كثر الحديث عن هجمات المحتسبين ضد انضمام المرأة إلى مجلس الشورى، وضد بيع المرأة في محال الملابس الداخلية النسائية، ثم ضد عملها محاسبة صندوق في مراكز البيع التجارية، وضد عملها في الصيدلية، ثم منعت طفلة تغني في مهرجان تسويقي لأنها مثيرة للفتنة. كل هذه المواقف قد تفسرها لنا بعض أحاديث «تيار اللاوعي الديني» المسؤول عن تربية الخوف في عقول الناس، فقد ظهر أخيراً في برنامج إرشادي داعية يحث على أن يغطي الوالدان وجه الطفلة ولو لم تكن قد أدركت سن البلوغ. فمن وجهة نظره «قد يمتلك جسد الطفلة علامات جمال، مثل أن تكون ذات بسطة في الجسم أو بدانة»، ثم يقول: «إن هذه العلامات في جسد الطفلة هي سبب حوادث التحرش بالأطفال داخل المنزل من أقاربهن من الدرجة الأولى»، ما الحل إذاً: قانون صارم للتحرش الجنسي، توعية مدرسية وإعلامية، وضع خط هاتفي ساخن للإبلاغ عن حالات التحرش، فتح مراكز متخصصة لعلاج ضحايا التحرش، حث المحاكم على نزع الولاية من المتحرش وتأمين بيئة آمنة للأطفال؟ لا. الحل هو تغطية وجه الطفلة، ولا أدري كيف يقول الشيخ إن الطفلة تتعرض للتحرش الجنسي داخل المنزل من قريب لا تغطي وجهها عنه، ثم يطالب بتغطيتها إذا خرجت من المنزل، ولعل هذا يذكرنا بالشيخ الذي نصح فتاة تحرش بها والدها بألا تختلي بأبيها ولا تلبس ثياباً شفافة أمامه، لأن «الأب في النهاية شاب». بهذه النصائح نكون قد سددنا الطريق أمام كل شاذ، لا بعلاج الشذوذ بل بكنس كل ما يستثيره، ونكون في النهاية قد فصّلنا مجتمعنا على مقاس التفكير الشاذ لا على مقاس الحياة الطبيعية الآمنة، التي تضمن كرامة الناس وحقوقهم وتنميتهم وسلامتهم. هذه النصائح من دعاة شباب تزعم أنها الأقرب لفهم نفسية الآباء المتحرشين، وتساهم في توجيه الرأي العام، ومع الوقت تتراكم أمام الناس نصائح وإرشادات تؤكد أن المسؤول عن الأخطار والفتن هي المرأة، فماذا نفعل بها، نخفيها، لا يكفيها. ومثل طرق محاربة قشرة الرأس المزعجة، نسعى لإلغائها من الوجود، نمنعها من الظهور في الأماكن العامة، ومن العمل في المراكز التجارية والمحال والصيدليات والمحكمة، ومن مجلس الشورى، كما نمنعهن من لعب الرياضة ونرتاح. لكن ماذا عن أسماء النساء، ماذا لو أن أسماءهن حملت أيضاً علامات إغراء؟ ماذا لو اكتشف داعية جديد أن اسم عواطف مثير للعواطف؟ وأن اسم فاتن مثير للفتنة، وأن اسم جميلة مثير للشهوة، كما أن اسم لطيفة غير محتشم، واسم بسمة متهتك. ونحن علينا دائماً أن نحتاط، والحيطة في هذا الأمر تحديداً ضرورة. قد يتوجب علينا أن نلغي الأسماء الأنثوية ونكتفي بالأرقام، ومثلما سمينا مدارس البنات بالأولى والثانية والثالثة، نسمي أيضاً الفتيات كي نبقيهن خارج إثارة الشبهات والشهوات، فأولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة أسماء ليس لها من دلالة ولا إغراء، لكن ماذا لو قامت بعض الفتيات المراهقات بحركة متهورة، ووفق سنن التجديد الشبابي فاكتفين برسم أسمائهن رقماً وليس حرفاً؟ ماذا يمكن أن يثير رسم رقم أربعة «المعووج» أو خمسة المدور البدين، أو تسعة الذي يغمز بعين؟ أنا شخصياً لا أضمن لكم ماذا سيحدث، لنقل: «الله يستر من طيش النساء». [email protected]