لم يكن مفاجئاً أن تتناقل وسائل الإعلام المحلية في العراق خبر انتحار أحد أشهر مشجعي المنتخب العراقي لكرة القدم في محافظة الأنبار بعد دقائق قليلة من خسارة الفريق العراقي أمام الإمارات في دوري «خليجي 21»، في 25 كانون الثاني (يناير) الجاري. إياد عطا الله (24 سنة) شنق نفسه داخل غرفته بعد متابعته المباراة التي انتهت بخسارة المنتخب العراقي أمام المنتخب الإماراتي وتم نقل جثته إلى مركز الشرطة القريب من منزله بتحفظ شديد. تشجيع كرة القدم يكاد يكون هوساً ملازماً للشباب العراقي، ففي اليوم الذي يلعب فيه المنتخب الوطني أو أحد الفرق الشهيرة التي تحظى بشعبية لدى الشباب في العراق مثل ريال مدريد وبرشلونة، تغلق جميع المحال التجارية أبوابها وتبدو شوارع بغداد فارغة من المارّة والسيارات. ذلك أن الهوس بكرة القدم لا يقتصر على الضحية إياد بل يمتد إلى ملايين الشباب العراقيين الشغوفين بهذه اللعبة والذين لا يتقبلون الخسارة بسهولة، حتى أن أمانة بغداد أنشأت عشرات الملاعب الصغيرة في المدينة عوضاً عن الملاعب التي أنشأها الشباب أنفسهم بجهود ذاتية. كثرة الفرق الشعبية الصغيرة في المناطق تكشف هي الأخرى عن انتشار الهوس بكرة القدم بين الشباب العراقيين، إذ تملك مدينة بغداد وحدها عشرات الفرق الشعبية المناطقية التي تخوض مباريات مشتركة داخل الأحياء السكنية فضلاً عن الفرق المحلية في المدينة. ضحايا بعد كل مباراة المشكلة الأكبر في قضية تشجيع كرة القدم عند الشباب تكمن في ممارسات تتسبب في سقوط ضحايا بعد كل مباراة، ومنها إطلاق العيارات النارية، والتحذيرات التي تطلقها الأجهزة الأمنية عشية كل مباراة تذهب جميعها أدراج الرياح. وبمجرد فوز الفريق تنطلق فوهات البنادق بوابل من الرصاص في سماء بغداد وبشكل عشوائي لتصيب العشرات بجروح وتسقط بعض الضحايا المتواجدين في الشوارع أو تخترق منازل بعض الأهالي في الكثير من الأحيان. قصص سقوط الضحايا يتناقلها الأهالي في اليوم التالي للاحتفال، أما السيطرة على هذه الظاهرة فليست أمراً سهلاً في الظرف الحالي رغم المحاولات. السكون الذي يخيّم على شوارع بغداد طوال مدة عرض المباريات على الفضائيات ينتهي بعد انتهائها باحتفالات شبابية تبدأ بإطلاق النار وتنتهي بزفات وسط الشوارع وسط عجز الأجهزة الأمنية عن إيقاف الأمر، وعلى رغم أن ظاهرة الاحتفال في الشوارع تبدو مألوفة في الكثير من دول العالم لكن احتفال الشباب بإطلاق النار في الهواء وإسقاط الضحايا واستخفافهم بحياة الناس باتت أمراً متكرراً لم تتمكن وزارة الداخلية العراقية أو الأجهزة الأمنية الأخرى من السيطرة عليه. وعلى رغم إنكار كثيرين امتلاكهم أي نوع من الأسلحة أثناء المداهمات التي تقوم بها القوات الأمنية في شكل مفاجئ على المنازل في بغداد، تظهر تلك الأسلحة غالباً عند فوز المنتخب الوطني العراقي أو أي فريق آخر يشجعه الشباب العراقيون. الأجهزة الأمنية تستثمر المناسبة في الكثير من الأحيان للقيام بعمليات تفتيش مفاجئة بعد ساعات من فوز المنتخب وتصادر الأسلحة التي تم استخدامها في إطلاق العيارات النارية، لكن تلك الإجراءات باتت مكشوفة للجميع ولم تعد تنفع. تشجيع كرة القدم لدى الشباب العراقي يرقى إلى الهوس القريب من الجنون الذي يبيح استخدام كل شيء لحظة الفوز من دون الالتفات إلى النتائج السلبية لبعض ممارسات المشجعين على الأهالي الذين يطمحون بدورهم باحتفالات أكثر تحضراً وأقل ضرراً بحياتهم.