يقدّم «بيت الكُتّاب الدولي» بفرعه اللبناني الذي يديره الروائي اللبناني الفرنكفوني شريف مجدلاني فرصةً للجمهور للقاء عدد من الكُتّاب العالميّين الذين يزورون بيروت في سياق نشاطات تبدأ اليوم الجمعة وتستمر حتى 11 الجاري. والكتّاب المدعوون هم المصرية - الأميركية أهداف سويف، السويسري - الروماني ماريوس دانيال بوبيسكو، المغربي - الفرنسي عبدالله طايع، اللبناني - الكندي راوي الحاج، الأرمني - الأميركي فيكن بربريان والكولومبي سانتياغو غامبوا. تعمل هذه الجمعيّة التي أسّسها مجدلاني مع مثقّفين لبنانيّين، على إقامة علاقات أدبيّة وثقافيّة بين بيروت وغيرها من المدن. ومجدلاني اصلاً ليس غريباً عن الادب العالمي والاوروبي خصوصاً، فأعماله الروائية عرفت نجاحاً لافتاً في فرنسا والعالم الفرنكوفوني، إضافة الى ترجمة بعضها الى لغات عدة. وهو بصفته ناقداً يتابع الحركة الادبية في العالم متناولاً ابرز اسمائها وظواهرها. وفي حديث معه، يوضح مجدلاني أهداف هذا البيت الأدبي ومساره. عن انطلاق مشروع هذا البيت والمراحل التي اجتازها يقول: «بمناسبة إعلان اليونيسكو بيروت عاصمةً عالمية للكتاب عام 2009، بدأنا العمل مع وزارة الثقافة وبنك عودة وجامعة القدّيس يوسف على مشروع متعلّق بالثقافة وأهلها، وبوجود 15 كاتباً في بيروت، شعرنا بضرورة بدء العمل على مشروع ثقافي للأدباء والكتّاب يستمرّ عبر مرور السنوات وسمّينا المشروع في حينه «من أجل بيت كُتّاب دولي»، وكان بمثابة مسودّة لما آلت إليه الفكرة اليوم. لكنّ الأمور لم تسِر وفق المتوقّع في حينه، فتوقّف المشروع لمصاعب مادّية واجهتنا، على رغم المساعدة الكبيرة التي قدّمتها لنا وزارة الثقافة. لكنّ إرادةَ أربع سيّدات هنّ نادين شحاده، كارول عمّون، هدى صايغ، وسيلين الخوري، أعادت الأمور إلى نصابها، فقد عملن من أجل تأسيس هذه الجمعيّة بمساهمة السيد كمي عمون أيضاً. وفي معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت 2013 تمّ تنظيم الحفلة الرسمية لإطلاق «بيت الكُتّاب الدولي» ونشاطاته ولا بدّ من التنويه بأنّ المعرض استضاف حفلة الإطلاق من دون أن تكون هناك علاقة مباشرة بينه وبين فكرتنا ونشاطاتنا. وعقدنا العزم على أن يستضيف البيت في أيّار (مايو) من كلّ عام كُتّاباً جدداً ليناقشوا مواضيع مختلفة. تأخّرنا قليلاً هذا العام، ولكنّ أيّار سيكون شهر استضافة الكُتّاب بدءاً من عام 2015». وعن امكان اجراء تبادل للكُتّاب عبر بيوت كُتّاب دوليّة كأن يُدعى كتاب لبنانيون وعرب الى الخارج يقول: «هذه مسألة بالغة الأهمّية، فقد أقمنا شراكة مع بيوت كُتّاب دوليّة في مختلف المدن العالميّة، وعلاقتنا وطيدة معها بخاصّة مع بيت الكتّاب في سان نازير فرنسا (Saint Nazaire) وسان نازير تستضيف كلّ عام أدباء وكُتّاباً من مدينتين مختلفتين، وقد اتّفقنا هذا العام مع الكاتب الفرنسي باتريك ديفيل (Patrick Deville) وهو منظّم شؤون بيت الكُتّاب الدولي في سان نازير على أن تكون بيروت إحدى هاتين المدينتين لهذا العام وستكون إلى جانبها العاصمة الكولومبيّة بوغوتا. واهتممتُ شخصيّاً بالشقّ اللبناني، بخاصّة في ما يتعلّق بتحضير أنطولوجيا أدب لبناني معاصر لعشر كُتّاب تمّ اختيارهم ومن بينهم أذكر ياسمين خلاط وجبّور الدويهي والياس خوري. وتمّت ترجمة مقاطع من أعمالهم إلى الفرنسيّة لتُنشر في كتاب واحد مع أعمال الكُتّاب الكولومبيّين، وسيتمّ اختيار ثلاثة كُتّاب ليمثّلوا بيروت في سان نازير». ويتحدث عن الهدف من عقد هذا اللقاء العالمي في بيروت الآن: «لا تزال بيروت تتمتّع بنشاطها وديناميكيّتها، فيها الموسيقى والتشكيل والرقص، فيها الأدب الفرنسي المتمثّل بمعرض الكتاب الفرنكوفوني، وفيها الكتاب العربي في معرض البيال، ولكن ينقصها شيء من الأدب العالمي، شيء من اليابانيّة والصينيّة والألمانيّة وكلّ آداب العالم. من هذا المنطلق هدفنا الانفتاح على كُتّاب لم يأتوا يوماً إلى بيروت، هدفنا دعوتهم إلينا لاكتشافنا ولنكتشفهم بدورنا، هدفنا هو فتح بيروت على الأدب العالمي وجلب الأدب العالمي إلى بيروت. إنّ همنا الأوّل