NHC توقع اتفاقيات وصفقات لتأمين سلاسل الإمداد ودعم توطين الصناعات بقيمة تتجاوز 5 مليارات ريال    الصين تلدغ البحرين بهدف قاتل وتحيي آمالها في تصفيات المونديال    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    كوريا الجنوبية تهزم الكويت بثلاثية    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    القبض على 3 إثيوبيين في نجران لتهريبهم 29,1 كجم "حشيش"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    وزير الإعلام يلتقي في بكين مديرَ مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    «محمد الحبيب العقارية» تدخل موسوعة غينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    أفراح النوب والجش    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجبير: غياب التنمية المتوازنة أوجد تخلفاً في البناء المدني
نشر في الحياة يوم 29 - 01 - 2013

الهندسة علم يمنحك الشكل والبعد, ويجعلك تعيد صياغة المشهد من حولك من خلال زاوية رؤية لا يراها أي أحد, وتعبر من خلالها لفضاءات لا حد لها..
المهندس فهد الجبير أمين الأحساء ورجل البلديات فيها يحاول من خلال علمه وتجربته أن يصنع عملاً مميزاً.. تعددت محطاته العملية وفي كل محطة يترك بصمة ويبدع أكثر..
في عمله يتجاوز العمل الميداني لصياغة الفكر داخل العمل، وهذا ما جعل نتاجاته تحفل بالكثير ولا تهرم بسرعة, قارئ جيد للمشهد التنموي حوله, يحاول أن يصوغ من الجمادات كائنات حية يحتاجها كل مواطن على هذه الأرض الطيبة..
له فلسفة واضحة في المدن وتطورها، ويتكئ على موروث علمي ورصيد تجارب عالمية يسعى من خلالها لتوظيف الصالح منها للحياة عندنا..
حوارنا اليوم مع رجل ميدان، لكن برؤى نعرف من خلالها أن التنمية للإنسان والمكان أساسها فكرة خلاقة يؤمن بها عقل واعٍ ..
تخرجت من ثانوية اليمامة.. واسمها يذكرنا باليمامة حاضرة نجد القاسية.. أي أحلامك للرياض، ولكن الواقع لا يكف عن وأدها مرة بعد مرة..؟
- اليمامة في الواقع اسم قديم لنجد حالياً، وهي موطن لمملكة كندة، كما أنها موطن زرقاء اليمامة وقصتها المشهورة، ونجد كما هو معروف عبارة عن هضبة صخرية تتسم بالقساوة إلى حد ما، إلا أنها تضم مدينة الرياض التي تعد واحدة من أسرع مدن العالم توسعاً، وهي من أكبر المدن العربية من ناحية المساحة، يقطنها أكثر من 5.2 مليون نسمة، ويتجاوزون سدس سكان المملكة، إذاً الرياض وفقاً لهذه الخصائص من المدن التي تفرض على المسؤولين فيها مواجهة الكثير من التحديات التنموية التي عليهم معالجتها وإنجازها في أوقات قياسية، لتتمكن من ضبط إيقاعات هذا التوسع، والحدّ من تأثيراته السلبية.
لقد عشت في الرياض أيام الشباب، أي منذ مرحلة الدراسة المتوسطة، إذ كان عمري 13 عاماً، وحتى بلغت 34 عاماً، وهي المرحلة الأولى من حياتي المهنية، وهي من أحب المدن إليَّ.
فترة ولادتك ونشأتك كانت فترة المخاضات القومية والفكرية.. كيف كان إبحارك في خضمها؟
- يواجه كل فرد في طريقه لتحصيل معارفه وتكوين ثقافته العديد من الاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة، وقد يثير البعض منها الاهتمام فيتم التوقف عندها لمزيد من البحث والاطلاع، وقد لا يثير البعض الآخر أي اهتمام، وأنا كغيري في تلك المرحلة شاهدنا فصولاً من هذه المخاضات الفكرية، ولكنها لم تتجاوز - بالنسبة لي - كونها أحداثاً تجري من حولنا، ولم يحدث أن أبحرت في بحورها، وأنا الآن أحمد الله على ذلك، لأن الأيام أثبتت ضعف وزيف البنية الفكرية لمعظمها إن لم نقل كلها.
