تشهد الملابس المضرجة بالدماء والجدران المهدمة وواجهات المباني التي كساها السواد، على عنف الاشتباكات التي دارت في جبل الدروز بالقرب من السويداء جنوب سورية، بين القوات النظامية والسكان من جهة ومقاتلين معارضين قدموا من درعا من جهة أخرى. في ضهر الجبل، على ارتفاع 1400 متر، احتل حوالى مئة مسلح من المعارضة قبل عشرة أيام سبع فيلات استعداداً لشن هجوم كبير على السويداء التي يقطنها حوالى 110 آلاف شخص. غير أن توقيت الهجوم تزامن مع تساقط كمية كبيرة من الثلوج، ما جمد حركتهم. أما سكان الجبل الدرزي المعتادين على الطقس القاسي، فقد أثارت شكوكهم الحركة حول هذه المنازل الفخمة التي يأتي إليها سكانها في فصل الصيف فقط. فما كان منهم إلا أن أبلغوا السلطات التي أرسلت إلى المكان أربعة عناصر امن قتلوا فور وصولهم. على الأثر، اندلعت معارك عنيفة انتهت بمقتل ثمانية مقاتلين معارضين على رأسهم قائدهم خلدون زين الدين، وهو ضابط درزي منشق كان يعرف جيداً جغرافية المنطقة، وفق ما أفاد مسؤول في المحافظة. وذكر ناشطون معارضون أن زين الدين هو أول ضابط درزي انشق عن الجيش بعد شهور من بدء الانتفاضة «للانضمام إلى الثورة». وأخرج هذا الحادث إلى العلن الحرب الكامنة بين محافظة درعا التي شكلت «مهد الثورة»، ومعها سهل حوران من جهة، والسويداء التي انطلقت منها الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش ضد الانتداب الفرنسي بين 1925 و1927. في 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كان حوالى 300 مقاتل معارض هاجموا مركزاً للجيش في مجيمر على بعد 16 كلم جنوب غربي السويداء. ويقول الضابط في الجيش السوري أبو رائد لوكالة «فرانس برس» وهو يشير إلى مكان صخري في ارض ذات تربة حمراء، «هنا قتل محمد جراد، شقيق زوجة أبو مصعب الزرقاوي، قائد تنظيم القاعدة في العراق». ويضيف «كان يطلق النار من رشاش من طراز بي كاي سي عندما أرديناه مع عشرين إرهابياً آخرين». وكان التيار السلفي الجهادي في الأردن أعلن في 17 كانون الثاني (يناير) مقتل عنصرين من التيار ضمن صفوف جبهة «النصرة» الإسلامية المتطرفة، أحدهما محمد جراد (22 سنة). كل أسبوع، يُسجل حادث أو مواجهة مسلحة في السويداء. في أيار (مايو) وحزيران (يونيو)، تم خطف موظفين دروز في درعا، فرد سكان السويداء بعملية مماثلة استهدفت سنة من درعا. وعلى رغم وجود حوالى تسعة آلاف نازح من درعا في محافظة السويداء، فإن العلاقات بين المنطقتين تتسم بالحذر الشديد وانعدام الثقة. ويقول جهاد الأطرش من منزله في عرى «خطف المسلحون أخيراً حوالى عشرين شخصاً من قرى درزية. إننا حالياً في وضع استنفار في 18 قرية حدودية مع محافظة درعا. رجالنا مسلحون يقومون بدوريات ليلاً ونهاراً للحؤول دون تكرار هذا الأمر». وخطف جهاد الأطرش، وهو حفيد الأمير حسن الأطرش، قبل مدة على ايدي عناصر من جبهة «النصرة» لمدة ثلاث ساعات قبل أن يتم الإفراج عنه. إلا أن الأطرش يؤكد على رغم ذلك حسن الجوار مع سكان درعا «الذين نقيم معهم علاقات تاريخية»، مشيراً إلى أن «الخوف هو من النصرة التي نحن على أهبة الاستعداد لصد هجماتها علينا». ولا يزال الجزء الأكبر من سكان السويداء يدين بالولاء لنظام الرئيس بشار الأسد. ويقول شيخ عقل الدروز حكمت الهجري «على رغم الأزمة التي تمر بها البلاد، لا نزال نؤمن بالدولة والقانون. نحن ضد الفوضى ومع العدالة. نحن ضد المجموعات المتطرفة التي تريد خرق الأمن. نحن مع الحوار الوطني» الذي يدعو إليه الأسد. ويضيف في منزله في بلدة قنوات حيث علقت صورة لبشار الأسد «خلال السنوات العشر الأخيرة، نجحنا في تعميق علاقاتنا مع المجتمع الدرعاوي، لكن للأسف، بسبب الأحداث الجارية والفوضى القائمة، تمت إزاحة أعيان المحافظة المجاورة التي كنا على اتصال بهم، وفقدوا نفوذهم».