفظ عليه. لكن هذا الجمهور لم يكن يوماً ضمن جمهور الاعترافات الليلية الواسع، ولهذا أصبح الآن – أو تحول – إلى شاهد عيان على ما يقدم من برامج إذاعية وتلفزيونية، وما طرأ عليها من تحولات، أبرزها تحول «الاعترفات العاطفية» إلى «اعترافات سياسية» و «اعترافات ثورية» وآخرها «اعترافات أمنية» مثلما حدث هذا الأسبوع على شاشات وفضائيات أبرزها «دريم» من خلال برنامج «بتوقيت القاهرة» الذي يقدمه الإعلامي حافظ الميرازي والذي استضاف على مدى أسابيع عناصر من رجال الأمن مقابل مواطنين في حوارات حول الشرطة المصرية وأدائها في الشارع ولماذا ترتكب ما ترتكبه في حق المتظاهرين السلميين والمعتصمين، وكيف يزداد عنف الشرطة بعد ثورة كان هذا العنف ضمن أسبابها؟ أما قناة «أون» فقدمت في حلقات برنامجها «مانشيت» للإعلامي جابر القرموطي قصصاً حول ما حدث لمواطنين من تجاوزات على يد الشرطة آخرها ما رواه ضيف حلقة الأحد مصطفى الغريب ومعه ابنته الصحافية الشابة حول القبض عليه وما الذي يحدث في السجن الذي قضى فيه تسعة شهور حتى ثبتت براءته وخرج. وتتزامن مع هذه الاعترافات أحداث يدركهاالمشاهد يومياً عبر كل الوسائط الإعلامية المفتوحة والتي تصله شراراتها حتى لو لم يكن من متابعيها أو لديه الوقت للانتقال بينها، وهذه الأصوات المستمرة حول ما يسمى الحريات ولقمة العيش والعدالة تتجاوز كثيراً تلك التي تخص المشاعر والقلوب... ولهذا وجب علينا استبدال «الاعترافات الليلية» بكلمة أخرى أكثر دلالة هي «الاعترافات الإعلامية».