أواصل الحديث عن «الأنا» المتضخمة في بيان هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) الموجه إلى رئيس بلدية عنيزة، وكنت قلت إن عبارة مثل «أعلم بما يعنيه تنظيمها» من أسباب تأخرنا التنموي لعدم مشاركة الناس والجهات هذا العلم، ثم عرجت على قولها إن فساد أحد الموظفين يسيء إلى سمعة رئيس البلدية وهذا غير صحيح أيضاً، كما بدا بيانها وكأنه يسخر من حداثة الرجل في المنصب. وأعود اليوم لأخطر جملة في بيان «نزاهة»، وهي قولها «وسوف تقوم الهيئة بنشر تفاصيل السرقات والاختلاسات والتزوير والاستغلال وإساءة استغلال النفوذ في البلدية متى ما رأت حاجة لذلك». ختام هذه الجملة «متى ما رأت حاجة لذلك» يؤكد ما ذهبت إليه من حال الغرور الإعلامي التي أصيبت بها الهيئة، التي أدت إلى حال الغرور التنفيذي، فهل من حق الهيئة التي أمر بها وأنشأها محارب الفساد الأول خادم الحرمين الشريفين أن تحجب عنا أي تفاصيل تخص الفساد؟ ألن يكون هذا بحد ذاته فساداً من نوع ما؟ من ذلك النوع الخفي الأملس الذي يستشري حتى يخشوشن ويقوى ويصبح مثل الواقع المرير. عفواً أيتها الهيئة الموقرة، يجب أن تنشري لأن الوطن يرى ذلك، والمواطنين يرون ذلك، وهذا ليس قرار هيئة مكافحة الفساد، إنه قرار السعوديين جميعاً، قائداً وشعباً. تشي جملة «متى ما رأت حاجة لذلك» بأن الهيئة قد اكتشفت حالات فساد ولم تعلن تفاصيلها لأنها لم ترَ حاجة لذلك، وهنا سنعود بمكافحة الفساد إلى المربع الأول، أو فلنقل فسنعود إلى بداية ضلع المربع الأول متخلين عن المسافة التي قطعناها منه، لأننا في واقع الحال لا نزال في المربع الأول. هيئة مكافحة الفساد آخر جهة تود أن تنتقدها، لكنه نقد محب، يخشى أن تتحول على يد من يعيش هذه الأنا العالية المتعالية إلى جهة تكافح الفساد على صفحات الصحف، وتدخل في حروب بيانات لا تعود على الوطن والمواطن بأي نفع، بل أزعم أن الهيئة يجب أن يكون اتصالها الإعلامي بخصوص قضاياها، مثل مكافحة الغش أو تزوير الشيكات، عبر إعلان واضح دقيق يوضح نوع المخالفة والجهة التي أحيلت إليها لتنفيذ العقوبة، وإذا كانت نفّذت تذكر العقوبة، أما أن تمتلئ الصحف بأخبار تحقيقات لا نعرف إلى أين تصل، فهذا بداية الطريق إلى الضعف والروتين، وكأننا أضفنا جهة حكومية مترهلة إلى هيكل الجهات الحكومية. الوطن هو من يحدد الحاجة إلى النشر، وهو من قبل ومن بعد الذي حدد ويحدد الحاجة لإنشاء الهيئة، وأتمنى ألا يصل يوماً إلى الندم على ضياع المال والجهد والوقت من دون الخروج بنتائج حقيقية، الحقيقة هي ما نحتاج إليه، وليس بيانات غير منسوبة لأحد معروف في الهيئة. [email protected] mohamdalyami@