يناديني، يخاطبني، أسمع له صوتاً، أرى فيه ملاكاً ثائراً، تلامس روحي روحه ويطفو الحنين بين السطور. من رائحة البخور كلامه، من شذا الأرز عطر أنفاسه. أراني في قصر عالي القباب، جدرانه صفحات في كياني، أبوابه خواطر تمسّكت بفؤادي ونوافذه فلسفة تكاد أن تكون لي موطناً. على أجنحته المتكسّرة بدأت رحلتي، طار بي إلى دنياه وأبى أن يحطّ على أيّ غصنٍ من أغصان هذه الحياة. ما زلت في الرّحلة ولا أشاء العودة، أريد أن أسير مع المواكب، أن أساند الأرواح المتمرّدة، أن أكتشف البدائع وأبتسم للطّرائف، أن أذرف دمعةً وأمسحها بابتسامة. إنّني ابنة عرائس المروج التي ترقص لي على أنغام الموسيقى، مع الرّمل والزّبد. لا قبله ولا بعده، لا حروف فوق حروفه، هو البداية والنّهاية ونبع كلّ جمالٍ وإبداع. فيه تُوّج الحبّ ملكاً على البشر ومعه أسرار العيش ومفاتيح الدّروب. ألجأُ إلى تخيّلاته فأرى الكون حقولاً مملوءة طهراً، والنّاس سطوراً كُتبت بماء... أُدركَ خبث البشر وضعف الإنسان، ارتفع إلى أقصى روعة في الوجود، تخطّى الوجود وسلّم سرّه للغناء. دافع عن الحقيقة ورفض كلّ بهرجة، كلّ سؤدد مزيّف وجبروت مصطنع. تأثّر بالقداسة ومع ذلك اتّهم بالكفر. أغرسُ ريشته في قلبي ومن دماء القلب أنثر بريق التّأمّلات والرّوائع... عيناه في مقلتي فأرى أضواء الميلاد لافتة وسط ظلمة متعبة. له الكمال في الكلام وله التّصفيق والمدح... جبران، أحبّك، أتبعك، أشتاق إليك وأحنّ إلى دفئك. سألقاك وأنا على يقين بذلك، ربّما كنتُ أسيرة لقائك فهبطتُ إلى الدّنيا وأنا الآن أتألّم لفراقك، أسلك كل الدّروب الّتي قد تأخذ بي إليك، أتوق إلى النظر في عينيك، إلى رؤية ذلك اللّمعان الخاص بالفنّان، إلى معانقتك ومعاتبتك... زد على كتبك كتاباً، وعلى أناملك يداً، أضئ لي مصباحك.