نسمع «ظل راجل ولا ظل حيطة» من أمهاتنا كثيراً، فتربية بناتنا تدور كلها في فلك إيجاد رجل يكون زوجاً يهبها السعادة. نتجاهل براءتها ونقوم باختيار زوج لها من أطفال الصديقات كان يشد شعرها أو يخطف دميتها قبل قليل: «بزوجك حمودي إذا كبرتوا». سأعطيكم نظرة خاطفة على حوارات يومية بين أم وابنتها: «أمي، أريد الذهاب لأذاكر مع صديقتي»، «ممنوع الخروج من البيت، إذا أتزوجتي أطلعي بكيفك»... «أمي، أريد أن أقص شعري»، «إذا تزوجتي قصيه»... «أمي، أريد أن أدرس طب»، «وتقعدي في الجامعة 7 سنوات وتعنسي؟»... «أمي، لقيت وظيفة في المستشفى»، «إذا أشتغلتي في مكان مختلط ما راح تلاقي إللي يتزوجك»... «أمي، أريد أن أقدم على البعثة»، «الناس ايش تقول علينا؟ عايشة لوحدها بره. إذا أتزوجتي روحي مع زوجك»، «لكن يا أمي أخي مبتعث»، «أخوك رجال... الرجال شايل عيبه والبنت سمعة». مشهد آخر: «نسيت أقول لك. بتروحي معايا الليلة زواج ريما، سمعت أم هاشم تدّور لولدها على عروسة وبتكون هناك. يا رب يكون من نصيبك». وهنا تصر الأم أن تنافس ابنتها العروس في مساحيق التجميل والفستان والمجوهرات. وتتأكد أن ابنتها ستؤدي مهمة لفت نظر أم زوج المستقبل على أتم وجه. إذ ستتكلم بالقطارة وتوزع الابتسامات، ثم يجب أن تقوم «لترقص» حتى ترى أم هاشم ذلك القد الممشوق، والأم تدعو أن تنال ابنتها الرضا لتكون زوجة هاشم. هل أنا وحدي أرى في ذلك المنظر تقليلاً من شأن الفتاة وهرساً لكرامتها؟ ومن البيت للمدرسة، فنعلمهن التدبير المنزلي، التي تعني بدروس الطبخ فقط، ومادة التفصيل والخياطة، بينما نعلم أقرانهن من الأولاد علوم الأرض وتقنية المعلومات. وهنا نحن نمحو شخصية بناتنا، وننشئ ذلك الرابط الخفي، أنها لتعيش سعيدة يجب أن تتبع كل الشروط التي تقربها من هدف إيجاد زوج المستقبل. فتعيش الفتاة بين الخوف والرجاء، تؤجل وتعدل من خطط حياتها لتتلاءم مع ما يعجب الناس ليمنحوها صكوك القبول لدخول دائرة «صالحة للزواج». وعلى الجانب الآخر ننمي في أولادنا الأنانية والاتكالية على المرأة في تصريف أمور المنزل وتربية الأولاد فقط، لأن الله خلقهم ذكوراً. فهو من سيكون «سي السيد» وسيجد الزوجة التي يطوعها ويشكلها كيفما أراد. يستيقظ من النوم والأطفال جاهزون للمدرسة، يعود من عمله ليتغدى وينام ثم يخرج «للقهوة»، تاركاً مسؤولية تعليم الأطفال لأمهم. لا يغسل حتى طبقه الذي تعشى فيه أو ملابسه، من مبدأ «عيب أنا رجال»، ونسي أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» في بيته كان يقوم على خدمة أهله، فيخيط ثوبه ويخصف نعله. ثم يستغرب إذا احتاجت المرأة لعاملة منزلة تساعدها في الحمل الثقيل. نسينا أن «فاقد الشيء لا يعطيه»، فكيف لفتاة نسلبها شخصيتها المستقلة وحرية اتخاذ القرارات في حياتها التي تسعدها هي وليس الآخرين، كيف لها أن تهب السعادة لذلك الرجل؟ وماذا لو لم يأتِ ذلك الرجل؟ هل نؤخر سعادتها إلى أجل غير مسمى؟ هل نوقف جميع القرارات المصيرية في حياتها أملاً أن يأتي يوم ما؟ لو علمنا بناتنا أن السعادة تنبع من حبنا لأنفسنا كما نحن، من الاستقلالية بالفكر والعقل، من اتخاذ القرارات في حياتنا لأنها حياتنا نحن، ونحن من سيعيشها وليس الآخرين. من أن يكون لدينا في حياتنا هدف أكبر وأشمل وأسمى من البحث عن زوج. لعاشت سعيدة ووهبت هذه السعادة لذلك الزوج إذا جاء، بدلاً من أن يصدمها الواقع وتنتهي الزيجة بالفشل، كما هي حال أكثر من نصف الزيجات في مجتمعنا. [email protected] Twitter | @manal_alsharif