لم تكن الشخصية المريضة (فضة - لجين) من ابتكارات القاصة والروائية فاطمة عبدالحميد في روايتها الأولى «حافة الفضة»، الصادرة حديثاً عن دار طوى في ما يقارب 190 صفحة، وحمل غلافها لوحة للفنان الإيطالي بيكاسو، وإنما جاءت الشخصية المزدوجة من أرض الواقع من عالمنا، إذ التعدد في الشخصيات، الملامح المستعارة، والوجوه الكثيرة التي نمارسها. في هذا الزمن الصعب قلما نجد ملامح متماسكة حتى هذه اللحظة بلغة سردية ماتعة تنمّ عن شاعرية وذائقة رائعة. فضة - لجين، اسمان مترادفان، فهما وجهان لشخصية واحدة، عانت فضة في صغرها من خالها المنتهك لطفولتها، مما نمت لديها شخصية شبقة وهي «لجين»، الذي هو اسمها في الإنترنت، إذ عقدت زواجها الإنترنتي بأحد الشخصيات من مصر، ترسل له صورها وهي في حالها الشبقة المسرفة، وتمّ اكتشافها من أخواتها وأبيها. وهنا تدخل في مرحلة أخرى من التصعيد الدرامي للحدث، ويتمّ اتهامها بأن هذه الشخصية الأخرى هي «جنية»، لم تتوانَ في تعكير صفو العائلة وتلطيخ سمعتها الناصعة، وبعد تضافر الجهود من أخيها (عبدالله) المتعجرف، الذي قاد حملة شعواء عليها مع أبيها، فتمّ اقتراح أن تزور الشيخ «الراقي» ليتمّ استخراج الجنية من جسدها. وتشير هنا الرواية إلى نقطة مهمة، وهي تصرفات دعاة الرقية الشرعية وأعمالهم المخادعة وتسعى الرواية لكشفهم، بينما يتلو الشيخ الآيات القرآنية، يديه تسافران في جسد المريضة «فضة» لينتزع «لجين»، ومن التناقض العجيب أن والدها الذي أرهقها ضرباً كان مؤيداً، وراضخاً. وتشير الرواية إلى تعثر عقد قرانها في أكثر من محاولة، في إلماحة ذكية لما يعانيه المجتمع من قصور في الوعي، عندما تمردت عليه شخصية «لجين». وتنتقل الرواية إلى تشخيص المرض، إذ تحيل «فضة - لجين» إلى طبيب نفسي، ليتمّ الكشف عن المرض، وهو «اضطراب الهوية الفصامي»، وكيف تتمّ معالجتها تحت تكتم العائلة، لكيلا يعزف عنها الراغبون في الزواج، وترصد الرواية تنامي الشخصية وعلاجها في شكل علمي وتتابع الجلسات، وفي نهاية المطاف تتمّ خطبتها وزفها إلى زوجها المبتعث، لكن التكتم حول المرض، وتوقفها عن العلاج أودى بهذا الزواج إلى طلاقها مجدداً.