بعد مرور سنة وستة أشهر أصبح للسويداء مجلس عسكري خاص بها يعمل إلى جانب الفصائل العسكرية المسلحة تحت قيادة العقيد المنشق مروان الحمد الذي اتخذ من مدينة درعا مركزاً له ولعملياته ضد جيش النظام. هذا الخطوة في البداية لم تلقَ أصداء جدية من قبل المعارضة، لكون البعض اعتبرها مجرد عرض إعلامي لا أكثر والسبب في ذلك أن السويداء لا تعتبر حتى الآن حاضنة حقيقية للثورة من الناحية الاجتماعية وهي ترفض «موالاة أو معارضة» أي عمل عسكري مع تزايد عدد النازحين الذين يتم العمل على العناية بهم من قبل طرفَي الصراع في المدينة. في المقابل، هناك فئة تسمى «هواة الثورة» وفق تسمية أطلقها مثقفون في السويداء، وهم مجموعة من الشباب المتحمسين لقيام عمل عسكري يضرب ركائز النظام في المحافظة بالتنسيق مع المجلس العسكري وتحديداً مع الملازم خلدون زين الدين قائد كتائب السهل والجبل الذي قتل في معركة لاحقة قبل أسابيع، إذ كانت تسعى إلى جمع التمويل اللازم للقيام بعمل عسكري يلبي طموحاتهم، واستمر هذا العمل حتى القيام بعمليات عدة كان منها ضرب حواجز عسكرية تفصل بين درعا والسويداء، وضرب مطار الثعلة واستهداف عدد من عربات الأمن التابعة للنظام. جبهة النصرة... والدخول المفاجئ مدينة درعا كانت وما زالت الحضن الاجتماعي الأقوى للعمل المدني والعسكري، واستقبلت الفصائل المسلحة كافة التي تعمل ضد نظام الأسد ومنها المجلس العسكري الثوري للسويداء، بعكس مدينة السويداء التي يرفض سكانها أي شكل من أشكال العمل المسلح حتى لو اضطرهم الأمر إلى حمل السلاح ضد من يعمل على إشعال المعركة في المدينة. جبهة النصرة التي كانت حلب بداية نشاطها العسكري ومن ثم ريف دمشق ظهرت ومن دون سابق إنذار بين الفصائل في محافظة درعا معتمدةً على عملها السري ونشاطها الكتوم في أدائها العسكري، حيث جمعت عناصر من أبناء المحافظة نفسها مع عدد من المقاتلين العرب، وقامت الجبهة بعمليات عدة اعتبرها البعض «نوعية» ضد قوات النظام السوري نظراً إلى خبرة مقاتليها وتدريبهم النوعي في القتال يضاف إلى ذلك وجود عناصر عربية شاركت من قبل في معارك في العراق وليبيا، الأمر الذي جعل وجودها في مدينة درعا فعالاً من الناحية العسكرية. وعلى رغم ذلك، فإن وجودها لم يلقَ ترحيباً قوياً من الفصائل العسكرية في درعا التي تعاني هي الأخرى نوعاً من الاختلاف بين مقاتليها وقيادة المجلس العسكري الخاص بها أو بين الفصائل نفسها، لكنها لا تستطيع فعل أي شيء حالياً تجاه هذه الجبهة وتحركاتها. «حاجز المجيمر» يقع في إحدى قرى السويداء الحدودية مع مدينة درعا وقد جهزه النظام بترسانة عسكرية ثقيلة وخفيفة واعتمده نقطة لقصف القرى الثائرة في منطقة درعا خصوصاً بصرى الشام التي عانت الويلات من قذائفه شبه اليومية التي دمرت المنازل وقتلت كثراً من المدنيين وشردتهم، حتى إن قذائفه لم تسلم منها الحدود الأردنية المتاخمة للمنطقة، وشن عناصر الجيش الحر هجمات عدة على هذا الحاجز وشارك المجلس العسكري بالسويداء في إحدى هجماته، إلا أنها لم تكن بالقوة التي تمنعه من وقف قصفه وقذائفه. جبهة النصرة ونتيجة لخبرتها العسكرية قررت شن هجوم على الحاجز إلا أن عمليتها لم تكن ناجحة وأصيبت بخسارة كبيرة في الأرواح ولم تحقق