يبدو رئيس المركز الدولي للأمن الرياضي محمد حنزاب طموحاً، وهو يتحدث عن المستقبل، إلا أن تفاؤله بضبط إيقاع الألعاب الرياضية بعيداً عن نشاز المراهنات والفساد يساوره الكثير من القلق، فهو يرى أن حجم الفساد في عالم الرياضة يتجاوز 350 بليون دولار، ويظهر عليه قلق أكبر عندما يتحدث عن الفساد في الوطن العربي، مستغرباً ثقة الحكومات العربية من وقوعهم خارج دائرة «المراهنات غير المشروعة»، مشدداً على أن الفساد طاول منطقة الناطقين بالضاد، مؤكداً أن هناك مباريات دولية عربية ودية رُتبت نتائجها. حنزاب في حوار مع «الحياة» يزيد الطين بلة، حين يوضح أن المنطقة العربية هي أسهل منطقة جغرافية تتم فيها المراهنات، مؤكداً أن الحكومات العربية لا تضع الرياضة ضمن النقاط العشر الأولى في أجندة أولياتها على عكس الدول الأوروبية، مبدياً استياءه من بيئة الملاعب العربية على الأصعدة كافة، مشيراً إلى أنها تبدو كثكنات عسكرية، وليس كمنشآت تستضيف أحداثاً رياضية.. فإلى الحوار: بعد تجاوز مرحلة التأسيس ووجود المركز الدولي للأمن الرياضي في محافل رياضية دولية مختلفة... هل حققتم طموحاتكم؟ - طموحاتنا لا حدود لها، والسقف هو السماء بالنسبة إلينا، فالفريق الموجود في المركز بشهادة رئيس جامعة السوربون الفرنسية فريق متمكن، وفي المقابل، الحاجة الدولية إلى مركز أمني رياضي متخصص موجودة، لكن ما تحقق خلال قرابة العامين أثلج صدورنا. من أين يحصل المركز الدولي للأمن الرياضي على التمويل من أجل القيام بمهماته وأنشطته، خصوصاً أن هناك صعوبة في إيجاد موارد لتمويل عمل بهذا الحجم على الصعيد العالمي؟ - المركز الدولي للأمن الرياضي هو مؤسسة غير ربحية على غرار المؤسسات الدولية «فيفا» و«الإنتربول»، فكل المؤسسات من هذا النوع عادةً تمولها دول، والمركز قامت دولة قطر مشكورة بتمويل عملية تأسيسه، إذ إن القانون القطري يمنح المؤسسات غير الربحية وذات النفع العام حق الحصول على التمويل إلى أن يعتمد على موارده، بعد ذلك يتم استثمار موارد المركز في إعادة تشغيله وعمل مشاريع مفيدة رياضياً، لذلك يأتي المركز فريداً من نوعه، فكل ما يستثمره هو لفائدة الرياضة العالمية. البعض يرى أن ولادة مشروع على هذا النحو في منطقة عربية يخلق له صعوبات دولية؟ - هذا صحيح، وناقشناه في المركز، إذ توقعنا أن تكون هناك صعوبات، والسبب أن الوطن العربي لم يسبق له أن شهد مشروعاً ذا رؤية عالمية، ويصبح مظلة دولية في اختصاصه، فالعالم الغربي عموماً اعتاد على أن المؤسسات الدولية تولد إما في أوروبا أو أميركا، لكن السؤال هو: لم لا يولد في العالم العربي؟ فقطر فاعلة على المستوى الدولي في السياسة والاقتصاد والرياضة، قطر لديها أكاديمية «سباير»، وهي أكاديمية دولية معترف بها، ولديها مستشفى «إسبيتار»، وهو مستشفى معتمد من «فيفا»، وموقع المركز في قطر يربط الشرق مع الغرب، ويعطي دلالة على أن الشعوب العربية والخليجية على خصوصاً لديها الإرادة والأفكار لتغيير هذا العالم، وعلينا كعرب أن نثبت أننا لا نتميز فقط بالقدرة المالية، لأن هذه هي للأسف الصورة النمطية عنا في الغرب، إذ يرون أن العربي لديه الأموال من دون الأفكار، وإذا امتلك الأفكار فهو عاجز عن تطبيقها على أرض الواقع، لكننا في المركز ولله الحمد أثبتنا العكس، فالفكرة عربية، والتمويل عربي، والتطبيق على الأرض وفي الواقع عالمي. ماذا عن تعاونكم مع «فيفا»... فالكثير يتوقع أن تكون هذه الخطوة المقبلة لكم؟ - المركز الدولي للأمن الرياضي مختص بالرياضات كافة، ولكن بحكم أن كرة القدم هي الأكثر شعبية والأكثر تأثيراً في حياة الناس، نبعت أهمية التعاون مع «فيفا»، ونحن قريبون منه، وهناك مناقشات دائرة بين الطرفين منذ مدة طويلة، فنحن من الناحية الفنية متفقون. وعموماً لا يوجد مركز آخر في العالم يستطيع أن يقدم ل«فيفا» ما يقدمه المركز الدولي للأمن الرياضي، هناك دائماً حاجة إلى وجود جهة ما، ترفع العبء الأمني عن الجهات الرياضية المُنظمة مثل «فيفا» واللجنة الأولمبية الدولية، التي لا تريد أن يلقى اللوم عليها في قضايا الأمن والسلامة في حال حدوث أية مشكلة، ونحن نؤمل في الوقت القريب أن يتم التوقيع بيننا في المركز و«فيفا»، إذ انتهينا من كل المناقشات، وأجبنا عن التساؤلات، طبعاً، إذا كان هناك أمور أخرى تعنيهم، فنحن لا نستطيع التعليق عليها. الوطن العربي مرّ بثورات، وأضحى الأمن أولوية قصوى، هل تعتقد أن الأمن في الرياضة أو الرياضة ككل، ستحظى بالأهمية ذاتها؟ - من وجهة نظري، فالرياضة الأداة الأقوى التي يمكن استخدامها لمساعدة الأنظمة أو الثورات في الوطن العربي للتحول وتحقيق الاستقرار والاستفادة مما حدث، بما تضمن توجهاً حقيقياً للشباب نحو الرياضة، ولكن قبل ذلك يجب أن نفكر في تأمين الرياضة في المقام الأول، إذ يجب أن تتعاون وزارات الداخلية أو الأجهزة الأمنية في الدول العربية مع الاتحادات الرياضية من أجل الاستمرارية، لأنه على المدى المتوسط في حال عدم الاستقرار، فإن الشباب المحب للرياضة الذي يمارسها سيتركها ويهجرها، ويتجه إلى مجالات أخرى، وبالتالي يتأخر انطلاق المنافسات الرياضية كما حدث في مصر أو في دول أخرى، وسيضر بالرياضة إلى حد بعيد. في ظل أوضاع كالتي تمرّ بها بعض الدول العربية، كيف يمكن للدماء أن تعاود جريانها في عروق الرياضة؟ - لا يمكننا تجاهل حقيقة مفادها أن دولاً أخرى في العالم لا تحظى بالاستقرار، جراء مشكلات أمنية أو اقتصادية أو سياسية، لكنها أعطت الرياضة الأولوية، بمعنى أنها وفّرت كل السبل احترافياً عبر وضع حلول لتأمين الدوري والمسابقات الرياضية، بما يضمن إمكان استمرارها، وما من صعوبة تمنع تحقيقه، فلا ننسى أن البوسنة والهرسك مرت بفترة صعبة، واستخدمت الرياضة للإسهام في تحقيق الاستقرار، وأتمنى أن نملك في العالم العربي من الإرادة بالدرجة الأولى ما يكفي لاستمرار الرياضية والمسابقات من دون أن نبيت النوايا بتعليق الأخطاء على أي طرف، فهذا لن يقدم أو يؤخر. تحدثت عن أن الخصخصة ستتأخر في الوطن العربي لعدم وجود لوائح ومعايير قانونية واضحة؟ هلا أوضحت وجهة نظرك؟ - رأس المال «جبان»، كيف نطلب من المستثمرين أن يدخلوا في القطاع الرياضي، ويستثمرون أموالهم في أندية أو في دوري محترفين يفتقر إلى الشفافية، وتغيب عنه آليات وقواعد ضمان سلامة الجماهير داخل الملعب، لأن المستثمر في النهاية يريد أن يرى الملعب ممتلئاً عن بكرة أبيه، فالجماهير بالنسبة إلى المستثمر «زبائن»، وعندما شعر أي تاجر بأن «زبائنه» لا يجدون من التعامل ما يليق بهم، فكيف سيثق في قدرته على تحقيق عائد كبير، وعندما نتكلم عن الأمن، فهو مربوط بخدمة ومفهوم وفلسفة خدمة العملاء، فالجمهور يأتي، ويستمتع بكل علامة تجارية موجودة، ويتعامل معها، حتى لو نظرنا إلى الأمر من منظار آخر، وهو منظار شركات التأمين، فكيف تريد أن تقوم من شركات التأمين أن تقبل تأمين بطولة أو مباراة أو مسابقة، نسبة المخاطر فيها عالية. - واليوم ماذا يمكن أن يقدم مركزكم للحكومات العربية أو نظيرتها حول العالم، خصوصاً التي تمرّ بمرحلة انتقالية؟ - يمكننا تقديم استشارات في مجال الأمن، ونستطيع أن نقوم بتدريب الكوادر، إضافة إلى أبحاث مرتبطة بمراكز متطورة في أوروبا وأميركا، المعرفة موجودة، وما ينقصنا هو الإرادة في تطبيق هذه المعرفة، والسؤال هو: هل يملك العرب إرادة حقيقية ورغبة في نقل الرياضة من وضعها كهواية وصياغتها بشكل احترافي حقيقي؟ للأسف يعكسه واقعنا، يقول إن مفهوم الاحتراف لدينا مقصور على التعاقد مع لاعبين محترفين بعشرات الملايين، من دون أن نهتم بما يحيط بهذا اللاعب من أجواء، أو بال70 ألف متفرج الذين يشاهدون اللاعب، علينا أن نهتم بال70 ألف مشجع بالأهمية نفسها التي نتعامل بها مع اللاعب، أوروبا مرت بمراحل مختلفة من عنف جماهيري وعنصرية، وكان هناك إرادة في البحث عن حلول بغية تغيير الواقع، نحن ننظر إلى المعلب على أنه منشأة مهملة إلا في وقت المباراة. منذ فترة، كنت في ملعب ميونخ للمشاركة في مؤتمر، ولم يكن المؤتمر متزامناً مع أية مباراة تقام على الملعب، ولكن اللافت إلى أن الحياة كانت تدب في المنشأة من كل حدب وصوب بكل لون وشكل، وفي المقابل، نجد العكس لدينا من إهمال تام للمنشاءات إلى أن يأتي وقت إقامة المباراة، فهل يعقل أن يتم توفير المبالغ اللازمة كافة، لجلب اللاعبين والمدربين وحقوق النقل والرعاة، في حين أن المنشأة التي تقام عليها هذه الفعالية مهملة، ما نعاني من غياب الصيانة واللوحات الإرشادية التي تعين الجماهير على معرفة أقصر الطرق، كما أن الموجودة مهملة أو رديئة وتحتاج إلى إصلاح، وتفتقر إلى الإضاءة، والأهم أن مخارج الملاعب غير كافية. عندما يكون هناك اهتمام بالمنشأة واستدامتها وإحيائها بفعاليات مصاحبة قبل المباراة وبعدها، بما يضمن استمتاع الجماهير، هنا نبدأ بتشجيع رأس المال على الاتجاه للاستثمار في الملعب، وربطه بعلاقة قوية مع المنشاة، فرأس المال لا يزال يرى الملعب كتلة خراسانية، تغيب عن الحياة إلا في 90 دقيقة مرة واحدة في الشهر أو الأسبوع. نحن كمركز أمني دولي رياضي نقدم حلولاً تشمل بثّ الحياة في المنشاءات الرياضة، فمكان ليس به حياة لا يدر موارد مالية. تتحدثون عن محاربة الفساد بشكل واضح في الرياضية، ما تقديراتكم لحجم الفساد في الرياضة على المستوى العالمي؟ - إذا تحدثنا عن التلاعب بنتائج المباريات، فالأرقام تصل إلى 350 بليون دولار في العام، هذه في المراهنات غير الشرعية، والتلاعب في نتائج المباريات، إذا أضفنا إليها عوامل أخرى فسنصل إلى رقم كبير جداً، والسبب أن الاتحادات والدوريات في الرياضة كانت تدار من متطوعين أو محبين للرياضية، في حين أن جماهيرية اللعبة وحب الناس والتكنولوجيا وسهولة النقل التلفزيوني أدى إلى دخول التجارة على خط اللعبة، فأصبحت الأرقام التي نقرأ عنها خرافية، فدخلت الجريمة المنظمة، ووجدت أن الاتحاد الدولية الرياضية ضعيفة في بنيتها القانونية التنظيمية من ناحية الرقابة المالية والشفافية، ولا تمتلك وسائل الحماية، ولا تستطيع أن تحمى نفسها، فدخلت عمليات مثل غسل الأموال، وهي عملية تتم بشكل كبير في المجال الرياضي، وفي المقابل، الدول والحكومات ما زالت مقتنعة في «لا وعيها»، أن الرياضة قضية هواة، فعندما تتحدث مع الحكومات، يقول لك ممثلوها: إنهم يعانون من مشكلات في الأجهزة الأمنية، وهي مشكلات أكبر من الرياضة، ويعانون من جرائم القتل والمخدرات وغيرها، و«خير يا طير إذا فيه فريق هزم فريق»، ما يعني أنهم لا يعتبرون الكرة أكثر من مباراة كرة قدم، لكنها ليست كذلك في الواقع، فدخلت فيها دول وجرائم منظمة، والموضوع يجب أن يتم التعامل معه بشكل احترافي أكبر، والحكومات يجب أن تساعد، وتدعم هذه الاتحادات، لأن بعض الاتحادات ضعيفة مالياً، ولا تملك الموارد حتى تحمي نفسها. نحن نريد أن تقام البطولات، وأن يتم الصرف عليها، لكننا لا نعرف أن هذه البطولات مخترقة، وأحياناً من جهات خارج الدولة التي تقام البطولة على أرضها، وهنا للأسف، لا تجد الاتحادات من يساعدها، إذ لا تزال المساعدة تدور في فلك الأمور الأمنية الأساسية، مثل الحراسات وخلافه، والمطلوب أكثر من ذلك، إذ يجب أن يكون هناك دعم أمني استراتيجي. هل نحن في العالم العربي بعيدون عن الاهتمام بالجانب الأمني الاستراتيجي؟ - بعيدون جداً، ولا نملك حتى الوعي في هذا الجانب، وهذا الموضوع يأتي في المركز الأول في أجندة العمل الأوروبية و«ويفا» في اللجنة الأولمبية الدولية و«فيفا»، بينما أعتقد أن مركز الأمن في أجندة الدول العربية يقع في الخانة رقم 10، فهو بعيد جداً عن دائرة الاهتمام، إذ لا تجدي مناقشة أو ندوة أو حتى بحث، وليس هناك برامج للتوعية، كل هذا غير موجود. البعض يرى أن العالم العربي لا توجد لديه مراهنات، وبالتالي هو بعيد عن دائرة الفساد؟ - هذا مفهوم خاطئ، المراهنات غير الشرعية تتم في الأماكن التي تمنع المراهنات، فما هو السبب الذي يجعل المراهنات غير الشرعية موجودة في الصين؟ السبب أن الصين تمنع قانونياً إقامة المراهنات، كذلك في الهند وسنغافورة وإندونيسيا. الآن هناك شركات وهمية تعمل كواجهة لتنظيم بطولات رياضية، فالمراهنات غير الشرعية تتم عن طريق منظمات دولية، والوسائل التكنولوجية المتوافرة أسهمت في اتساع نطاقها، فالآن من الممكن، أن تراهن عن طريق الآيفون والآيباد، والعصابات المنظمة لا تعمل إلا في الظل. وفي الوطن العربي، هناك مباريات رتبت نتائجها، خصوصاً الودية منها، المقامة في يوم «فيفا» في الوطن العربي، وتم ذلك باتصال مع شركات في شرق آسيا، فهي التي اختارت الحكم، وهي التي اختارت الفريق، وهي التي اختارت النتيجة التي آلت إليها المباراة، ومن يقول إن الوطن العربي بعيد عن المراهنات مخطئ، فبالعكس الوطن العربي أسهل منطقة جغرافية تتم فيها المراهنات.