البيئة السعودية
هل ترى البيئة السعودية متشبعة فكرياً، ولكن بلا مظلات واضحة ومعلنة؟
- لا يمكن الجزم بهذا القول على إطلاقه، نعم توجد اتجاهات فكرية وثقافية مختلفة كما هو الحال في كل المجتمعات، ولكن مقدار ظهورها في مجتمع إسلامي محافظ كمجتمعنا أقل من غيره، والسبب أن حال تهميش وإقصاء الآخر، وإسقاطه فكرياً وثقافياً أقوى وأشد مما هو موجود لدى غيرنا، ولذلك تجد رموزاً في مثل هذه الاتجاهات الفكرية يميلون إلى الانزواء وعدم الظهور، بسبب ما يمكن أن يواجهوه، ويسبب لهم تهميشاً اجتماعياً، إننا ما زلنا بحاجة إلى مستوى أكبر وأوسع من التفهم والتسامح حتى نفسح المجال أمام الإبداع الفكري والثقافي للنمو والظهور بكل تنوعاته ورموزه، ما لم يكن منافياً للإسلام والذوق السليم.
هل القبول بالأفكار الجديدة من الآخر في المقابل تفريط بأفكارك؟
- لا، إن القبول بالأفكار الجديدة من الآخر يعني أمرين، أحدهما المرونة والقابلية على التجدد والتكيف مع مستجدات ومتغيرات الحياة وتطوراتها التي يكتسبها الفرد من خلال تفاعله معها ومع غيره، والتي تعمل على إنضاج تجاربه ومعارفه، والأمر الآخر هو احترام الآخر والاعتراف بحقه في أن تكون له رؤيته وفكره اللذان يعبران عن شخصيته وثقافته التي قد تكون مختلفة، إن هذا التنوّع والتسليم به، هو في الحقيقة مصدر ثراء ثقافي للمجتمع والذي بدوره يعزز التغير الإيجابي نحو الأفضل. إن جمود الفرد واعتداده برؤيته والوقوف عند ثقافته الذاتية لا يؤدي إلى شيء غير مزيد من التخلف، الذي طالما اتصفت به مجتمعاتنا في عصورنا المتأخرة، إن الأفكار الجديدة ليست بالضرورة قرينة للسوء والشر حتى يتم رفضها ومقاومتها، إنها ببساطة جزء من التطور والتجدد الإنساني، وعلينا أن نكون عقلانيين في التعامل معها.
يقال إن التاريخ يعيد نفسه، لأن الجغرافيا لا تتبدل، هل هذه العبارة صحيحة؟
- المجتمعات البشرية يمكن مقارنتها بالإنسان ككائن حي يخضع في نموه ومعارفه لسنن فطرية وكونية ثابتة، بمعنى أنه متى ما اجتمعت وتوافرت شرائط ومقدمات محددة أدت بالضرورة إلى نتائجها المرتبطة بها، إن ذلك من المسلمات التي أشار إليها الكثير من العلماء والباحثون الاجتماعيون، وهي تنطبق على الجميع بغض النظر عن البعد الديني، بمعنى أن من يأخذ بالأسباب سيجني الثمار، والثقافة هي نتاج تفاعلات إنسانية قابلة للتكرار زمانياً، مع توافر الشروط نفسها. صحيح أن المكان بما يمتلكه ويتميز به من مقومات بيئية وجغرافية يفرز سمات وخصائص تنعكس على المجتمع نفسه، فالمدينة الساحلية تختلف عن المدينة الجبلية، وهي تختلف بدورها عن المدينة الزراعية، ولكن المدن ذات التشابه المكاني تتشابه أيضاً في ثقافتها وأسلوب حياة مجتمعاتها. إن تجارب المجتمعات قابلة للتكرار والاستنساخ، وهو ما يستدعي منا التفكر والاعتبار في مسيرتنا نحو التقدم والرقي، وذلك لتجنب السلبيات التي تؤدي بنا نحو التخلف والجمود.
