تخوض 220 أسرة هذه الأيام، «حرب بقاء» في حي العشيش الواقع على الأطراف الشمالية لمدينة حفر الباطن. فمع الهبوط المتواصل لدرجات الحرارة، التي يُعتقد أنها تلامس الصفر، وبخاصة في ساعات الليل المتأخرة، تبدو الحياة في «غاية الصعوبة» في هذه المدينة، ولكنها «أصعب من ذلك بكثير» في حي العشيش، الذي يقطنه خليط من السعوديين وآخرين لا يحملون جنسيات، 73 في المئة منهم يصنفون «فقراء» و«محتاجون». فما أن تنطلق بسيارتك خارجاً من حفر الباطن، متجهاً إلى طريق الشمال الدولي، الذي يربط دول الخليج ببلاد الشام، إلا وستمر على ما يصح تسميته «بقايا بيوت»، تقع على يمين الطريق، على بعد 5 كيلومترات من المدينة. وقد يخيّل للمار أنها «خرائب» أو «حضارة بادت»، أو هي بلدة كانت «صرحاً» فطوتها الحياة المدنية. لكن حين تقترب منها سترى أناساً تعلوهم «معاناة السنين» سحناتهم ومنظرهم «الأشعث الأغبر» يشكي حجم «صعوبة الحياة وشظفها»، خصوصاً في فصل الشتاء القارس. وهاجمت موجة باردة حفر الباطن، مع دخول أيام «نجم الشبط»، الذي يتميز برياحه الباردة، وانخفاض الحرارة إلى أدنى الدرجات، وقد تصل إلى ما دون الصفر، في ساعات الصباح الباكر، ما يضاعف من معاناة سكان «بيوت الصفيح»، المُسماة شعبياً «العشيش»، الذين يئنون هذه الأيام تحت «وطأة البرد». وعلى رغم أن معاناتهم بدأت منذ دخول فصل الشتاء، إلا أن الأسبوع الماضي كان الأمرُّ والأقسى عليهم. وإذا كان «الشبط»، هاجم ب «ضراوة» جميع سكان حفر الباطن، إلا أن تأثيره كان أشد وأنكى على سكان «بيوت العشيش»، فمنازلهم المؤلفة من الصفيح الرقيق، المُدعم عند الطبقة الأكثر اقتداراً منهم بالخشب وقطع القماش، لا يكاد يرد هجمات البرد. وما يجعل الهجوم نافذاً ومؤذياً أن المنازل في معظمها تخلو من أي وسيلة تدفئة، يقابل ذلك ملابس قليلة، تقف عاجزة عن الحيلولة دون مهاجمة البرد للأجساد. ويعتمد سكان «العشيش»، الذين لم يصلهم التيار الكهربائي بعد، على المولدات الكهربائية، التي يوفرها تاجر مقابل مبلغ شهري، يتضاعف سنوياً. إذ كان 300 ريال. وتم رفعه العام الماضي، إلى 400 ريال. ليرتفع مجدداً هذا العام، إلى 500 ريال شهرياً. وتعد ساعات الصباح أصعب ساعات اليوم، لكون المولدات تعمل 16 ساعة، وتتوقف 8 ساعات. لذا فعملها يكون في الليل. ويتم إغلاقها صباحاً. ليعيش سكان العشيش تحت رحمة الله، يجابهون هجمات الرياح الباردة، بأجساد شبه عارية. ويلخّص محمد الخالدي، وهو رب أسرة، مكونة من 4 بنات، وولد صغير مع أمهم، حال سكان حي العشيش، بقوله: «نخوض حرب بقاء، في مواجهة البرد. إذ ننام في كل ليلة، ولا ندري هل سنستيقظ كأسرة مكتملة العدد، أم أن البرد سيخطف منا واحداً»، لافتاً إلى أن إمكاناتهم المادية لم تساعدهم على مواجهة البرد، «لولا جهود المحسنين، إذ تم توزيع كسوة الشتاء، مع سلة غذائية، وبطانيات، ودفاية واحدة»، مُستدركاً أنه «منذ مطلع الأسبوع الماضي، لم تعد تلك الملابس تكفي لإيجاد الدفء، فنضطر أحياناً لإشعال أي شيء، مع قليل من الخشب، ليمنحنا الدفء». وعن أصعب ما يواجهه سكان بيوت العشيش، يقول محمد بصوت متهدج: «البرد قد يُحتمل، على رغم ما خلّفه في أجسادنا من أمراض، تتضاعف مع مرور السنين. غير أن منظر بناتي وهن يرتجفن تحت اللحاف، ومنظر ولدي الصغير وأسنانه تصطك من البرد، عذاب أتجرعه يومياً، فليس أصعب على الأب من رؤية فلَذات كبده تعاني أمامه، وهو عاجز عن فعل أي شيء لمساعدتهم».