هو مزج الثقافات، «التثقّف»، أي تداخل الثقافات وعناقها في أدب كتّاب يكتبون بغير لغتهم. فبيروت مدينة مفتوحة على الثقافات، ومن أجل هذا السبب بالتحديد بدأنا بموضوع الكُتّاب الذين يكتبون بغير لغتهم، بالكُتّاب الذين انطلقوا من لغة ليبرعوا بلغة أخرى. وفي السنوات المقبلة، ستشبه مواضيعنا بيروت، ستنطلق منها لتجلب إليها الأدب العالمي، سنضع كُتّاباً عالميّين إلى جانب كُتّاب لبنانيّين في حلقات نقاش ثقافي». من المسائل التي يطرحها لقاء الكتاب في بيروت، مسألة الكتابة في لغة مختلفة عن اللغة الأم، ماذا يعني انتماء كاتب إلى ثقافتين؟ أليس في الأمر حالة انفصام ثقافي؟ يجيب مجدلاني: «على العكس، هذه ليست حالة انفصام ثقافي، بل تداخل ثقافي. فالكاتب الذي يكتب في لغة غير لغته الأصليّة، متى كان ماهراً ومتمكّناً ومحافظاً على روح لغته الأم في نفسه، يجبل في كتاباته لغته الأصليّة مع اللغة التي يكتب فيها مانحاً هذه الأخيرة شيئاً من شخصيّته، من لغته الأمّ، من ثقافته. وبعضهم قد يعتبر أنّ لكلِّ لغةٍ طابعها الخاصّ، لكنّني شخصيّاً لا أؤمن بهذا الأمر، فليس للّغة طابع، إنّها أداة ليّنة طيّعة يضفي كلّ كاتب سماته عليها. وبذلك تكون اللغة هي الرابحة، فهي تأخذ من كلّ كاتب شيئاً من ذاته وأسلوبه أكانت لغته الأم أم لا. فالكاتب البارع يمنح اللغة التي يكتب فيها شيئاً من شخصيّته وإن لم تكن لغته الأمّ. وجمهور اللغة يتقبّل الكتّاب الأجانب الذين يكتبون فيها بشكل رائع، فيستمتعون بالتجدّد الذي يحضره كلّ كاتب إلى لغتهم. هذا هو بالتحديد مفهوم «التثقّف»، هو أن يتحدّر الكاتب من ثقافة ويكون متمكّناً من أخرى ويمزجهما معاً ليضفي لمسة جديدة على اللغة التي يكتب فيها، يمنحها روحاً غريبة عنها تمنحها نفحةً أدبيّة، فتثري بذلك اللغة والجمهور والكاتب نفسه. وأسأله: ألا تُعَدّ الكتابة بغير اللغة الأمّ حالةً من الاغتراب الوجودي؟ حدّثنا انطلاقاً من تجربتك. يقول: «هناك حالات مختلفة، ولكلّ كاتب علاقته الخاصّة بلغته الأم واللغة التي يكتب فيها. وأعتقد أنّ اللغة التي يكتب فيها الأديب ليست خياراً بالضرورة، فبعضهم يختار وبعضهم الآخر يميل بالفطرة إلى لغة ليكتب فيها. فراوي الحاجّ مثلاً اختار الانكليزيّة بإرادته لغةً للكتابة، بينما عبدالله الطايع كتب بالفرنسيّة لكونه يتقنها ويبرع فيها ويميل إليها بالفطرة. ولا أظنّ عموماً أنّ في الأمر حالة اغتراب، فالكاتب يتبنّى اللغة ويكتب فيها ويجدّدها ويضيف إليها من ذاته، وبخاصّة الكتّاب الفرنكوفونيّين اللبنانيّين، فحالتهم خاصّة وعلاقتهم بالفرنسيّة وطيدة منذ القدم، فهم يتشرّبون الفرنسيّة مع العربيّة صغاراً وتترافق اللغتان في حياتهم من دون صراع أو غربة أو ما شابه. أنا شخصيّاً، لغتي الأم هي الفرنسيّة إلى جانب العربيّة، فوالدتي كانت من شوام مصر، أي من اللبنانيّين الذين يعيشون في مصر، فكانت لغتها الفرنسيّة، اللغة التي تتحدّث فيها وتدرسها في المدرسة، فرحتُ أقرأ الكتب بالفرنسيّة منذ صغري، آخذاً الفرنسيّة عن أمّي والعربيّة عن أبي. وها أنا أكتب بالفرنسيّة، لا أكتب سوى عن بيروت وأحيائها ورجالها ونسائها. فاللغة ليس لها طابع بالنسية إليّ، ليس لها موضوع واحد ونمط واحد، ولا يمكن ثقافة أن تُكتب بلغة واحدة. لماذا يجب أن يُكتب عن مجتمعٍ ما بلغته وحدها؟ عندما يكتب شريف مجدلاني الكاتب اللبنانيّ، باللغة الفرنسيّة، فهل يتوجّه إلى القارئ اللبناني أم الى القارئ الفرنسي؟ يجيبني: «أتوجّه إلى القارئ اللبنانيّ أولاً، أكتب إليه قبل غيره في الفرنسيّة أو في غيرها من اللغات التي تُترجَم إليها أعمالي. فأنا مثلاً عندما أرسم شخصيّاتي في إطارها التاريخي لا أفسّر أحداث التاريخ اللبناني الحديث، فالقارئ اللبناني يعرفها وهي محفورة في شخصيّته، فلماذا أوضحها في الحواشي؟ وأرفض ترجمة كلمات تنتمي إلى الهويّة اللبنانيّة مثل «قبضاي» أو غيرها إلى الفرنسيّة. فالقارئ اللبناني يفهمها، أمّا القارئ الفرنسيّ فالسياق هو الذي يوضحها له. ولكن من ناحية أخرى هدفي طبعاً أن يقرأني أكبر عدد من القرّاء من كل أنحاء العالم».