المجالس البلدية
المجالس البلدية.. كيف تقوّم التجربة وهل من رؤية تفاعلية أكثر لها ؟
- المجالس البلدية مثلت إضافة نوعية للجهاز البلدي، تستهدف ترشيد القرار وتفعيل دور المجتمع في المشاركة في إدارة التنمية المحلية، ونجاح المجالس البلدية يرتبط في الواقع بكفاءة وفاعلية أعضائه بالدرجة الأولى – من دون إغفال الجوانب الأخرى كالتي تتعلق بنظامه وطريقة عمله وغير ذلك – وحيث أن التجربة ما زالت في بداياتها، فقد يكون من المجازفة إطلاق حكم في شأنها، لأنه سيكون بعيداً عن الموضوعية، وهي ما زالت تحضى باهتمام ورعاية حكومتنا الرشيدة لتطوير وإنضاج هذه التجربة، إذ شهدت وتشهد قرارات حكيمة، وكان آخرها إشراك المرأة، ونحن بانتظار صدور أنظمة جديدة للمجالس البلدية تمّ تطويرها، وجارٍ وضع اللمسات النهائية لإقرارها.
إنني متفائل حيال تنامي الدور الإيجابي لهذه المجالس، وبخاصة من خلال ما شهدته من تجربة المجلس البلدي في أمانة الأحساء.
تداخل الصلاحيات بين الأمانات و وزارات أخرى، ألا يبقي الأمور معلقة؟
- يحدث أحيانا أن تتداخل بعض الصلاحيات بين الأمانة وأجهزة حكومية أخرى، ويؤدي ذلك إلى إرباك الأداء وتعطيل أو تأخير بعض المنجزات، والحقيقة التي تجب مواجهتها، أنه طالما أن قطاع الخدمات والمرافق والبنية الأساسية يدار من جهات حكومية عدة، وتخضع إدارياً لوزارات مختلفة، والتي بدورها لها خطط وبرامج ذات أولويات مختلفة، فإن إمكان التصادم والتعارض وارد بقوة، بل إنها تحدث أحياناً وتكون كلفتها المادية والاجتماعية عالية جداً، وهو ما يستدعي التفكير جدياً، بوضع هذه الخدمات والمرافق تحت مظلة واحدة، ليتم تنفيذها في إطار إداري واحد يقلل الجهد والمال، ويمكن التنويه بتجربة شركة أرامكو التي قامت بتطوير المدن والأحياء الخاضعة لإدارتها، باعتبارها خير شاهد على مدى نجاح المظلة الواحدة في إدارة مشاريع البنية الأساسية ومرافق المدن، فنحن نجد أن من يقوم بتنفيذ هذه المشاريع هم ذات المقاولين في الغالب، ولكن النجاح والإنجاز لدى «أرامكو» أفضل منه في القطاع الحكومي، طبعاً لا يمكن إغفال حجم الجهاز الفني والإداري الذي تمتلكه «أرامكو»، وتخصصه للإشراف على هذه المشاريع مقارنة بجهاز الأمانة.
قضيت خمسة أعوام مديراً لمركز «المعيقلية» التجاري، ومنطقة قصر الحكم.. وسط الرياض النابض بعبق الماضي.. كيف لنا أن نبني مثلها في بقية البلاد؟ وكيف لنا أن نطورها ولا تبقى في برواز من الطين، لا سيما وأن الضوء مرّ بها ذات يوم؟
- التراث وبخاصة العمراني منه يمثل - بما يتضمنه من خلاصات لتجارب الماضي - عمقنا الثقافي في الماضي البعيد الذي نتغنى بذكراه، ونعتز باستحضاره في واقعنا، ولا شك أن أهميته تتمحور في بعدين، أحدهما البعد العاطفي الذي يلامس زمن الآباء والأجداد، وبقيت منه بقية في الذاكرة نحنُّ إليها بين الحين والآخر، والبعد الآخر ثقافي يحكي تطور مجتمعنا وثقافتنا من جيل لآخر، وأنا شخصياً عاصرت هذا الأمر في تجربتي مع مركز المعيقلية التجاري، ومنطقة قصر الحكم، والذي أعتبره مبعث فخر واعتزاز لي شخصياً كمواطن من أهل تلك الديار، وأنا مسؤول أشجع وأدعو لاستحضار التراث في واقعنا لأهميته العاطفية والسياحية، ولا شك أن كل منطقة لها سماتها الثقافية المحلية التي تتميز بها، وأظن أن تجربة مهرجان الجنادرية حققت نجاحات استثنائية وفريدة في توجيه الاهتمام بتراثنا، أما عن تطويره ليكون جزءاً من واقعنا فذلك من التحديات الكبيرة التي أدعو وأشجع أصحاب الاختصاص لتطوير هذه الفكرة، ولنا في تجربة إعادة بناء «القيصرية» كسوق تراثي، وكذلك تأهيل قصر إبراهيم لإقامة بعض المناسبات والمهرجانات التراثية السنوية، خير مثال على نجاح هذا التوجه.
