لغة الخطاب في بيان الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» الموجهة لرئيس بلدية عنيزة لم تعجبني، وأثارت في نفسي القلق من انزلاق الهيئة إلى «الأنا» المتضخمة التي تصيب كثيراً من الجهات الحكومية ومسؤوليها، فيما هم يتعاملون مع بعضهم أو مع الناس. الهيئة تقول إنها أعلم من غيرها بما يعنيه تنظيمها، وليست بحاجة إلى من يوضح لها ذلك، وما الذي يجب عليها لكشف ممارسات الفساد ونشرها، وملاحقة مرتكبيها، وما تحصل عليه من معلومات ووثائق وأدلة، وهنا أقول إن كثيراً من مشكلاتنا جاءت من أن بعض الجهات «أعلم من غيرها بما يعنيه تنظيمها». وهذا الكلام من أسباب تخلفنا النظامي، ومن أسباب تباعد التنسيق بين كثير من الجهات الحكومية، وكأن كلاً منها في جزيرة نائية، وأقول أيضاً للهيئة إننا نودّ ومعنا رئيس بلدية عنيزة، ورؤساء بلديات المملكة، ومواطنوها ومسؤولو الجهات الحكومية كافة، أن نعرف تماماً وبدقة ووضوح وشفافية «ما يعنيه نظامها»! النقطة الثانية في بيان الهيئة الذي لم ينسب لأحد من مسؤوليها بالاسم (بيان بلدية عنيزة على لسان رئيسها) قولها: «إنه كان الأجدر برئيس البلدية، وهو حديث عهد، أن ينصرف إلى متابعة أداء موظفيه منذ مباشرته، ويتعرف على ما يقومون به، ليمنع وقوع مثل تلك الجرائم التي تسيء إلى سمعته وسمعة البلدية». وأقول إن «الهيئة» أيضاً حديثة عهد بمكافحة الفساد، وحديثة عهد بالبيانات الصحافية، فهل حداثة العهد بالمنصب أو المسؤولية شيء معيب؟ وهل ينطبق كلام الهيئة على جميع المستويات الإدارية الحكومية؟ وهل يمكن تطبيق ذلك، على مستويات أعلى، وصولاً إلى وزير معيّن حديثاً؟ وإذا كان رئيس البلدية حديث عهد، فكيف تسيء جرائم ارتكبت في الماضي إلى سمعته؟ وبتطبيق هذا المبدأ، هل تتأثر سمعة رئيس أو نائب هيئة مكافحة الفساد إذا اكتشفنا أن هناك جريمة فساد في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نفسها؟ من حقنا أن نعرف، ومن حق بلدية عنيزة ورئيسها ومنسوبيها أن يعرفوا، وإذا ما طبقنا فكرة الهيئة الواردة في بيانها، فكل موظف في أي قطاع سيسيء بجريمته لسمعة المسؤول أو الوزير. أظن في ذلك تجنياً لغوياً وثقافياً كبيراً، وأوقن أن مبدأ الهيئة هذا يخالف النص القرآني الكريم «ولا تزر وازرة وزر أخرى». لا أدافع عن شخص رئيس البلدية، أو أي من منسوبيها، لكن شكل مدينة عنيزة كما رأيت على أرض الواقع يعطي مؤشراً واضحاً على حسن أداء هذه البلدية، وإذا كان فيها فاسد ما، فسيتمّ بتره لإحساسي بأن الأهالي هناك يشكلون الذراع التنفيذية الحقيقية لمكافحة الفساد. هناك نقطة خطرة في بيان الهيئة، تحتاج لوحدها إلى نقاش مستفيض عندما يتصل الحديث (الإثنين) المقبل. [email protected] @mohamdalyami