النتائج المطلوبة. وشارك عدد ممن يسمون شبيحة النظام بالدفاع والقتال إلى جانب قوات الأسد الأمر الذي رفع عدد القتلى بين صفوف الجبهة وألحق بها خسارة كبيرة، وكرد فعل على خسارتها قامت الجبهة بخطف عدد من المدنيين من قرية الثعلة المتاخمة لقرية أم ولد بمدينة درعا على رغم أن أبناء هذه القرية كان لهم دور إغاثي لقرى درعا ونقطة مرور للكثيرين من العائلات النازحة، ثم قامت الجبهة بعرض المخطوفين على شريط فيديو اعتبره أهالي السويداء «موالاة ومعارضة» استفزازياً ومعادياً حيث وجهت من خلاله الكثير من الكلمات المهينة. وطالب مسؤول النصرة فيه بإطلاق سراح الأسرى وبجثث قتلاه إضافة إلى إطلاق سراح النساء من سجون النظام إضافة إلى الكثير من المطالب، وكرد فعل قام سكان إحدى القرى الدرزية بخطف عدد من سكان مدينة درعا واحتجازه حتى تحرير الرهائن لدى الجبهة. العقل في مواجهة التطرف في ما يخص موضوع النساء والقتلى والأسرى لا يستطيع أبناء المحافظة البت به لكون الأمر متعلق بأجهزة الأمن السورية التي تشرف على كل العمليات العسكرية والأمنية ولا تعطى أذناً صاغية لوجهاء الجبل في حال طلبوا منهم إطلاق سراحهم أو تسليم الجثث. شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ أبو وائل حمود الحناوي تكفل بإطلاق سراح كل الرهائن من أبناء درعا في السويداء وأجبر الجميع على منع تكرار ما جرى وإعادة الأمور إلى طبيعتها، ودخل الشيخ في مفاوضات مباشرة مع جبهة النصرة وقد اعتبر العقلاء هذا التصرف مهماً في درء الفتنة وإيقاف أي تطور دموي قد يحدث بين الطرفين حفاظاً على حسن الجوار والسلم الأهلي. لكن هذه الخطوة لم تلق تجاوباً من عناصر الجبهة الذين ووفق «ما تسرب من المحادثات» طلبوا من الشيخ تقديم غطاء شعبي لهم والسماح لهم بالدخول لضرب المؤسسات والمنشآت الحكومية في المحافظة الأمر الذي رفضه شيخ العقل حيث أكد لهم أنها منشآت تخدم المدنيين وهي ليست أهدافاً لهم، كما تحدث في الاجتماع عن أهمية إبعاد أي عمل عسكري في المحافظة لكونه لن يخدم أي طرف من الأطراف بل سيزيد الأمور تعقيداً وتحديداً مع قدوم عشرات الآلاف من النازحين ومن مختلف المحافظات. في المقابل المجلس العسكري لمدينة السويداء الموجود على أرض درعا والذي تجمعه علاقات وثيقة مع جبهة النصرة لم يتدخل في حل هذه القضية بل نشر على صفحته أخباراً عن عمليات عسكرية مشتركة مع النصرة منها اقتحام اللواء 12 والفوج 175 مدفعية التابع للفرقة الخامسة في منطقة إزرع بدرعا الأمر الذي أثار استغراب الكثيرين من المعارضين في المدينة حيث دانه البعض واعتبره خيانة بحق المدنيين المخطوفين ورأى في المجلس العسكري مجرد صفحة على فايسبوك لا أكثر. الانتظار سيد الموقف على رغم كل الجهود المبذولة من قبل الوجهاء في المحافظة وشيخ عقل الطائفة الدرزية من جهة وعقلاء محافظة درعا من جهة أخرى ما زال المخطوفون من أبناء المدينة في عهدة جبهة النصرة التي لم تصرّح عن حالتهم حتى اليوم، وما زاد الأمور تعقيداً تعنت قيادات هذه الجبهة ورفضها إطلاق سراحهم على رغم تكفل شيخ العقل بإعادة جثث قتلاهم والأسرى الذين طلبوهم، وهذا ما يعتبره كثيرون خطراً على السلم الأهلي بين المحافظتين المتجاورتين. * صحافي سوري