المدينة السعودية
المدينة السعودية تنمو بسرعة لكنها لا تتطور.. كيف تعلق على ذلك؟
- نمو المدينة يعني توسع المدينة مكانياً وعمرانياً في الاتجاهين الرأسي والأفقي، وهذا يحدث بصورة طبيعية كنتيجة للنمو السكاني وما يستلزمه ذلك من بناء المرافق، وتوفير الخدمات اللازمة لذلك، أما التطور فيتعلق بأن يكون هذا النمو في الاتجاه المخطط له، ومن خلال توفير بنية أساسية ذات كفاءة عالية وأداء ناجح، وبحيث تتم معالجة مشكلات التنمية أولاً بأول، ووفق خطط وبرامج مدروسة، فمثلاً يتطلب نمو المدينة توفير شبكات طرق ونقل وشبكات صرف صحي ومياه وما شابه، فإذا تم التخطيط لها لتستوعب النمو مستقبلاً بكفاءة عالية، وتم تمويلها وتنفيذها في الوقت المناسب، أمكن إيجاد مدينة ذات قابلية عالية للتطور، وإذا تمّ دعم ذلك بضوابط تنموية وسياسات استقطاب فعالة للاستثمار، أمكن الوصول إلى مدينة متطورة قابلة للنمو والتجدد المستمر.
إننا بحاجة إلى خطط مستقبلية واضحة، وبرامج تنموية فعالة، وتمويل مستمر وسياسات تنموية، تستقطب وتشجع الاستثمار، ويدير كل ذلك جهاز إداري منضبط ومنفتح على التطورات من حوله، ونحن لا نجافي الحقيقة حينما نقول إن المدن السعودية تتطور باطراد وبوتيرة عالية، صحيح أنه قد يثار إشكال حول غياب التنمية المتوازنة، وتأثير ذلك على التوزيع السكاني بين المدن، ما يؤدي إلى خلل في توفير الخدمات والمرافق، ولكن ذلك من نتائج النمو السريع الذي واجهته جميع الدول المتطورة.
إن العمر الزمني لمدننا مازال قصيراً، والتنمية الحقيقية تستهدف العمران والإنسان في الوقت ذاته، إننا حينما نستهدف بناء الإنسان - الذي يعد العنصر الأساس في منظومة التطور - فسنكون وضعنا الأساس السليم لتنمية عمرانية مستدامة تحقق أحلامنا وتطلعاتنا.
يقول أرسطو: «لا يجب الخلط بين المدينة العظيمة وبين المدينة العامرة بالسكان».. هل تراه يتحدث عن مدن بلادنا؟
- إن كان ما يعنيه أرسطو في كلماته الجانب التنموي للمدينة، فهو نفسه ما تمت الإشارة إليه حول النمو والتطور، وإن كنت أظن أن هناك أبعاداً أخرى لكلمة أرسطو تتعلق بالتنمية الاجتماعية والثقافية، أما إسقاط مثل هذا القول على مدن بلادنا، فأنا أولاً أتحفظ على إطلاق العبارات وتعميمها كما هو الحال هنا، وثانياً لدينا العديد من المدن الكبيرة والتي تصنف ضمن المدن الكبيرة عالمياً، وقد حظيت باهتمام كبير مما جعلها تحتضن مشاريع تنموية عملاقة ومميزة، ولكن هل يمكن القول إنها قد حققت أهدافها وتطلعات أهلها.. أعتقد أن التطلعات مازالت كبيرة، وأرجع لأؤكد ما أشرت إليه آنفاً من أن بناء الإنسان كعنصر أساس في التنمية هو ما سيرتقي بالأمة إلى المعالي.
