تصرفات ماراثونية غير مدروسة يرتكبها بائعو البسطات الطيارة المخالفة في لحظات توترهم، للتعامل مع ساعة الصفر التي تحددها أمانة الرياض لدهم بسطاتهم وتحويلها للجمعيات الخيرية. فمنهم من يسابق الريح هرباً تاركاً بضاعته للمصادرة، ومنهم من يحاول تجميعها بسرعة في محاولة لإنقاذها من سيف المصادرة، ومنهم من يقذفها بأقرب حاوية أو يخفيها بين المحال وأكوام الزبالة على أمل إعادة تجميعها بعد انتهاء هجوم عمال الأمانة. ورصدت «الحياة» في جولتها الصباحية تقافز عمالة وافدة بين المحال التجارية أو قطع الشارع والهرب بعيداً لحظة وصول الأمانة بمركبتهم الفارغة، فيما اختبأ عدد منهم في المحال القريبة ورمى آخرين كامل كراتين وعلب الفواكه والخضراوات التي على بسطتهم داخل حاوية الزبالة القريبة على أمل إعادة إخراجها لاحقاً. ًفيما حاول البعض إخفاءها خلف متاريس أسمنتية بين مخلفات وقاذورات مبيعات المحال التجارية القريبة، بل يتعمد وضع الزبالة فوقها حتى يموه على مراقبي الأمانة، وأحدهم تشجع وصافح مراقب الأمانة محاولاً استعطافه. خلال ثوانٍ معدودة تطايرت صناديق طماطم وبرتقال ورمان، وتبعثرت باقات النعناع والبقدونس والكزبرة، وسقطت عشرات الرؤوس من البصل الأحمر على امتداد الشارع خلال محاولة أصحابها جرها بسرعة قبل أن تطبق عليهم فرقة التفتيش. ومن فوق الجسر، يرقب عشرات العمال بزيهم البرتقالي أثناء قيامهم بسفلتة وصيانة الكوبري المشهد والمطاردة والمصادرة والكر والفر أسفل الكوبري بكل وضوح، حتى إن مراقبهم صرخ من أعلى الكوبري على محرر الحياة «يا أستاذ مش من حقك تصور، امسح الصور». يقظة مراقب البلدية بتوجيه العمالة بإخراج صناديق الخضراوات والفواكه المخبأة من داخل حاويات الزبالة، اضطرت بعضهم إلى القفز داخل الحاوية حتى يتمكنوا من مناولة زملائهم، وآخرين انشغلوا بإزالة القاذورات عن البضائع المخفية خلف المتاريس. يتفحص مراقب البلدية بثوبه الأبيض كل الاتجاهات ليلمح كرتوناً انزوى على باب أحد المحال أو ألقي بداخله أو صندوق زهرة أو ملفوف أو باذنجان استلقى على مسافة بعيدة ليوجه فريقه الأصفر إلى الهرولة وتطهير المكان من أية بضائع. وخلال جولة «الحياة» الصباحية، شاهدت على مقربة من الكوبري سيدة أربعينية تحمل طفلاً نائماً على كتفها ومغطى بخرقة بيضاء تتسول على الإشارة الضوئية، وترقب احمرار الإشارة لتبدأ طرق شبابيك المركبات واستعطافهم بخاصة أننا نقترب من أيام العيد الأضحى الذي يعد موسماً لكرم معظم الناس. تعاود إلى الرصيف مع اضطرارها لتلتقط بعض أنفاسها وتريح شفتيها من عبارات التسول «مشان الله» «الدنيا عيد» «الولد بدو حليب»، وربما ترفع الغطاء لتتفقد وجه طفلها من دون فحص حرارة جبينه أو رطوبة بنطاله، تتحسس الريالات التي جمعتها على عجل من دون عدها لتعيد الكرة من جديد مع لمعان الإشارة. وعلى الإشارة الأخرى، تقافز أربعة شبان في العشرينات حملوا أوراق تظليل المركبات المتدرج بسواده على رغم منعه من الجهات الرسمية، محاولين إقناع أصحاب المركبات بفوائدها وأنها مسموحة فيما حدقات عيونهم تسافر شمالاً ويميناً خوفاً من القبض عليهم. استظلت «الحياة» بجانب بسطات عطور يعمد أصحابها إلى رش العطر على ورقة صغيرة يمكن من خلالها كتابة ملخص عن سيرتهم الذاتية، أو الإشارة للزبون أن يمد يده لينعم بالرشة المجانية على أمل أن تخدر جيبه ويخرج خمسة ريالات ثمناً للعلبة. ورداً على سؤال «الحياة» عن جودة العطور، قال صاحب البسطة (هندي الجنسية): «عطورنا على البسطة كلها أصلية، وتستورد من دبي، ومعروفة وقيمة العلبة تراوح بين خمسة و10 ريالات». أما صاحب بسطة كروت الاتصالات المجاور للعطور فلديه قائمة بالأرقام المميزة ليرفع سعرها، ويبدو غير مكترث بتحذير الجهات الرسمية من الشرائح مجهولة المصدر. كلمة «مخالف» تبقى التهمة التي تلاحق الباعة المتجولين، فيما يحاول بعضهم الاحتفاظ بالتهمة طواعية والتنعم بها بدلاً من دفع ألوف الريالات لتصويب وضعه القانوني، وكأن صراع البقاء تحكمه لقمة العيش بغض النظر عن كونها قانونية أو مخالفة حلالاً أو حراماً. وربما أعجب الغرائب أن يقوم عامل أمانة الرياض الوافد الذي يصادر البضائع صباحاً أن يفتح هو نفسه بسطة في المساء وفي المكان ذاته لزيادة دخله، والأعجب أن من صودرت بسطته أمس، عاود وافترش بسطة جديدة وفي المكان ذاته مع إبقاء عيونه مفتوحة. يذكر أن أمانة مدينة الرياض نفذت أخيراً حملة على البسطات في الأحياء الغربية والجنوبية شملت 2500 كرتون خضراوات و61 كيس مكسرات، إذ توعدت الأمانة بتنفيذ جولات رقابية عشوائية على الباعة غير السعوديين في أحياء العاصمة كافة، لإيقاف ظاهرة البيع العشوائي المنتشرة في الطرقات والشوارع.