يبدو أن «فوبيا الاختلاط» التي لا تزال منذ سنوات تفرز النظرية تلو النظرية في السعودية، وصلت أخيراً إلى لغة جديدة تتماشى شكلياً مع العصر، فبعد أن فشلت الهجمات على عمل المرأة في الأماكن العامة بسلاح «التحريم»، تنبه المقاتلون إلى أنهم يحاربون خارج التاريخ، وأن حجج خصومهم المساندين لتمكين النساء أقوى وأكثر صلابة وشرعية، وهو الأمر الذي قاد مؤيدي «تغريف المرأة»، أي «حبسها في غرفة النوم» إلى وضع خطط بديلة لهجماتهم، تعتمد على المصطلحات الحقوقية العالمية ك«الاتجار بالبشر». يقول الخبر الذي نشرته «الحياة» أمس الأول إن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أجازت رسالة ماجستير تذهب إلى أن عمل المرأة «كاشيرة» يُعد من الاتجار بالبشر، وأن هذا ينسحب أيضاً على عمل النساء في وسائل الإعلام عموماً، وفي الدعاية والإعلان خصوصاً، وكذلك عملهن كمضيفات في الخطوط الجوية، أو موظفات استقبال، ويؤكد الباحث في رسالته أن ذلك كله محرم شرعاً، لما فيه من الاختلاط وتعرض النساء للفتنة، ولأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح. الباحث، كما فهمت من طرحه، حاول أن يبرئ ساحته بربطه بين هذه الأعمال والاستغلال الجسدي الذي يعد فعلياً من الاتجار بالبشر، لكنه، مع الأسف، لم يوضح كيف قام بعملية الربط اللولبية هذه، وما علاقة «جسد» الكاشيرة أو موظفة الاستقبال مثلاً بعملها، إلا إن كان المكان الذي تعمل فيه يُقدم للزبون «سهرة حمراء» كهدية مجانية مع البضاعة التي سيشتريها، وهذا أمر مستبعد تماماً. التفسير الوحيد لآلية الربط التي ابتكرها الباحث، من وجهة نظري، يكمن في تصوره امتلاك جميع الناس لإمكانات بصرية أو تخيّلية خارقة تتجاوز حدود ملابس أي امرأة عاملة إلى «جسدها»، وينبني على ذلك أن يكون المكان الذي تعمل فيه الموظفة الغلبانة يتعمد بيع صور «جسدها» الخيالية للسادة المتخيلين من دون علمها، وهذه نظرية طلائعية جديدة لم يسبق الباحث إليها أحد، وتستحق أن يناقشها مجلس حقوق الإنسان في هيئة الأممالمتحدة، كما أنها نظرية تجارية خطرة لابد من درسها بشكل مستفيض لمعرفة مدى ربحية مثل هذه التجارة الخفيّة وتنظيمها إن أمكن. أيضاً وقياساً على كون عمل المرأة «كاشيرة» يُعد اتجاراً بالبشر، فإن عمل الرجل «كاشيراً» أيضاً قد يعد اتجاراً بالبشر، فهو سيقع لا محالة فريسة لتخيلات النساء السيئات والعياذ بالله، وهذا يعني أننا بحاجة إلى «ريبوتات» تمارس مثل هذه المهن، بدلاً من البشر لحماية الناس من الاستغلال الجسدي الذي عم به البلاء، لكننا والله أعلم سندخل في مشكلة أكبر بعد الاستعانة ب«ريبوتات» بريئة، إذ ستخرج دراسات وبحوث وفتاوى تحرم عمل «الريبوتات» المؤنثة في مهن «مختلطة»، وسنسمع حينها أخباراً مثيرة تشير إلى القبض على «ريبوت» مع «ريبوتة» في قضية خلوة غير شرعية بمواقف «المول» الذي يعملان فيه، ويستمر مسلسل «تغريف» المرأة. [email protected] @Hani_Dh