العمارة وبناء المدن متعلقتان بالمكان أولاً.. أيهما يليق بنا، الطابع الشرقي التراثي أم التطور الغربي؟
- الإصرار على وضع حدود صارمة بين الشرق والغرب في ظل طغيان العولمة وتداخل الثقافات الإنسانية لم يعد موضوعياً.. وسائل النقل والأزياء والمأكولات وغيرها، أصبحت متشابهة إلى حد كبير، وبالتالي لم يعد ممكناً في ظل التقنيات المتقدمة، الحديث في هذا العصر عن عمارة شرقية وغربية، فتقنيات البناء وعلومه ومواده أصبحت تخضع المبادئ نفسها في كل مكان، ونمط الحياة المعاصرة فرض شروطه علينا في كل شيء، بما في ذلك بيوتنا وعماراتنا.. طبعاً لا يمكن تجاهل أو نكران وجود العمارة الشرقية، ولكن هل هي قابلة للحياة في هذه الأيام بحسب ما عرفناه عنها؟ أم أنها خضعت للتهجين وفقاً للتقنيات الحديثة.. إذا أنا أتحفظ على القبول بهذا المنطق.. قد تكون لنا عمارة شرقية نتغنى بها ونستمتع بدرسها في الكتب والمتاحف، ولكن لم يعد بالإمكان استنساخها حرفياً كما كانت، فالتقنيات المعاصرة همشتها جانباً، ولكن يمكن اقتباس العناصر المميزة والحلول المناخية الناجعة، وإعادة تطويرها لتتناسب والنمط العمراني المعاصر.
كل مدن العالم تعتمد الضواحي أسلوب معيشة يدعم المدينة ذات الخط السياسي والخدماتي.. لماذا كل مدننا تحتضن المدرسة والوزارة والمرافق العامة ولا تتنفس بالضاحية؟
- الضواحي هي الأحياء السكنية التي تقع في أطراف المدينة، وتتميز بكونها أحياء ذات كثافات سكنية منخفضة (لا تتجاوز دورين) وهي تقتصر على الاستخدام السكني، وما يتطلبه من مرافق مساندة كالمدارس و المستوصفات وما شابه، وظهرت الضواحي لأول مرة على نطاق واسع في نهاية القرن ال19 وبداية القرن ال20 في المدن الصناعية، نتيجة تطور سكك الحديد والنقل البري الذي عزز وسهّل حركة التنقل لمسافات أبعد وأسرع من وسط المدينة إلى أطرافها.
ونحن في مدننا الكبيرة كالرياض وجدة وكذلك الأحساء لدينا الضواحي، ولكن ما نختلف فيه عن غيرنا هو السياسة التخطيطية المتبعة، إذ إننا نسمح تخطيطياً في الغالب بظهور الاستخدام التجاري الشريطي في الضواحي، أي على امتداد بعض الشوارع الشريانية ثم ما تلبث أن تتمدد عشوائياً، أي دون ضوابط صارمة، ومن ثم يبدأ الضغط بالمطالبة بمزيد من الأدوار الإضافية، وهو ما يرفع الكثافات السكانية فيها، وفي الوقت ذاته لا يتواكب نمو الضواحي مع سرعة توفير الخدمات المساندة، وهنا تبقى الضاحية عاجزة عن أداء دورها التخطيطي المستهدف.
الصين والمدن والفراغات
لا بد من الفراغات العامة في كل مدينة لتكون لها حياة.. لماذا فراغات مدننا مختلفة؟
تبلغ المساحات المفتوحة في المدن الحديثة بين 30 و40 في المئة منها، وهي الأراضي المخصصة للشوارع ومواقف السيارات والحدائق والملاعب وما شابه، وهي التي تستخدم للنقل والترفيه، وبذلك تمثل جزءاً مهما من بيئة المدن، وتجب ملاحظة العديد من العناصر المهمة في تصميمها وإنشائها كالمواد والألوان والتظليل، كما تجب مراعاة العلاقة بين ارتفاع المباني وعرض الشوارع وتصميمها والأماكن المفتوحة.
