أكثر جملة نسمعها ونحن نكبر «الناس إيش تقول علينا»... نكبر ويكبر الخوف من نظرة الناس، نفعل كل شيء لنيل رضا الناس، على رغم أننا سمعنا في مكان ما أن «إرضاء الناس غاية لا تدرك»، نتناساها سريعاً ونكرر بشكل يومي «كل زي الناس، البس زي الناس، امش زي الناس»، أصبحنا نسخاً مكررة من الناس حولنا حتى لو لم يعجبنا ما يأكلون أو يلبسون أو يعتقدون، يجب أن ننصهر جميعاً في القالب نفسه وإلا سنكون عرضة لألسنة الناس، ما جعل الأجيال الجديدة تقلد بدلاً من أن تبدع، فالخروج عن المألوف أمر غير محمود، ومن أراد أن يخالف الجماعة فعليه إما التكتم وكأنه يرتكب جريمة، أو عليه احتراف العيش حياتين، حياة ترضي الناس وحياة ترضيه، وفي الحالتين لن تجده سعيداًًَ طالما يعيش الازدواجية والنفاق الاجتماعي. في مجتمعاتنا العربية الحياة الروتينية والمملة صنعت «بعبع» كلام الناس، فالكل مشغول في مراقبة الكل إلا نفسه، وأكثر من ينشغل في الآخرين هم أصحاب الحياة الخالية من العمل أو الإنجاز. ستشعر بذلك عند أول احتكاك لك مع العالم الخارجي، تخبرني صديقتي الأوروبية عن انزعاجها من «تحديق» الآخرين، وحتى النساء عند خروجهن للتسوق، في العالم المتقدم يعتبر التحديق في الآخرين من سوء الأدب، أخبرتها أن التحديق عندنا رياضة يمارسها الجميع حتى على بني جنسه، ولا علاقة بكونها أوروبية أو موزمبيقية، هي فقط أحد مظاهر الانشغال بالآخر، حتى أننا عندما نسافر للخارج نتحاشى الوجود في أماكن بني قومنا لنسلم من سهام النظرات الحشرية. لكن هل أوقف يوماً هاجس الخوف من «كلام الناس» كلامهم؟ هل حرصنا على إرضاء الناس على حساب راحتنا وسعادتنا أخرس ألسنتهم؟ لماذا كل هذا الخوف من نظرة الناس لو اختلفنا عنهم؟ هل كان لكلام الناس كل هذا التأثير لو لم نضخم الموضوع ونعط كلامهم أكبر من حجمه؟ هل سيمد لنا من نستميت في إرضائهم يد المساعدة إذا وقعنا في أزمة، أم سيكونون أول من يدير ظهره لنا هذا إذا لم يكونوا من الشامتين؟ هل يستحقون أن نعيش لهم وليس لنا؟ لماذا نقتل الإبداع وحب الاكتشاف وطرح الأسئلة خوفاً من أن نشذ عن الجماعة؟ تعيش صديقتي حياة أقرب للجحيم مع زوجها ولا تطلب الطلاق لأنها تخاف من كلام الناس إذا حملت لقب «مطلقة»، فيما اختارت صديقتي الأخرى ضرب عرض الحائط بالكلام الذي وصل لها ولأهلها حين تم ابتعاثها في أول فوج مبتعثات، وعادت بعد سنوات تحمل شهادة الدكتوراه، ما جعل الناس التي طاولتها أذيتهم يسألونها عن الكيفية لابتعاث بناتهم! يقول أصغر مخترع في العالم، المخترع السعودي مهند أبو دية: «عندما كنت في السادسة كان أبي يقول لي «خليك زي الناس»، فسألت أبي كم عدد الناس؟ قال «سبعة بلايين»، فلم أفهم، أخذني للمطبخ وأراني شوال أرز، وقال: «في هذا الشوال بليون حبة أرز، تخيل أن الناس 7 شواويل أرز»، مرت الأيام وشاهدت مرة شاحنة تحمل شواويل أرز، بعد أن فرغ العمال ومضت الشاحنة وجدت عدداً من حبات الرز على الأرض وقد تركتها الشاحنة خلفها ولم تلحظها، يومها انهار عالمي، وقررت ألا أكون مثل الناس، بل أكون مختلفاً عنهم، لذلك قررت أن أكون مخترعاً». لمهند 22 براءة اختراع باسمه، وهو أول طالب كفيف تقبله جامعة البترول والمعادن، ويدرس هندسة الطيران، وهو أحد أصعب التخصصات في العالم، كتب على طاولة مكتبه بالفرجار: «إذا سخر منك الناس فأنت في الطريق الصحيح». [email protected] @manal_alsharif