وحيث أنها تمثل فراغات ضمن منظومة المدينة، فهي قد لا تحظى بالاهتمام المطلوب، أو أنها تمنح أولوية متأخرة ضمن جدولة وتنفيذ المشاريع، والحقيقة أن عدم الاهتمام بها كما ينبغي، هو ما يجعلها بحسب ما وصفت من أنها مختلفة أو غير جذابة، وأنا في الوقت الذي أؤكد على أهمية التخطيط لها وحسن تصميمها وتنفيذها، وأن تمنح الأولوية نفسها كغيرها من المشاريع الأخرى في المدينة، إلا أن العقد السابق الذي عانت فيه مدننا، بل وموارد الدولة، من تراجع كبير قد يوجد بعض العذر في ذلك.
حضرت في الصين منتدى حول الصحراء والاقتصاد الجديد.. أي حيتان البحر ننتظرها من المارد الصيني في صحرائنا؟
- الصين ثاني أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، ومن القضايا المهمة التي تعاني منها هي التصحر وتوسع الصحارى بسبب الجفاف المديد، والممارسات الزراعية السيئة التي أدت إلى ظهور عواصف ترابية يعاني منها شمال الصين كل ربيع، وتخسر الصين مليون فدان سنوياً بسبب التصحر، و أصبح التحكم بالمياه وتآكل التربة ومكافحة التلوث قضايا مهمة لدى الصين مع البلدان الأخرى، وحيث أن الصين تشهد نمواً كبيراً في الاقتصاد التقنيات والبحوث العلمية، فإنه من الطبيعي أن تولى ظاهرة التصحر اهتماماً كبيراً، لما لذلك من أهمية على سلامة بيئتها واقتصادياتها.
إننا بلد صحراوي تشكل الصحارى الرملية لدينا أكثر من ثلث مساحة البلاد، وبالتالي فقضايا ومشكلات التصحر متشابهة، وتمثل لنا بحوث الصحراء أهمية كبيرة، وقد تكون الصين واحدة من المصادر العلمية التي قد تسهم في فهمنا ومعالجتنا لقضايا التصحر، وما يتعلق بالبيئة الصحراوية.
ملامح القرية
من المسؤول عن طمس ملامح القرية في بلادنا؟
- تعد القرية من الناحية الوظيفية مركز استيطان النشاط الزراعي والرعوي بالدرجة الأولى، وبالتالي فمعظم سكانها يمتهنون هذه الأنشطة، والتي تتسم غالباً بالبساطة، أما عن الخصائص الاجتماعية لهؤلاء السكان فيتميزون بالعلاقة الحميمة المباشرة في ما بينهم، وقوة التواصل والانسجام على المستوى الشخصي، ولكن الذي حدث هو هجرة السكان من القرية نحو المدينة، بحثاً عن وظائف أكثر دخلاً وحياة أكثر رفاهية، وفقدت مهن الزراعة والرعي جاذبيتها للأجيال الناشئة بسبب قساوتها وضعف مواردها، فأفرغت القرى من سكانها تبعاً لذلك، وفقدت كل خصائصها التي عرفت بها، أما عن المسؤول عن ذلك فقد يكون غياب التنمية المتوازنة في فترة زمنية سابقة، إذ إن معظم المشاريع التنموية وجهت للمدينة والأنشطة الاقتصادية ذات المردود الاقتصادي الأعلى، والحقيقة أن هذه الحال تمثل تحدياً لجميع الدول والمجتمعات حتى أن الأمم المتحدة طوّرت برامج كبيرة لمعالجة تحديات الحياة الريفية في القرية.
تملك الإحساء تاريخاً ثرياً.. كانت به حاضرة اليوم والزمان في سالف العصور.. لماذا لم تكن هذه الخلفية مرتكزاً تعتمد عليه الأمانة في التعامل مع الإحساء؟
- الأحساء كما هو معروف من مناطق التجمع العمراني القديمة في جزيرة العرب التي اشتهرت بالزراعة والتجارة، وقد عرف عنها الثراء الكبير وعدد السكان الكبير في العصور المتقدمة، حتى أنها قد صنفت في مجلة «يو اس نيوز آند وورلد ريبورت» الأسبوعية في عددها بتاريخ 16-23 آب (أغسطس) 1999، ضمن تعريفها لمدن العالم الرئيسة لعام 1000م، بأنها المدينة التاسعة عالمياً بعدد سكان يبلغ 110,000 نسمة، وقد جاءت بعد القاهرة وبغداد في العالم العربي، وعليه فليس مستغرباً أن تكون الأحساء ثرية بتراثها الثقافي والعمراني، وهي في الواقع مازالت تعد ركيزة مرجعية للثقافة الخليجية إجمالاً.
ومن يزور الأحساء يتلمس بسهولة الثراء الثقافي في العادات والسلوك والمنتجات والحرف، وهناك العديد من الجهود التي تتضافر من جهات عدة فهناك - على سبيل المثال - الهيئة العامة للسياحة والآثار وأمانة الإحساء يعملان جنباً إلى جنب لإبراز هذا التراث والمحافظة عليه والتعريف به.
كما يجب التنويه بأن الأحساء تعتبر أكبر واحة نخيل في العالم، وهي تحتضن أكبر حقل نفط في العالم وهو الغوار، ومثل هذه المرتكزات تشكل عناوين مهمة للبناء عليها في تنمية الأحساء.
ارتباط مصطلح الفساد بالأمانات والبلديات.. ألا يشعركم بتوتر معين؟
- طالما كنا نتعامل مع العامل البشري فيجب أن نتوقع الخطأ والتقصير والتساهل، فمستوى الأداء ليس ثابتاً لدى الجميع، بل وحتى لدى الفرد الواحد، فإن التذبذب ملحوظ بين الأداء العالي والمنخفض، وهو ما أدى إلى أن يضع خبراء الإدارة سياسة التحفيز بوسائل مادية ومعنوية لضمان بقاء الأداء في المستوى الأعلى، وجهاز البلديات ليس استثناءً، فمتى ما غفلنا عن التحفيز فيجب أن نتوقع ضعف الأداء بل والفساد لا سمح الله، والحقيقة أننا في الأمانة نعمل بكل ما هو متاح نظاماً لتحفيز الموظفين لدينا، من خلال منح الترقيات لمن يستحقها، والقضاء على ظاهرة الجمود التي قد يشكو منها البعض بسبب ضعف الفرص المتاحة، ولكن هذا لا ينفي وجود حالات محدودة ممن يعاني من ضعف النفس، فيقع في المحذور، وأنا أؤكد هنا ومن واقع الخبرة أن هؤلاء يقعون ضحية الجهل بالأنظمة أو الحماسة و الاندفاع من دون التنبه لما يجب مراعاته من تعليمات، والقليل جداً هو من يرتمي في الفساد عن سابق إصرار وتعمد.
التنمية في دبي.. وفي ماليزيا.. وفي الدوحة.. ما الذي عندهم وليس عندنا؟
- التنمية في المدن لها أكثر من بعد، فهناك التنمية العمرانية بما تمثله من مبان ومرافق مختلفة، وهناك التنمية الاقتصادية بما تشمله من أنشطة تجارية وصناعية وسياحية وزراعية ووظائف واتصالات، وهناك التنمية البشرية بما تمثله من مؤسسات تعليمية وتدريبية وثقافية، وهناك التنمية الإدارية والسياسية بما تمثله من أنظمة وتشريعات وقوانين، وحينما تتكامل أبعاد التنمية المختلفة في الاتجاه الإيجابي تتطور المدينة، وتنطلق كما هو ملموس في المدن التي أشرتَ إليها، بل قد لا يكون مناسباً أن نبخس مدننا حقها في التطور كما هو الحال في الرياض وجدة.
نملك المال والأرض والموارد البشرية، ولكن لا تزال مدننا خانقة حانقة.. ونغادرها ما وجدنا لذلك سبيلا.. لم ذلك؟
- إن كنت تعني الكثافة المرورية وزحام الطرقات، فذاك من سمات المدن الكبيرة، وليس هناك مناص من تقبل هذا الواقع، وإن كانت الجهود تبذل بتفاوت في النجاح لحلها، وإن كنت تقصد المرافق الترفيهية فذلك متعلق باستراتيجية التنمية لكل مدينة، فهناك المدن التي نتطور من منظور سياحي، وتستهدف جذب السياح وخدمتهم، فعند زيارة هذه المدن ستجد فيها الراحة أكثر من تلك المدن التي تقوم على الصناعة أو النقل وما شابه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.